يوم عاشوراء .. فضل وحدث

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... اذكروا أيامَ اللهِ بنصرِ أنبيائهِ وأتباعهم لعلَّكُم تشكرون، واذكروا أيامَ اللهِ بخذلِ أعدائهِ ومَن والاهم لعلَّكُم تتقون، واعلموا أن شهرَكُم هذا هو أولُ الأشهُرِ الحُرُمِ، وهو الذي نجَّى اللهُ فيهِ موسى وقومَهُ، وأهلَكَ فرعونَ وقومَهُ، فقد ذكرَهُ الله في القرآن في عدّةِ مواضِع، حيثُ لاقَى موسى عليه السلام ما لم يُلاقِهِ غيرُه من الأنبياءِ، فقد اجتَمَعت عليه المصائبُ منذ كان في الْمَهْدِ حتى الْمَمَات قال الله تعالى ]وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا[ أي: ابتُليتَ بَلاءً، وقال نبيُّنا ﷺ (يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لقدْ أُوذِيَ بأكثَرَ من هذا فَصَبَرَ), لقد امتنَّ اللهُ على قوم موسى عليه السلام بإنجائهم من فرعون وقومه الذين ابتُلُوا منهم بلاءً عظيماً ]وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ[ فقد كانوا يُذيقونهم أشدَّ العذاب، ويُذبِّحون أبنائهم كما تُذبح الحيوانات، ويُبالغون في ذبحهم أمام أعين آبائهم. ولَمَّا أذن اللهُ تعالى بهلاكِ فرعونَ وقومهِ، أَمَرَ نبيَّه موسى أن يسريَ ببني إسرائيل خارجاً بهم عن مِصْرَ، فتبعَهُم فرعونُ بجنودِه أجمعين، فلما أقبلَ موسى وقومُه على البحرِ الأحمرِ أمَرَهُ الله أن يَضربه بعصاه، فضربه فانفلقَ اثني عشرَ طريقاً، والماءُ بينها كالجبال، قد استمسكَ بقدرةِ العظيمِ المتعالِ، فلما تكامَلَ موسى وقومُه خارجين، وفرعونُ وقومُه داخلين، أوحى الله إلى البحرِ أن يَنطبقَ عليهم فأغرقَهُم أجمعين ]فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[. أيها المؤمنون ... لقد كان كُفرُ فرعونَ بوجودِ اللهِ تعالى كُفرَ عنادٍ وجُحودٍ واستكبار، قال موسى عليه السلام مُخاطباً فرعون ]لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا[. استخدمَ فرعونُ كُلَّ الوسائل لصرف الناس عن عبادة الله إلى عبادة نفسه، فسأل عمَّن سَبَقهُ من القرون الفانية، ثم السخرية من موسى ورميِهِ بالجُنون، ثمَّ الْمَن على موسى بإحسانهِ إليه في صِباه، ثمَّ اتهامه بأنه ساحر، ثمَّ نفَى علْمَه بأُلوهيةِ غيره وأثبتها لنفسهِ، ثم استخفافه بقومه بأنه له مُلْكَ مِصْر، ثم تهديده لموسى بالسجن، ثم توعُّدُه بقتله، وبقتل السَّحَرةِ لَمَّا آمنوا بربِّ العالمين. في القصة العظيمة إثباتُ معيَّة الله تعالى الخاصة بأنبيائه وأوليائه ]قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[ فهي معيَّةُ الحِفظِ والنُّصرةِ والتأييدِ والعِصْمةِ. فاعتبروا وتفكَّرُوا - أيها المسلمون - في قصَّة موسى مع فرعون فهي من أعظم القَصص لعلكم تذكرون، وأعظَمُها اعتِباراً لأَهلِ الإيمانِ ولأَهلِ الكُفْرِ، ولهذا كانَ النبيُّ ﷺ يَقُصُّ على أُمَّتِهِ عامَّةَ لَيْلِهِ عن بني إسرائيلَ، وكان ﷺ يَتأَسَّى بموسى عليه السلام في أُمُورٍ كثيرةٍ. أقول ما تسمعون ....     الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... لقد صامَ موسى عليه السلام يومَ عاشوراءَ شُكراً لله على نجاتهِ وقومهِ فيه من فرعونَ وقومهِ، وصامَهُ رسولُ اللهِ ﷺ ورغَّبَ بصِيامِهِ، وسُئِلَ ﷺ عن صَوْمِ يومِ عاشُوراءَ؟ فقالَ (يُكَفِّرُ السَّنةَ الماضيَةَ) وفي رواية: (أَحتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السنةَ التي قَبلَهُ) وسُئل ﷺ: أرأَيْتَ رجُلاً يَصومُ يومَ عاشوراءَ؟ قال (ذاكَ صَوْمُ سَنَةٍ). ويُصوِّرُ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما حِرصَ النبيِّ ﷺ على صيام يوم عاشوراء فيقول: ما رأيتُ النبيَّ ﷺ يَتَحَرَّى صِيامَ يومٍ فضَّلَهُ على غيرِهِ إلاَّ هذا اليومَ، يومَ عاشوراءَ. وكان ﷺ في ابتداء هجرته للمدينة يُفرد صيام يوم عاشوراء، فلا يصوم قبله ولا بعده، موافقة لأهل الكتاب من اليهود، فقد كانَ النبيُّ ﷺ يُحِبُّ مُوافَقَةَ أهلِ الكِتابِ فيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فيهِ. ولَما أَمَرَهُ اللهُ بمخالفتهم، قالَ ﷺ (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قابلٍ لأَصُومَنَّ التاسِعَ) فلَمْ يَأْتِ العامُ الْمُقبلُ حتَّى تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ ﷺ. ولِمَا عُرفَ من فضل صيام يوم عاشوراء فقد كان للسلف حِرصٌ كبيرٌ على صيامهِ، حتى كان بعضهم يصومُه في السفر، بل كانت الصحابيات رضي الله عنهن يُصوِّمنَ صِبيانَهُنَّ الصغار يوم عاشوراء، فعنِ الرُّبيِّعِ بنتِ مُعوِّذِ ابنِ عَفْراءَ رضي الله عنها قالت: فكُنَّا بعدَ ذلكَ نَصُومُهُ، ونُصَوِّمُ صِبيانَنا الصِّغارَ منهُم إن شاءَ اللهُ، ونذهَبُ إلى المسجِدِ فنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فإذا بَكَى أحَدُهُم على الطَّعامِ أعطَينَاها إيَّاهُ عندَ الإفطارِ. فصوموه رحمكم الله، وصَوِّمُوا فيه صبيانكم، فإن المحروم مَن حُرمَ صيامه وصلى الله على نبينا محمد ...