يوم عرفة والعيد والأضحية
عبدالله العبدلي
1434/12/05 - 2013/10/10 20:17PM
خطبة للشيخ / عبيد بن عساف الطوياوي
الخطبة الأولى عرفة والعيد والأضحية 6-12-1434
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله:
اتقوا الله تعالى ، فهو القائل سبحانه :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ واعلموا يا عباد الله ، بأننا ما زلنا نعيش أياما فاضلة ، العمل الصالح فيها يحبه الله ، ومما يشرع فيها : التكبير ، فهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأيام ، والتكبير عبادة من أعظم العبادات ، أمر الله به ، وحث عليه ، فقال : ) وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ( وقال سبحانه : )وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( وقال أيضا في سورة المدثر : ) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ( . فالتكبير عبادة ، يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : قول العبد : الله أكبر ، خير من الدنيا وما فيها . يقول البخاري ـ رحمه الله ـ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى ، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا. وقال أيضا : كان ابن عمر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ يخرجان إلى السوق في أيام العشر ، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
فالله .. الله .. أيها الأخوة اعملوا بهذه الشعيرة العظيمة ، وأحيوا هذه السنة الكريمة ، كبروا الله في هذه الأيام في كل وقت ، وإذا جاء فجر يوم عرفة ، فقيدوا التكبير ، فكبروا بعد الصلوات المفروضة ، حتى نهاية أيام العيد .
أيها الأخوة المؤمنون :
وفي هذه العشر ، يوم عرفة ، وهو اليوم التاسع منها ، والذي يوافق يوم الإثنين القادم ، فهو يوم عظيم ، فيه كمل الدين ، وفيه يعتق الله ما شاء من عباده من النار ، وفيه يدنو الله جل جلاله يباهي بعباده الملائكة ، وصيامه يكفر سنتين ، سنة قبله وأخرى مثلها بعده ، بذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )) فصوموا ذلك اليوم يا عباد الله ، فإن صيام يوم تطوعا ، قد يكون سببا لنجاة صاحبه من النار ، ففي الحديث ((من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا )) . سبعون عاما تبعد عن وجهك النار .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا والله بحاجة ، بحاجة لما يكفر ذنوبنا ، فكلنا والله ذنوب ، كلنا والله معاصي ، من منا من لا يذنب ، من منا الذي يسلم من الذنب والرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، يخاطبهم وفيهم ومن بينهم الذي لو وضع إيمانه في كفه وإيمان أمة بأكملها في كفة لرجح إيمانه بإيمانهم ، وفيهم ومن بينهم الذي لو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غيره ، لا يطيق الشيطان أن يمشي في طريق يمشي من خلاله ، وفيهم من تستحيي منه الملائكة ، وفيهم من اهتز الجبل من تحت قدميه ، وفيهم من استمعت الملائكة لتلاوته ، وفيهم من أرسل الله جبريل ليقرأ عليه سورة من القرآن ، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب هؤلاء وأمثالهم و يقول كما في الحديث الحسن : (( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون )) إن كان هؤلاء يوجه لهم مثل هذا الخطاب فكيف بنا أيها الأخوة ، بل إخوتي في الله إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، المعصوم ، الذي زكاه الله ، يستغفر من ذنوبه في اليوم الواحد مائة مرة ، كما في الحديث الذي رواه مسلم ، عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة )) . فكيف بنا نحن الضعفاء ، كم غفلنا عن ذكر الله ، كم استمعنا لما حرم الله ، كم نظرنا نظرة لا تحل لنا ، كم شتمنا كم لعنا ، كم وكم ، فا الله .. الله ، لا تبخلوا على أنفسكم ، بصيام يوم يكفر الله به سنتين من ذنوبكم ، سنة قبله ، وسنة بعده ، ما هو والله إلا ساعات سرعان ما تنقضي وتنتهي ، ولكن يثبت أجرها لكم في موازين أعمالكم ، والله ليس بينكم وبينها إلا خروج أرواحكم فأيامكم قصيرة وأجواءكم طيبة.
أيها الأخوة المؤمنون :
وفي ختام هذه الأيام العشر ، سيكون عيد الأضحى ، فاليوم العاشر من هذه الأيام هو أول أيام العيد ، ويوم عيد الأضحى يوم عظيم ، قد رأى بعض أهل العلم ، أنه أفضل أيام السنة ، رأى بعضهم أنه أفضل حتى من يوم عرفة ، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ خير الأيام عند الله يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر ، كما في السنن لأبي داود عنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر )) ، ويوم القر : هو يوم الاستقرار في منى ، وهو اليوم الحادي عشر.
وبعض العلماء قالوا : يوم عرفة أفضل ، لأن صيامه يكفر سنتين ، وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفه ، فعليك أيها المسلم أن تحرص على ما يقربك إلى الله تعالى في ذلك اليوم .
ومما يقرب إلى الله في يوم العيد : الحرص على صلاة العيد ، وحضورها مع المسلمين ، فاحرص ـ أخي المسلم ـ على صلاة العيد ، وإياك أن تكون من الذين يثبطهم الشيطان ، فيفضلون النوم على هذه الشعيرة العظيمة . فقد رجح بعض أهل العلم ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميه بأن صلاة العيد واجبة ، واستدلوا بقوله تعالى : ) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ( ولا تسقط صلاة العيد عن أحد إلا بعذر شرعي ، حتى النساء ، عليهن أن يصلين العيد ، ويشهدن صلاة العيد مع المسلمين ، بل حتى الحيّض والعواتق ، إلا أن الحيّض يعتزلن المصلى .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عنها في صلاة العيد : الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب ، بدون إسراف ولا إسبال ، وأما حلق اللحى الذي يعتقد بعض الناس أنه يتزين به ، فهو والله ليس بزينة ، وكيف تكون الزينة بما حرم الله ، فلنحذر مخالفة السنة يا عباد الله .
ومنها أيها الأخوة : أنه من السنة لمن كان له أضحية يذبحها بعد صلاة العيد ، من السنة أن لا يطعم شيئا قبل صلاة العيد حتى يذبح أضحيته فيأكل منها بعد الصلاة ، فهذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه : لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
وفي يوم العيد تكون شعيرة عظيمة من شعائر الدين ، وهي الأضحية . والأضحية ـ أيها الأخوة ـ مشروعة باتفاق المسلمين ، فلا خلاف بينهم في مشروعيتها ، حكمها سنة مؤكدة ، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وحث أمته على فعلها ، وهي مطلوبة في وقتها من الحي عن نفسه وأهل بيته ، وله أن يشرك في ثوابها من شاء من الأحياء والأموات .
ولا تجوز الأضحية إلا من بهيمة الأنعام : الإبل أو البقر أو الغنم ، أما الإبل فالواحدة عن سبعة ، وكذلك البقر ، الواحدة عن سبعة ، أما الغنم فالشاة عن مضح واحد ، ويضحي الرجل بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ، يقول أبو أيوب رضي الله عنه: إن الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فالشاة الواحدة كافية عن أهل البيت الواحد ، وإن كثر عددهم ، وإن تفاوتت درجة قرابتهم .
أيها الأخوة المؤمنون :
ولنا مع الأضحية وقفات مهمة ، هي كالتالي :
أولا : سن الأضحية :
فلا يضحي إلا بما بلغ السن المعتبر شرعا ، وهو خمس سنوات للأبل ، وسنتان للبقر ، وسنة للمعز ، وستة أشهر للضأن ، فما نقص عن ذلك فإنه لا يجزي ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تذبحوا إلا مسنة ، إلا أن تعسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن )) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الجذع يوفي ما يوفي الثني )) وقد يشكل أيها الأخوة ، معرفة الجذع من الضأن ، كيف نعرف أن هذا الخروف قد أتم الستة أشهر ؟ نعرف ـ أيها الأخوة ـ ذلك عن طريق خبر الثقة ، إذا كان الذي رباه ثقة نعرفه ونعرف أمانته ، وأخبرنا بأنه قد أتم ستة أشهر ودخل في الشهر السابع ، أخذنا بقوله ، وهناك علامة يعرف بها الجذع من الضأن ، ذكرها أهل الخبرة ، فمن الممكن أن نعرف الأضحية منها ، وهي أن الصوف الذي على الظهر ، متى كان قائما فإنه لم يجذع . وأما إذا كان الصوف نائما على الظهر فإنه يصير جذعا .
ثانيا : ماذا أيها الأخوة نفعل بلحم الأضحية ؟ هل الأفضل أن نأكله ، أو نتصدق به ، أو ندخره ؟ ما هو الأفضل ؟
الجواب : قد بين الله تعالى ذلك بالقرآن فقال تعالى : ) فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (فنأكل منها ، ونطعم البائس الفقير ، ونهدي منها . وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين بأنه لا يلزم التقيد بالثلث ، حيث أن الأمر واسع ولله الحمد .
ثالثا : ما هي العيوب التي تمنع من الإجزاء في الأضاحي ؟
سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقيل له : ماذا يتقي من الضحايا ؟ فأشار بأصابع يده فقال أربعا : (( العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والعجفاء التي لا تنقي أو قال الهزيلة التي لا تنقي ))
اسأل الله لي ولكم الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والإقتداء بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، والسير على نهج أسلافنا الصالحين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم أحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .
اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
الخطبة الأولى عرفة والعيد والأضحية 6-12-1434
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله:
اتقوا الله تعالى ، فهو القائل سبحانه :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ واعلموا يا عباد الله ، بأننا ما زلنا نعيش أياما فاضلة ، العمل الصالح فيها يحبه الله ، ومما يشرع فيها : التكبير ، فهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأيام ، والتكبير عبادة من أعظم العبادات ، أمر الله به ، وحث عليه ، فقال : ) وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ( وقال سبحانه : )وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( وقال أيضا في سورة المدثر : ) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ( . فالتكبير عبادة ، يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : قول العبد : الله أكبر ، خير من الدنيا وما فيها . يقول البخاري ـ رحمه الله ـ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى ، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا. وقال أيضا : كان ابن عمر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ يخرجان إلى السوق في أيام العشر ، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
فالله .. الله .. أيها الأخوة اعملوا بهذه الشعيرة العظيمة ، وأحيوا هذه السنة الكريمة ، كبروا الله في هذه الأيام في كل وقت ، وإذا جاء فجر يوم عرفة ، فقيدوا التكبير ، فكبروا بعد الصلوات المفروضة ، حتى نهاية أيام العيد .
أيها الأخوة المؤمنون :
وفي هذه العشر ، يوم عرفة ، وهو اليوم التاسع منها ، والذي يوافق يوم الإثنين القادم ، فهو يوم عظيم ، فيه كمل الدين ، وفيه يعتق الله ما شاء من عباده من النار ، وفيه يدنو الله جل جلاله يباهي بعباده الملائكة ، وصيامه يكفر سنتين ، سنة قبله وأخرى مثلها بعده ، بذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )) فصوموا ذلك اليوم يا عباد الله ، فإن صيام يوم تطوعا ، قد يكون سببا لنجاة صاحبه من النار ، ففي الحديث ((من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا )) . سبعون عاما تبعد عن وجهك النار .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا والله بحاجة ، بحاجة لما يكفر ذنوبنا ، فكلنا والله ذنوب ، كلنا والله معاصي ، من منا من لا يذنب ، من منا الذي يسلم من الذنب والرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، يخاطبهم وفيهم ومن بينهم الذي لو وضع إيمانه في كفه وإيمان أمة بأكملها في كفة لرجح إيمانه بإيمانهم ، وفيهم ومن بينهم الذي لو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غيره ، لا يطيق الشيطان أن يمشي في طريق يمشي من خلاله ، وفيهم من تستحيي منه الملائكة ، وفيهم من اهتز الجبل من تحت قدميه ، وفيهم من استمعت الملائكة لتلاوته ، وفيهم من أرسل الله جبريل ليقرأ عليه سورة من القرآن ، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب هؤلاء وأمثالهم و يقول كما في الحديث الحسن : (( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون )) إن كان هؤلاء يوجه لهم مثل هذا الخطاب فكيف بنا أيها الأخوة ، بل إخوتي في الله إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، المعصوم ، الذي زكاه الله ، يستغفر من ذنوبه في اليوم الواحد مائة مرة ، كما في الحديث الذي رواه مسلم ، عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة )) . فكيف بنا نحن الضعفاء ، كم غفلنا عن ذكر الله ، كم استمعنا لما حرم الله ، كم نظرنا نظرة لا تحل لنا ، كم شتمنا كم لعنا ، كم وكم ، فا الله .. الله ، لا تبخلوا على أنفسكم ، بصيام يوم يكفر الله به سنتين من ذنوبكم ، سنة قبله ، وسنة بعده ، ما هو والله إلا ساعات سرعان ما تنقضي وتنتهي ، ولكن يثبت أجرها لكم في موازين أعمالكم ، والله ليس بينكم وبينها إلا خروج أرواحكم فأيامكم قصيرة وأجواءكم طيبة.
أيها الأخوة المؤمنون :
وفي ختام هذه الأيام العشر ، سيكون عيد الأضحى ، فاليوم العاشر من هذه الأيام هو أول أيام العيد ، ويوم عيد الأضحى يوم عظيم ، قد رأى بعض أهل العلم ، أنه أفضل أيام السنة ، رأى بعضهم أنه أفضل حتى من يوم عرفة ، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ خير الأيام عند الله يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر ، كما في السنن لأبي داود عنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر )) ، ويوم القر : هو يوم الاستقرار في منى ، وهو اليوم الحادي عشر.
وبعض العلماء قالوا : يوم عرفة أفضل ، لأن صيامه يكفر سنتين ، وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفه ، فعليك أيها المسلم أن تحرص على ما يقربك إلى الله تعالى في ذلك اليوم .
ومما يقرب إلى الله في يوم العيد : الحرص على صلاة العيد ، وحضورها مع المسلمين ، فاحرص ـ أخي المسلم ـ على صلاة العيد ، وإياك أن تكون من الذين يثبطهم الشيطان ، فيفضلون النوم على هذه الشعيرة العظيمة . فقد رجح بعض أهل العلم ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميه بأن صلاة العيد واجبة ، واستدلوا بقوله تعالى : ) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ( ولا تسقط صلاة العيد عن أحد إلا بعذر شرعي ، حتى النساء ، عليهن أن يصلين العيد ، ويشهدن صلاة العيد مع المسلمين ، بل حتى الحيّض والعواتق ، إلا أن الحيّض يعتزلن المصلى .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عنها في صلاة العيد : الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب ، بدون إسراف ولا إسبال ، وأما حلق اللحى الذي يعتقد بعض الناس أنه يتزين به ، فهو والله ليس بزينة ، وكيف تكون الزينة بما حرم الله ، فلنحذر مخالفة السنة يا عباد الله .
ومنها أيها الأخوة : أنه من السنة لمن كان له أضحية يذبحها بعد صلاة العيد ، من السنة أن لا يطعم شيئا قبل صلاة العيد حتى يذبح أضحيته فيأكل منها بعد الصلاة ، فهذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه : لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
وفي يوم العيد تكون شعيرة عظيمة من شعائر الدين ، وهي الأضحية . والأضحية ـ أيها الأخوة ـ مشروعة باتفاق المسلمين ، فلا خلاف بينهم في مشروعيتها ، حكمها سنة مؤكدة ، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وحث أمته على فعلها ، وهي مطلوبة في وقتها من الحي عن نفسه وأهل بيته ، وله أن يشرك في ثوابها من شاء من الأحياء والأموات .
ولا تجوز الأضحية إلا من بهيمة الأنعام : الإبل أو البقر أو الغنم ، أما الإبل فالواحدة عن سبعة ، وكذلك البقر ، الواحدة عن سبعة ، أما الغنم فالشاة عن مضح واحد ، ويضحي الرجل بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ، يقول أبو أيوب رضي الله عنه: إن الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فالشاة الواحدة كافية عن أهل البيت الواحد ، وإن كثر عددهم ، وإن تفاوتت درجة قرابتهم .
أيها الأخوة المؤمنون :
ولنا مع الأضحية وقفات مهمة ، هي كالتالي :
أولا : سن الأضحية :
فلا يضحي إلا بما بلغ السن المعتبر شرعا ، وهو خمس سنوات للأبل ، وسنتان للبقر ، وسنة للمعز ، وستة أشهر للضأن ، فما نقص عن ذلك فإنه لا يجزي ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تذبحوا إلا مسنة ، إلا أن تعسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن )) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الجذع يوفي ما يوفي الثني )) وقد يشكل أيها الأخوة ، معرفة الجذع من الضأن ، كيف نعرف أن هذا الخروف قد أتم الستة أشهر ؟ نعرف ـ أيها الأخوة ـ ذلك عن طريق خبر الثقة ، إذا كان الذي رباه ثقة نعرفه ونعرف أمانته ، وأخبرنا بأنه قد أتم ستة أشهر ودخل في الشهر السابع ، أخذنا بقوله ، وهناك علامة يعرف بها الجذع من الضأن ، ذكرها أهل الخبرة ، فمن الممكن أن نعرف الأضحية منها ، وهي أن الصوف الذي على الظهر ، متى كان قائما فإنه لم يجذع . وأما إذا كان الصوف نائما على الظهر فإنه يصير جذعا .
ثانيا : ماذا أيها الأخوة نفعل بلحم الأضحية ؟ هل الأفضل أن نأكله ، أو نتصدق به ، أو ندخره ؟ ما هو الأفضل ؟
الجواب : قد بين الله تعالى ذلك بالقرآن فقال تعالى : ) فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (فنأكل منها ، ونطعم البائس الفقير ، ونهدي منها . وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين بأنه لا يلزم التقيد بالثلث ، حيث أن الأمر واسع ولله الحمد .
ثالثا : ما هي العيوب التي تمنع من الإجزاء في الأضاحي ؟
سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقيل له : ماذا يتقي من الضحايا ؟ فأشار بأصابع يده فقال أربعا : (( العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والعجفاء التي لا تنقي أو قال الهزيلة التي لا تنقي ))
اسأل الله لي ولكم الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والإقتداء بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، والسير على نهج أسلافنا الصالحين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم أحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .
اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
المرفقات
عرفة والعيد والأضحية6.docx
عرفة والعيد والأضحية6.docx