يوم الجمعة فضله وشيء من سننه 1439/06/07

يوم الجمعة, فضله وشيء من سننه[1]
الحمدلله الذي أمر عباده بما فيه صلاح حالهم ومآلهم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلق خلقه ليعبدوه, وأمدهم بالأرزاق والنعم ليشكروه, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, بعثه الله هادياً وبشيراً ومبلِّغاً رسالة ربه ونذيراً, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون, وأطيعوا ربكم كما بذلك أمركم, وأطيعوا رسوله واهتدوا بهديه واقتدوا به, قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
معاشر المسلمين: احمدوا الله أن هداكم ليوم الجمعة فقد أضلَّ غيركم عنه, قال صلى الله عليه وسلم : (أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ)[2] أخرجه مسلم, وكذلك يا عباد الله فإنَّ يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ)[3] أخرجه مسلم.
ومن السنن في يوم الجمعة:
الأول: التطيب ولبس أحسن اللباس والغسل وهو سنة مؤكدة, وأوجبه بعض العلماء للحديث الصريح الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : (الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ)[4] متفق عليه قال الإمام ابن باز رحمه الله: (غسل يوم الجمعة سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم بالوجوب، فينبغي المحافظة على هذا الغسل في يوم الجمعة, والأفضل أن يكون عند توجهه إلى الجمعة...لأنَّ هذا أبلغ في النظافة، وأبلغ في قطع الروائح الكريهة، مع العناية بالطيب واللباس الحسن)[5].
معاشر المسلمين: ومن الآداب يوم الجمعة عدم التفريق بين اثنين وعدم تخطي الرقاب وأن يصلي من النافلة ما كتب له, قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى)[6] أخرجه البخاري قال الإمام ابن رجب رحمه الله: وقوله: (ويتطهر ما استطاع من طهر) الظاهر: أنَّه أراد به المبالغة في التنظف، وإزالة الوسخ، وربما دخل فيه تقليم الأظفار، وإزالة الشعر من قص الشعر وحلق العانة ونتف الإبط؛ فإنَّ ذلك كله طهارة)[7].
الثاني من سنن الجمعة: التبكير إلى حضورها, ويكون من طلوع شمس الجمعة إلى دخول الإمام, فإنَّ على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)[8] أخرجه مسلم.
معاشر المسلمين: من استشعر أنَّ الملائكة في يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول فهل يتأخر عن الحضور حتى يدخل الإمام, حيث تطوي الملائكة صحفها وتجيء لاستماع الذكر التي هي الخطبة. إنَّ من المؤسف حقاً تأخر كثيرٍ من المصلين عن الحضور للجمعة, فاحرص أيُّها المتأخر على التبكير لتنال الأجر العظيم وكتابة الملائكة عند دخولك المسجد.
الثالث من سنن الجمعة: تحية المسجد, فقد جاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: (يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا)[9] أخرجه مسلم.
الرابع من سنن يومِ الجمعة: الصلاة بعد الجمعة أربع ركعات, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا)[10] أخرجه مسلم. قال الإمام النووي رحمه الله: (وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ, فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا وَالْحَثُّ عَلَيْهَا وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا أَرْبَعٌ)[11].
الخامس من سنن الجمعة: كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ)[12]أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
السادس من سنن الجمعة: كثرة الدعاء فيه, فإنَّ فيه ساعة مستجابة, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ)[13] أخرجه مسلم, قال الإمام ابن باز رحمه الله: (أرجح الأقوال في ساعة الإجابة يوم الجمعة قولان: أحدهما: أنَّها بعد العصر إلى غروب الشمس في حقِّ من جلس ينتظر صلاة المغرب، سواء كان في المسجد أو في بيته يدعو ربه، وسواء كان رجلاً أو امرأة، فهو حري بالإجابة، لكن ليس للرجل أن يصلي في البيت صلاة المغرب ولا غيرها إلا بعذر شرعي، كما هو معلوم من الأدلة الشرعية. الثاني: أنَّها من حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة يوم الجمعة، إلى أن تقضى الصلاة، فالدعاء في هذين الوقتين حري بالإجابة. وهذان الوقتان هما أحرى ساعات الإجابة يوم الجمعة لما ورد فيهما من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، وترجى هذه الساعة في بقية ساعات اليوم، وفضل الله واسع)[14].
معاشر المسلمين: أمَّا عن قراءة سورة الكهف يوم الجمعة فقد قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: (قراءة سورة الكهف يوم الجمعة جاءت فيها أحاديث كلها ضعيفة، لكن يشد بعضها بعضاً، وثبت عن ابن عمر أنَّه كان يقرؤها رضي الله عنه كل جمعة، فإذا قرأها الإنسان يوم الجمعة فهو حسن، ويرجى لك فيها الثواب الذي جاء في الأحاديث، وليس ذلك بأمر مقطوع به؛ لأنَّ الأحاديث فيها ضعف، إنَّما هو مستحب)[15].
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] تم إعدادها يوم الثلاثاء 04/06/1439هـ, ليوم الجمعة 07/06/1439هـ, جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
[2] أخرجه مسلم في كتاب الجمعة, باب هداية الله هذه الأمة ليوم الجمعة برقم (856).
[3] أخرجه مسلم في كتاب الجمعة, باب فضل يوم الجمعة برقم (854).
[4] أخرجه البخاري في كتاب الأذان, باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل...برقم (858) ومسلم في كتاب الجمعة, باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال..(846).
[5] ينظر مجموع فتاوى ابن باز (12/ 405).
[6] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة, باب الدهن للجمعة برقم (883).
[7] فتح الباري لابن رجب (8/ 112).
[8] أخرجه مسلم في كتاب الجمعة, باب فضل التهجير يوم الجمعة برقم (850).
[9] أخرجه مسلم في كتاب الجمعة, باب التحية والإمام يخطب برقم (875).
[10] أخرجه مسلم في كتاب الجمعة, باب الصلاة بعد الجمعة برقم (881).
[11] شرح النووي على مسلم (6/ 169).
[12] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث أوس بن أبي أوس الثقفي برقم (16162) وأبو داود في كتاب الصلاة, باب في الاستغفار برقم (1531) والنسائي في كتاب الجمعة, باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة برقم (1374) والحاكم في كتاب الجمعة برقم (1029) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (962).
[13] أخرجه مسلم في كتاب الجمعة, باب في الساعة التي في يوم الجمعة برقم (852).
[14] مجموع فتاوى ابن باز (6/ 125).
[15] فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (13/ 291).
المرفقات

الجمعة-فضله-وشيء-من-سننه

الجمعة-فضله-وشيء-من-سننه

المشاهدات 1606 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


وإياك