يوم عرفة والنحر 8/12/1432

إرشاد إرشاد
1432/12/08 - 2011/11/04 00:26AM
هذه خطبة مستفادة من عدد من الخطب
شكر الله لجميع الإخوة ونفع بهم

يوم عرفة والنحر 8/12/1432ﻫ
الحمدُ لله الملك العَلاَّم، ذي الفضْل والإنعام، أحمَدُه - سبحانه - وأشكُرُه أنْ جعَلَنا من خير أمَّة أُخرِجت للأنام، وأشهَدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه خير مَن صلَّى وصام، وحجَّ البيت الحرام.
فصلوات ربي وسلامُه عليه وعلى آله الكِرام، وصَحابته الأعلام، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا ما تَعاقَبت الليالي والأيَّام.
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا الله أيُّها المسلمون حَقَّ التقوى، واعلَموا أنَّ الرابح حقًّا مَن استَكثَر من الطاعات، وتزوَّد بالباقيات الصالحات، واستعدَّ لما هو آت. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].
عباد الله: لا نزال نتقلّب في أيام مباركة فاضلة عظّم الله شأنها ورفع مكانتها، ألا وهي أيام عشر ذي الحجة، تلك الأيام التي قال عنها رسولنا ج: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء».
أيها المسلمون: قد مضى أكثرُ هذه الأيام، فمن كان فيها محسنًا فليزدد من الإحسان وليسأل الله القبول، ومن كان فيها مقصرًا أو مفرطًا فليتدارك ما بقي منها، فلعمر الله لقد بقي منها أفضل أيّامها وأكرمها على الله تعالى، ألا وهما يوم عرفة ويوم النحر.
عَرَفَاتُ قَلْبِي لَجَّ بِالشَّكْوَى *** دَوَّى بِصَرْخَتِـهِ وَكَمْ دَوَّى
هَـاجَ الفُؤَادُ تَمَلَّكَتْنِي عَـبْرَةٌ *** لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ وَالنَّجْوَى
هَذِي جُمُوعُ المُسْلِمِينَ تَوَحَّدَتْ *** فِي بُقْعَةٍ نَفْسِي بِهَا نَشْـوَى
يوم عرفه... ما أعظمه من يوم، وما أشرَفَ وأطيب ساعاته، موسمٌ من مواسم الإيمان، له في القلب لوعة وشأن، يوم عظيم عند أهل الأرض وملائكة السَّماء، أقسَمَ به المَلِك العظيم، وهو - سبحانه - لا يُقسِم إلاَّ على أمرٍ عظيم؛ فقال - جلَّ في علاه -: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3]. قال عليه الصلاة والسلام: ((اليوم الموعود يومُ القيامة، واليوم المشهود يومُ عرَفة، والشاهِد يومُ الجمعة))؛ رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.
في هذا اليوم العظيم تتجلَّى رحمةُ الله على عِباده، ويُفِيض عليهم من خَزائِن مُلكِه، فيَرحَم الضعيف، ويقبل المذنب، ويجبر الكَسِير، ويُيسِّر العَسِير، ويُجِيب السُّؤال، ويدنو الرحيم الرحمن من السماء الدنيا، فيُباهِي بأهل الأرض ملائكةَ السماء، ويقول: ما أراد هؤلاء ؟ و«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة» كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ج كما في صحيح مسلم.
أيُّها المؤمنون: دعاء العبد لربِّه وافتِقارُه إليه، هو لُبُّ العبوديَّة وأساسُها، والدُّعاء في هذا اليوم بخاصَّة له عند الرحمن شأنٌ وأي شأن؛ يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((خَيْرُ الدُّعاءِ دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ))؛ رواه الترمذي وغيرُه، وهو حديثٌ حسن.
ولئنْ حازَ الحاجُّ أجرَ المغفرة والرحمة والمباهاة، فإنَّ فضْل الله الوهَّاب على عباده الصائمين الذين لم يحجُّوا قد طاب بإجابة دُعائِهم، وتَكفِير سيِّئاتهم، وستْر عيوبهم
يُسأَل النبيُّ ج عن صوم يوم عرفة، فيقول: «يُكفِّر السنة الماضية والباقية» رواه مسلمٌ .
فاتَّقوا الله أيُّها المؤمنون، وأحسِنُوا استِغلالَ هذا اليوم، فما هو إلاَّ ساعات معدودة، ولحظات محدودة، فاغتَنِموها - رحمكم الله - بالتوبة والاستغفار، والذِّكر والقرآن، والتضرُّع والدعاء، حَقِّقوا رَجاءَكم بربِّكم بحسن الظنِّ به، تجرَّدوا إلى ربِّكم بنُفُوسٍ زكيَّة، وقلوبٍ مُخبِتة، ودعاء صادق خالص.
استَغفِروا الرحمن في يوم الرحمة على ما مضى وكان، فإنَّ ربَّكم غفورٌ رحيم، جواد كريم، يستَحي من عباده إذا رفَعُوا إليه أيديهم أنْ يردَّهم صفرًا.
وهو - سبحانه - يحبُّ ندَم التائبين، وتوبة النادِمين، يعفو عن الزلاَّت، ويَغفِر السيِّئات.
حتى ولو كانت تلك الخطيئات مثلَ زبَدِ البحر أو مثل رمل عاج، أو كعدد أيَّام الدنيا - لَمَحاها الرحيم كما يمحو الليلَ النهارُ.
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، وأقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا .
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُم يَغفِرْ لَكُم ذُنُوبَكُم، وَأَطِيعُوهُ تُفلِحُوا وَتَسعَدُوا في دُنيَاكُم وَآخِرَتِكُم، وَمَن يَتَّقِ اللهَ يجعَلْ لَهُ مخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يحتَسِبُ، وَمَن يَتَّقِ اللهَ يجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا.
عباد الله: وأما يوم العيد فهو من أفضل أيام العام بل قال بعض أهل العلم: إنه أفضل الأيام على الإطلاق لقوله ج: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر» رواه أبو داود وغيره بسند صحيح.
ولا غرو في ذلك فهو يَومُ الحَجِّ الأَكَبرِ الذِي تَقَعُ فِيهِ أَكثَرُ أَعمَالِ الحَجِّ مِنَ الحُجَّاجِ، ففيه يرمون جمرة العقبة ويطوفون بالبيت طواف الإفاضة ويحلقون رؤوسهم ويذبحون هداياهم ويبقون في منى. أما غير الحجاج فإنهم يتقربون إلى الله بصلاة العيد وذبح الأضاحي والتكبير. فحق لهذا اليوم أن تكون له مزيته وشرفه، والحمد لله على نعمه وفضله.
فاتقوا الله أيها المسلمون وعظموا هذا اليوم بما يحبه ويرضاه؛ صلوا صَلاةَ العِيدِ وَالبَسُوا الجَدِيدَ، وَضَحُّوا وَكُلُوا وَاشرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا وَأَهدُوا، وَ «وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ».
عباد الله: اجْعَلُوا عِيدَكُمْ عِيْدَ مَحَبَّةٍ وَوِئَامٍ, وَصِلَةٍ لِلْأَرَحَامِ وَبُعْدٍ عَنِ الآثَامِ, فَتَزَاوَرُا وَلْيُهَنِّئْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً, وَانْشُرُوا الْخَيْرَ! وَمَنْ كَانَ بينه وبين أحد قطيعة أو هجران فَلْيَكُنِ يَوْمُ بِدَايَةً لِزَوَالِ الهَجْرِ وَمَحْوِ القَطِيعَةِ فَإِنَّ النُّفُوسَ فِي العِيْدِ مُقْبِلَةٌ وَالقُلُوبُ قَرِيبَةٌ, وتذكروا قول رَسُولَنا ج : «لَا يَحِلُّ لمسلم أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» متفق عليه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ج قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا, أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا , أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) رواه مسلم.
وأكثروا رحمكم الله في يوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق من التكبير والذكر مطلقاً ومقيداً بأدبار الصلوات، إعلاناً لذكر الله وشكره وإظهاراً لشعائره.
وَأَكْثِرُوا مِنْ التَضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ لإِخْوَانِكُمُ المُسْلِمِينَ فِي الشَّامِ المُبَارَكَةِ..
اللَهُمَّ فَرِّجْ كَرْبَهُم، وَأَظْهِرْ أَمْرَهُم، وَانْتَصِرْ لَهُمْ.. اللهُمَّ ارْبِطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُم، وَقَوِّ عَزَائِمَهُم، وَانْصُرْهُم عَلَى مَنْ ظلمهم وبَغَى عَلَيهِم.
اللهُمَّ أَسْقِطِ النِّظَامَ البَعْثِّيَّ النُصَيرِّيَّ، وَشَتِتْ شَمْلَ البَاطِنِيينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَانْصُرِ المُسلِمِينَ عَلَيهِم، يَا قَوِّيُ يَا عَزِيزٌ..
اللهُمَّ أَعِدِ الأَمْنَ وَالاِسْتِقْرَارَ إِلَى تُونُسَ وَمِصْرَ وَلِيبِيَا وَاليَمَنِ، وَاحْقِنْ دِمَاءَهَم، وَأَطْفِئ نِيرَانَ الفِتْنَةِ عنهم يَا رَبَّ العَالَمِينَ..
اللهُمَّ أَدِمِ الأَمْنَ وَالاسْتِقْرَارَ فِي بِلاَدِنَا وفي سَائِرَ بِلاَدَ المُسلِمِينَ، وَاحْفَظْ الحُجَّاجَ وَالمُعْتَمِرِينِ، اللهم احفظ حجاج بيتك الحرام، وأعنهم على أداءِ نسكهم، واصرف عنهم كيدَ الكائدين وحِقد الحاقدين، وَأَدِرْ دَوَائِرَ السَوءِ عَلَى مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وألبسه ثياب الصحة والعافية واجعله نصراً وعزاً للإسلام والمسلمين .
اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد ج .
اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينِ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُم وَالأَمْوَاتِ، إِنِّكَ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ.
المشاهدات 1786 | التعليقات 0