يوم عاشوراء نجاة موسى و هلاك فرعون

محمد بن خالد الخضير
1433/01/04 - 2011/11/29 17:36PM
الخطبة الأولى

ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة و كل ضلالة في النار

أيها المسلمون، إن الناظر للقرآن العظيم ليجد أن القصص والحوادث قد أخذت حيزًا كبيرًا من آياته وخطاباته ونداءاته، وفي كل قصة عبرة وما يعقلها إلا العالمون. وقصص القرآن الكريم تحكي صورًا من صور الصراع القديم بين الحق المؤيد من السماء والباطل الذي يلوذ به الأعداء.

ومن هذه القصص العظيمة قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون مصر في عهده، والتي تكرر ذكرها في القرآن فيما يقارب ثلاثين موضعًا، وهي أكثر القَصص القرآني تكرارًا؛ وذلك لمشابهتها لما كان يعانيه الرسول من صناديد قريش وفراعين هذه الأمة, ولما فيها من التسلية له وللمؤمنين حينما يشتد عليهم أذى الكفار والمنافقين، ولما اشتملت عليه من العظات البالغة والدروس والحكم الباهرة والحجج والآيات القاطعة.
عباد الله
لقد تعمد فرعون قتل أبناء بني إسرائيل؛ لأنه بلغه أن غلامًا منهم سيولد يكون هلاك حاكم مصر على يديه، فانزعج لذلك وأمر بقتل كل مولود يولد لبني إسرائيل، ثم خشي انقراض شعبه، فأمر بقتل المواليد سنة وتركهم سنة، فيقدر الله سبحانه أن يولد موسى عليه السلام في السنة التي تقتل فيها المواليد من بني إسرائيل، وقد حزنت أمه حين حملت به خوفًا عليه، وحين وضعته، وكذلك وهي ترضعه، ويُوحى إليها أن إذا خافت عليه أن تضعه في صندوق وتلقيه في البحر، فيا سبحان الله، ويا عجبًا من قدرة الله، البحر بأمواجه المتلاطمة ومياهه الغامرة وأعماقه المظلمة هو الملاذ الآمن للطفل الرضيع، سبحانك إلهنا ما أعظمك، سبحانك ربنا ما أقدرك. نعم البحر المائج والموج الهائج هو الملاذ الآمن للطفل الرضيع؛ لأنه وعد وهو أحق من وعد: فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ

وها هي الرياح العاتية تتقاذف صندوق الرضيع موسى عليه السلام ذات اليمين وذات الشمال، إلى أين؟ إلى بيت فرعون؛ ليكون جبروت فرعون هباءً وخواءً أمام جبروت الجبار وقدرته جل في علاه وتقدس في سماه.

فيالله، ها هو موسى يولد ويسلم من القتل ويصل إلى بيت فرعون دون عناء، فهل لفرعون أن يقتله أو بالسوء يتعرضه؟! كلا ورب الكعبة، الله يحفظه، ومن السوء يمنعه، بل يربيه ويرعاه فرعون دهرًا من الزمن، وما علم أن الذي بين يديه نهايته على يديه، سبحانه أحكم الحاكمين، يعلم ولا نعلم، يقدر ولا نقدر، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

وتتوالى المواقف والأحداث ليأتي الأمر الإلهي لعبده ونبيه موسى بالبدء بالدعوة و الذهاب إلى رأس الكفر والطغيان: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:43، 44]. وما أجمل أن يسبح الدعاة في بحر قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا. فهل نحن خير أم موسى عليه السلام؟! بل موسى ولا شك. وهل من ندعوهم شر من فرعون؟! بل فرعون أشر. فرفقًا معشر الدعاة، وصدق المصطفى : ((ومن يحرم الرفق فقد حرم الخير كله)). فالابتسامة الصادقة والكلمة الرفيقة والهمسة اللطيفة مفاتيح عظيمة لمغاليق القلوب.

ويبدأ موسى في دعوة فرعون وملئه بادئًا خطابه: فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ، وتطرق أذن الطاغية: مِنْ رَبِّكَ، فيتعجب ويسأل: فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى .
هدى كل شيء، هدى الطفل يوم أن رضعته أمه لا يعرف شيئا، هداه إلى ثدي أمه ، فمن الذي دله لثديها وعلمه ؟! إنه الله الواحد الأحد الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. هدى النحلة أن تطير آلاف الأميال لتأخذ الرحيق ثم تعود إلى خليتها، من الذي علمها؟! من الذي دلها؟! إنه الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. هدى النملة تدخر قوتها من الصيف لفصل الشتاء، تسير في نظام دقيق عجيب، من الذي علمها؟! من الذي بصرها؟! إنه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
ويُسقط في يد فرعون، فيلجأ إلى القوة والسلطان ويهدّد بالسجن، وهذه لغة الطغاة والمجرمين، قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ .
أيها المسلمون
وحين نتجاوز كثيرًا من المشاهد والمواقف ونصل إلى نهاية القصة نجد العبرة فيها أكثر والدروس أبلغ، فهذا موسى والمؤمنون معه يفرون بدينهم من وجه الطاغية بأمر الله، ويصر فرعون وجنده على اللحاق بهم، بل ويرسل فرعون في المدائن حاشرين.

ثم ها هو المشهد يقترب من نهايته، والمعركة تصل إلى ذروتها، فها هو موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفينة، ولا يملكون خوضه، وما هم بمسلحين، وقد قارب فرعون وجنوده يطلبونهم ولا يرحمون، ودلائل الحال تقول: البحر أمامهم والعدو خلفهم، [قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ]، ويبلغ الكرب مداه، ويصل الضيق منتهاه، إلا أن موسى عليه السلام لا يشك لحظة، وملء قلبه الثقة بالحق المبين واليقين بعون أرحم الراحمين، [قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ]. (كلا) بهذا الجزم والتأكيد، (كلا) بهذا الثبات واليقين، وحق لموسى أن يملأ فاه بـ(كلا)، ومعتمده مَنِ البحر والسموات والأرضين والبشر كلهم ملكه يصرفهم كيف يشاء، وها هو طريق النجاة ينفتح من حيث لا يحتسبون،( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ).

فسبحانه أحكم الحاكمين، ينشق طريق يابس ولكأنه لم تصبه قطرة ماء، والبحر كالجبال العظيمة واقف ذات اليمين وذات الشمال، وتسير الطائفة المؤمنة والله يرقبها وبالحفظ يكلؤها، تسير واثقة بنصر الله مؤمنة بوعد الله، لكن العناد والطغيان والتجبر المتأصل في نفس فرعون أبى عليه إلا السير خلفهم، فلما تكامل قوم موسى خارجين من البحر وتكامل قوم فرعون داخلين في البحر أمر الله بحره أن أطبق عليهم، وصدق الله: ( وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى صحابته الأبرار، وآل بيته الطيبين الأطهار، ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الحشر والقرار.
أما بعد
أيها الناس، كان إهلاكُ الله تعالى لفرعونَ وجنودِه ونجاةُ موسى وقومه في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ((ما هذا اليوم الذي تصومونه؟)) قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله : ((فنحن أحق وأولى بموسى منكم))، فصامه رسول الله وأمر بصيامه. وقد كان صيام يوم عاشوراء واجبًا قبل أن يفرض صيام رمضان، فلما فرض صيام رمضان أصبح صيام عاشوراء سنة مؤكدة.

وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن صيام هذا اليوم يكفر ذنوب سنة كاملة فقال: ((صيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) رواه مسلم. وروى مسلم أيضًا عن ابن عباس قال: حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال: ((فإذا كان العام القابل إن شاء الله صمت التاسع))، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله ، وفي صحيح مسلم أيضًا: ((خالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده)).

فاحتسبوا ـ أيها المؤمنون ـ وارغبوا في صيام عاشوراء رجاء أن تشملكم رحمة الله ومغفرته، وجددوا لله تعالى التوبة في كل حين
فإنَّ أتباعَ الرّسل والأنبياءِ يجعلون هذا اليومَ يومَ شكرٍ وعبادة وفرحٍ بنجاةِ المؤمنين، كما أنّه يوم حزنٍ وبلاء ومأتمٍ طويل على المشركين وأتباع فرعون

هذا وصلّوا وسلّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله النبيّ الأمّيّ.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين
اللهم إنا نسألك من الخير كله ، عاجله وآجله ، ما علمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله ، عاجله وآجله ، ما علمنا منه وما لم نعلم .
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك ، ونعوذ بك من شر استعاذ منه عبدك ونبيك .اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل ،
اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
المرفقات

يوم عاشوراء.doc

يوم عاشوراء.doc

المشاهدات 10588 | التعليقات 7

مرفق الخطبة بعد التعديل

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/0/9/4/يوم%20عاشوراء%20نجاة%20موسى%20و%20قومه%20و%20اغراق%20فرعون%20و%20قومه.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/0/9/4/يوم%20عاشوراء%20نجاة%20موسى%20و%20قومه%20و%20اغراق%20فرعون%20و%20قومه.doc


بارك الله فيك ونفع بك..
ستكون خطبة غدً بإذن الله تعلى مع بعض التعديلات إن سمحت لي..


و فيك بارك و لك حرية التصرف بها


جزاك الله خيرا


ترفع لمناسبتها


ترفع لمناسبتها


ترفع رفع الله قدركم