يوم عاشوراء يوم عز ونصر وأمل.

خطبة جمعة
يوم عاشوراء – يوم عز ونصر وأمل.
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، نَحْمَدُهُ سبحانَهُ وتعالى فإنَّهُ لم يَزَلْ حليمًا غَفورًا، ونشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله شهادةً نكونُ بها يومَ الحسابِ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ إلى أهلِهِ مسرورًا، ونشهدُ أنّ سيّدَنا محمّدًا رسولُهُ ومُصْطَفاهُ الذي انْجَلَتْ محاسِنُهُ شمُوسًا وبُدورًا، صلى الله عليه وسلم وعلى الذينَ أظْهَرَ الله بِهِم دينَهُ من الأنبياء وجَزاهُمْ بما صَبَروا جَزاءًا مَوْفُورًا.
أما بعد :
فعباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران 102].
أحبتي في الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعـطينه، ولئن استعاذني لأُعيذنه ))؛ رواه البخاري.
عباد الله، لا شك أن الله لا يسألنا إلا عن الفرائض التي افترضها علينا، فمن أداها على ما أمر الله به ورسوله فاز ونجح، ومن لم يؤدها على ما يحب ربنا ويرضى خاب وخسر، والفرائض هي التي تنجيك من عذاب الله، فأحب شيء إلى الله أن تؤدي ما افترضه الله عليك، ويبقى السؤال: ما الشيء الذي يحبك الله بسببه؟ الجواب يا عباد الله: إنه التقرب إلى الله بالنوافل كما جاء في الحديث: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه))، فإذا أردتَ أن يحبك الله، فأكثر من النوافل، وإذا أحبك الله فأبشر بسعادة الدارين، ومن النوافل التي تقربك من الله: الصيام، قال صلى الله عليه وسلم: ((من صام يومًا في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا))؛ متفق عليه.
فكيف بمن يصوم كل المستحبات؟ لا شك أن ثواب ذلك عند الله عظيم، ومن الصيام الذي يقربك من الله الصوم في شهر الله المحرم خاصة يومي التاسع والعاشر؛ حيث يستحب الإكثار من الصيام في شهر المحرم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))؛ رواه مسلم.
 أخي الكريم، ما دمت تنعم بالحياة فبادر بالعمل، واجد واجتهد، فما أيامنا إلا كتاب نكتبه بأعمالنا، ثم نقدمه لله عند وفاتنا، فمن سره أن يلقى الله مسرورا، ويظفر بالجزاء موفورا، فليبادر للخيرات، مشكورا، مأجورا..
عباد الله!
ويتأكد الاستحباب في صيام العاشر من المحرم (عاشوراء)، فعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))؛ رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره، إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر؛ يعني: شهر رمضان))؛ رواه البخاري ومسلم، ومعنى "يتحرى"؛ أي: يترقب ويتهيأ لصومه؛ لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
وثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "حين صام رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه ‏اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا كان العام المقبل إن شاء ‏الله، صمنا اليوم التاسع))، قال: فلم يأتِ العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم"؛ رواه مسلم، كتاب الصيام، باب: أي يوم يصام في عاشوراء.
ويُستحب صيام يوم التاسع من المحرم (تاسوعاء)؛ مخالفة لليهود في اقتصارهم على صوم العاشر؛ فاحرصوا يا عباد الله على استغلال أيام أعماركم، وعافيتكم، وشبابكم، وفراغكم بما يقربكم إلى الله من النوافل، ومنها: صيام أيام الفرص التي لا تعوض كصيام عاشوراء.
 أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فعباد الله، يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم، وأما سبب صيام النبي صلى الله عليه وسلم له فهو ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم؛ فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه))، فهو اليوم الذي نصر الله فيه موسى وقومه على فرعون وقومه، بأن أغرق الله فرعون وجنوده في البحر ونجى الله موسى وقومه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه؛ شكرًا لله اقتداءً بأخيه موسى عليه السلام، فنحن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ونصومه شكرًا لله.
عباد الله!
في مشهد تاريخي لسيدنا موسى عليه السلام أمام بحرٍ كبير يقفُ ومعه المؤمنين به، ينظر إليهم، إذ بالخوف قد تملّكهم، يقولون مضطربين ماذا أنت فاعل يا موسى "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ" لكنه ثابتٌ، ليس مثلهم، يستمد تلك القوة من ذلك الإيمان واليقين الكامن داخله، يُطمْئنهم ويقول "كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"
قال: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، لم يقل: سينجين ولم يقل سينصرني، قال سيهدين؛ لأن مهمة السعي للنجاة من شأني أنا ومن مسؤوليتي أنا، والهداية إليها من الله، مهمتي الأخذ بالأسباب؛ لأنها سنة إلهية، فالله قادرٌ على فلق البحر لموسى بلا عصا، ولكن ليأخذ الناس بالأسباب، وعندها جاء الأمر من الله لموسى ليبذل سبب النصر، البذل يسير وسهل، ولكن النتيجة عظيمة لا تكاد تستوعبها العقول ولا تصدِّقها، لا يدري كليم الله كيف سيكون المخرج، لكن إحسان ظنه ولَّد صدق توكُّله وكمال يقينه بأن الله ناصره ومنجيه ولن يخذله، ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، وما إن انتهى كليم الرحمن عليه السلام من قوله، حتى جاء الفرج الفوري: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق، وأمر الله الريح لتجفف الطريق، فأصبح طريقًا جافًّا يبسًا سار عليه بنو إسرائيل وموسى معهم: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 64 – 66]، فنجى الله موسى وقومه، وفرعون من خلفهم ينظر ويشاهد تلك المعجزة العظيمة التي لا يصدِّقها عقل، لولا أنها ماثلة أمامه يرى كل تفاصيل مشاهدها، فلما اكتمل خروج موسى وقومه من البحر أمره الله أن يترك البحر كما هو عليه: ﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴾ [الدخان: 24]، فلما رأى فرعون البحر لم يرجع إلى ما كان عليه، وأنه أرض سالكة، دخله هو وجنوده ليدركوا موسى وقومه، فلما دخلوا كلهم أجمعون، وتوسطوا البحر، أمر الله البحر أن ترتطم أمواجه وتغرق فرعون ومن معه: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 90 – 92].
قال موسى عليه السلام تلك الكلمة المليئة باليقين والثقة بالله عز وجل: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾،فجاء الفرج مباشرة، فانفلق البحر العظيم بضربة واحدة من عصا موسى، وتحول إلى طريق يابس أنجى الله فيه موسى ومن معه، وأهلك فيه فرعون وجنده أجمعين.
قل: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾،
  أليس لك رب متين تستقوي به؟!
أليس لك رب يدبر أمرك ويؤيدك بمن يشد أزرَك وتشركه في أمرك؟ أغفلت عمن هو الركن الشديد الذي تأوي إليه، وتلجأ إلى جنابه، وتستمد قوتك من قوته وجلاله وعظمته؟ أليس لك رب تحتمي بحماه؟ قل: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، ارفع بها رأسك وحطِّم بها يأسك، وأظهر بها بأسك.
وافرح بها وتفائل وأحسن الظن
بقادم جميل ، ومستقبل أجمل..
اللهم صل وسلم محمد وآل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وبارك على محمد وآل محمد كما بارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم كما أنجيت في يوم عاشوراء موسى ومنه معه نجي برحمتك الواسعة أهل غزة والسودان والمستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم وفق خادم الحرمين وولي عهده لكل خير واجعلهم في توفيق وسداد ورشاد وأعنهم وقوهم وافتح عليهم.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد
وأقم الصلاة.
 
 
 
المرفقات

1720701445_يوم عاشوراء يوم عز ونصر وأمل.pdf

المشاهدات 1128 | التعليقات 0