يوم الجمعة سيد الأيام
صالح العويد
1434/08/17 - 2013/06/26 18:24PM
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفضلنا به على سائر الأنام، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، فإن تقواه سبحانه بها العصمة من الضلالة، والسلامة من الغواية، وهي السبيل إلى السعادة والنجاة يوم القيامة، فاتقوا الله حق تقاته، والتزموا طاعته ومرضاته،تفوزوابعظيم فضله وجناته
عبادالله اعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى هذه الأمة الإسلامية على سائر الأمم، ونحلها وخصها بخصائص كثيرة وفضائل عديدة ومناقب عظيمة، فبعث فيها خاتم رسلِه، وأنزل إليها أعظم كتبه، ودلها على أحسن شرائعه، حتى غدت خير أمة أخرجت للناس.ومما خص الله تعالى به هذه الأمة وميزها به هذا اليوم المجيد العظيم؛ يوم الجمعة الذي هو سيد الأيام، يوم مباركة أوقاته، طيبةٌ ساعاتُه، اصطفاه الله من بين سائر أيام الأسبوع، وجعل له من الخصائص والمزايا ما شرف بها على غيره.وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ واختص الله عز وجل به أمة الإسلام، فقد ضلت عنه اليهود والنصارى، وهدى الله تعالى أمة الإسلام إليه تشريفًا وتكريمًا لها ببركة نبيها الذي نالت بيمن رسالته كل خير وفضيلة.
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله قال: ((أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ))[4]. فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، وخصنا بأشرف الأيام.
ولقد خصه الله سبحانه بكثير من الحوادث الكونية والشعائر الدينية التي تميز بها عن سائر الأيام فمن خصائصه الكونية أنه خير يوم طلعت فيه الشمس، وأن الله تعالى قدر في هذا اليوم أهم حوادث الخلق وأبرز وقائع التاريخ الكبار؛ ففيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خيرُ يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها وفي رواية له: ((ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي لبابة البدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله عز وجل فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة).
وأما خصائصُ يوم الجمعة الدينية الشرعية فكثيرة متنوعة، فقد خص الله هذا اليوم بآداب شرعية وشعائر دينية تعبدية واجبة ومستحبة، فيجب على المسلمين أن يحتفوا بهذه الخصائص، وأن يهتموا بها علمًا وعملاً.
فمن أبرز خصائص هذا اليوم الشرعية صلاة الجمعة، التي فرضها الله على كل مسلم بالغ ذكر حر، ودليل وجوبها أمر من الله تعالى بالسعي إليها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9].وقد ورد التحذير الشديد عن النبي في حق من تهاون بها أو تركها، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد المنبر يقول: ((لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجُمُعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين))[5]. فترك الجمعة سبب للختم على القلب، وهذا من أعظم العقوبات وأشدها، فإذا ختم عليه ضعفت بصيرته وعمي، وإذا عمي القلب أظلم وانتكس، وفاتته خيرات الدنيا والآخرة.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى صلاة الجمعة سببًا لتكفير السيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر))[6]، وعنه أيضًا : ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا))[7]. ولما كانت هذه الصلاة بهذه المنزلة وهذه المكانة فقد خصت بآدابٍ وأحكام، منها ما هو سابق لها، ومنها ما هو في أثنائها.ومنهاماهوفي جميع يومهاأما الآداب السابقة:
فمن الآداب السابقة الاغتسال والتنظف والتطيب ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) متفق عليه ، وقد أخرج الإمام أحمد بسند جيد عن أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ؛ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)) والإغتسال أمر مؤكد جدًاحتى أن بعض العلماءأوجبه على كل محتلم كمافي الحديث. ويتأكد الاغتسال في حق من به رائحة يحتاج إلى إزالتها، ووقت الغُسل بعد طلوع الفجر، ، لقول النبي: ((من اغتسل يوم الجمعة))، واليوم من طلوع الفجر،ويستحب تأخيره إلى ما قبل خروجه للصلاة، وأما استعمال الطيب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَسَوَّكُ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ لِأَهْلِهِ)) أخرجه أحمدويتنظف بقص شاربه وتقليم أظافره وإزالة مابه من روائح كريهة تؤذي المسلمين
ومن الآداب السابقة للصلاة يوم الجمعة لبس أحسن الثياب التي يقدر عليها، فعن عبد الله بن سلام أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر يوم الجمعة: ((ما على أحدكم لو وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)) أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند جيدوإنك لتعجب ممن يأتي إلى هذه الصلاة العظيمة بثوب مهنته أوبقميص للنوم فأين استشعارعظمة هذااليوم عندهئؤلاء
ومن الآداب السابقة المستحبة تَجْمير المسجد، فقد ذكر سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الله المجمِر أن عمر بن الخطاب أمر أن يُجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.
ومن الآداب أيضًا: التبكير في المجيء إلى صلاة الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)) متفق عليه قال ابن القيِّم: "لمَّا كان يوم الجمعة في الأسبوع كالعيد في العام وكان العيد مشتملاً على صلاة وقربان وكان يوم الجمعة يومَ صلاة جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلاً من القربان وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة والقربان" وسبق في حديث أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ؛ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)).
فكم يضيع من عظيم الأجورعلى كثيرمن الناس فمن المؤسف والمحزن أنك تدخل المسجد قبل مجيء الإمام بوقت قليل، ولا ترى إلا عددًا يسيرًا من المصلين، حتى إذا قارب الإمام أن يفرغ من خطبته أو قلْ: فرغ منها اكتظت المساجد، وغصت بالمصلين،حين أن كثيرا من الشباب والرجال يتسابقون على المدرجات قبل وقت المباراة ربمابساعات ولايتحرجون من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون.ولاحول ولاقوة إلابالله العلي العظيم
ومن الآداب السابقة للصلاة أن يصلي الإنسان ماكتب له حتى يخرج الإمام فليس لصلاة الجمعة راتبة قبلها فقد جاء في صحيح البخاري عن سلمان قال: قال رسول الله: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدَّهِنَ من دُهْنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))، وفي مسند أحمد: ((ولم يتخط أحدا ولم يؤذه وركع ما قضي له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين)).وبعدخروج الإمام فلاصلاة إلاتحية المسجد
فمن دخل والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي يخطب فجلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطُب فليركع ركعتين، وليتجَوَّز فيهما))[14].
ومن الآداب الشرعية أيضًا الإنصات والاستماع للخطبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: "أنصت" والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه[12]. فالكلام أثناء الخطبة حرام لا يجوز، حتى ولو كان أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر، إلا أن يكلّم المأموم الإمامَ نفسَه، فالواجب الإنصات وترك المشاغل عن الخطبة
ومن الآداب الدينية أثناء الخطبة: أن من جاء متأخرًايصلي و يجلس حيث انتهت الصفوف، ولا يجوز له تخطي رقاب الناس، فقد جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: ((اجلس فقد آذيت)) رواه أبو داود بسند لا بأس به[13]. وهذا يدل على تحريم التخطي، إذ إن أذية المسلمين محرمة وقد جاء في صحيح البخاري كمافي الحديث السابق عن سلمان قال: قال رسول الله: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدَّهِنَ من دُهْنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))، وكمافي مسند أحمد: ((ولم يتخط أحدا ولم يؤذه وركع ما قضي له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين)). ولكن ها هنا أمر ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه على من بكَّر إلى المسجد أن يتقدم إلى الصفوف الأولى، وأن لا يدع أمامه فُرجات تضطر من جاء بعده إلى تخطي رقبته. وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أن المصلي إذا رأى فُرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فلا يكره؛ لأن هؤلاء المتأخرين أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم
فاتقوا الله عباد الله، ولتغتنموا يوم الجمعة بجلائل الأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله تعالى، وتدنيكم من رحمته ورضوانه، فإن ذلك من أسباب الفلاح والتوفيق في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يقول عز وجل: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
فاتقوا الله عباد الله، فإن تقواه سبحانه بها العصمة من الضلالة، والسلامة من الغواية، وهي السبيل إلى السعادة والنجاة يوم القيامة، فاتقوا الله حق تقاته، والتزموا طاعته ومرضاته،تفوزوابعظيم فضله وجناته
عبادالله اعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى هذه الأمة الإسلامية على سائر الأمم، ونحلها وخصها بخصائص كثيرة وفضائل عديدة ومناقب عظيمة، فبعث فيها خاتم رسلِه، وأنزل إليها أعظم كتبه، ودلها على أحسن شرائعه، حتى غدت خير أمة أخرجت للناس.ومما خص الله تعالى به هذه الأمة وميزها به هذا اليوم المجيد العظيم؛ يوم الجمعة الذي هو سيد الأيام، يوم مباركة أوقاته، طيبةٌ ساعاتُه، اصطفاه الله من بين سائر أيام الأسبوع، وجعل له من الخصائص والمزايا ما شرف بها على غيره.وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ واختص الله عز وجل به أمة الإسلام، فقد ضلت عنه اليهود والنصارى، وهدى الله تعالى أمة الإسلام إليه تشريفًا وتكريمًا لها ببركة نبيها الذي نالت بيمن رسالته كل خير وفضيلة.
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله قال: ((أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ))[4]. فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، وخصنا بأشرف الأيام.
ولقد خصه الله سبحانه بكثير من الحوادث الكونية والشعائر الدينية التي تميز بها عن سائر الأيام فمن خصائصه الكونية أنه خير يوم طلعت فيه الشمس، وأن الله تعالى قدر في هذا اليوم أهم حوادث الخلق وأبرز وقائع التاريخ الكبار؛ ففيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خيرُ يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها وفي رواية له: ((ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي لبابة البدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله عز وجل فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة).
وأما خصائصُ يوم الجمعة الدينية الشرعية فكثيرة متنوعة، فقد خص الله هذا اليوم بآداب شرعية وشعائر دينية تعبدية واجبة ومستحبة، فيجب على المسلمين أن يحتفوا بهذه الخصائص، وأن يهتموا بها علمًا وعملاً.
فمن أبرز خصائص هذا اليوم الشرعية صلاة الجمعة، التي فرضها الله على كل مسلم بالغ ذكر حر، ودليل وجوبها أمر من الله تعالى بالسعي إليها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9].وقد ورد التحذير الشديد عن النبي في حق من تهاون بها أو تركها، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد المنبر يقول: ((لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجُمُعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين))[5]. فترك الجمعة سبب للختم على القلب، وهذا من أعظم العقوبات وأشدها، فإذا ختم عليه ضعفت بصيرته وعمي، وإذا عمي القلب أظلم وانتكس، وفاتته خيرات الدنيا والآخرة.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى صلاة الجمعة سببًا لتكفير السيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر))[6]، وعنه أيضًا : ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا))[7]. ولما كانت هذه الصلاة بهذه المنزلة وهذه المكانة فقد خصت بآدابٍ وأحكام، منها ما هو سابق لها، ومنها ما هو في أثنائها.ومنهاماهوفي جميع يومهاأما الآداب السابقة:
فمن الآداب السابقة الاغتسال والتنظف والتطيب ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) متفق عليه ، وقد أخرج الإمام أحمد بسند جيد عن أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ؛ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)) والإغتسال أمر مؤكد جدًاحتى أن بعض العلماءأوجبه على كل محتلم كمافي الحديث. ويتأكد الاغتسال في حق من به رائحة يحتاج إلى إزالتها، ووقت الغُسل بعد طلوع الفجر، ، لقول النبي: ((من اغتسل يوم الجمعة))، واليوم من طلوع الفجر،ويستحب تأخيره إلى ما قبل خروجه للصلاة، وأما استعمال الطيب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَسَوَّكُ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ لِأَهْلِهِ)) أخرجه أحمدويتنظف بقص شاربه وتقليم أظافره وإزالة مابه من روائح كريهة تؤذي المسلمين
ومن الآداب السابقة للصلاة يوم الجمعة لبس أحسن الثياب التي يقدر عليها، فعن عبد الله بن سلام أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر يوم الجمعة: ((ما على أحدكم لو وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)) أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند جيدوإنك لتعجب ممن يأتي إلى هذه الصلاة العظيمة بثوب مهنته أوبقميص للنوم فأين استشعارعظمة هذااليوم عندهئؤلاء
ومن الآداب السابقة المستحبة تَجْمير المسجد، فقد ذكر سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الله المجمِر أن عمر بن الخطاب أمر أن يُجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.
ومن الآداب أيضًا: التبكير في المجيء إلى صلاة الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)) متفق عليه قال ابن القيِّم: "لمَّا كان يوم الجمعة في الأسبوع كالعيد في العام وكان العيد مشتملاً على صلاة وقربان وكان يوم الجمعة يومَ صلاة جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلاً من القربان وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة والقربان" وسبق في حديث أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ؛ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)).
فكم يضيع من عظيم الأجورعلى كثيرمن الناس فمن المؤسف والمحزن أنك تدخل المسجد قبل مجيء الإمام بوقت قليل، ولا ترى إلا عددًا يسيرًا من المصلين، حتى إذا قارب الإمام أن يفرغ من خطبته أو قلْ: فرغ منها اكتظت المساجد، وغصت بالمصلين،حين أن كثيرا من الشباب والرجال يتسابقون على المدرجات قبل وقت المباراة ربمابساعات ولايتحرجون من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون.ولاحول ولاقوة إلابالله العلي العظيم
ومن الآداب السابقة للصلاة أن يصلي الإنسان ماكتب له حتى يخرج الإمام فليس لصلاة الجمعة راتبة قبلها فقد جاء في صحيح البخاري عن سلمان قال: قال رسول الله: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدَّهِنَ من دُهْنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))، وفي مسند أحمد: ((ولم يتخط أحدا ولم يؤذه وركع ما قضي له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين)).وبعدخروج الإمام فلاصلاة إلاتحية المسجد
فمن دخل والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي يخطب فجلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطُب فليركع ركعتين، وليتجَوَّز فيهما))[14].
ومن الآداب الشرعية أيضًا الإنصات والاستماع للخطبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: "أنصت" والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه[12]. فالكلام أثناء الخطبة حرام لا يجوز، حتى ولو كان أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر، إلا أن يكلّم المأموم الإمامَ نفسَه، فالواجب الإنصات وترك المشاغل عن الخطبة
ومن الآداب الدينية أثناء الخطبة: أن من جاء متأخرًايصلي و يجلس حيث انتهت الصفوف، ولا يجوز له تخطي رقاب الناس، فقد جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: ((اجلس فقد آذيت)) رواه أبو داود بسند لا بأس به[13]. وهذا يدل على تحريم التخطي، إذ إن أذية المسلمين محرمة وقد جاء في صحيح البخاري كمافي الحديث السابق عن سلمان قال: قال رسول الله: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدَّهِنَ من دُهْنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))، وكمافي مسند أحمد: ((ولم يتخط أحدا ولم يؤذه وركع ما قضي له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين)). ولكن ها هنا أمر ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه على من بكَّر إلى المسجد أن يتقدم إلى الصفوف الأولى، وأن لا يدع أمامه فُرجات تضطر من جاء بعده إلى تخطي رقبته. وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أن المصلي إذا رأى فُرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فلا يكره؛ لأن هؤلاء المتأخرين أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم
فاتقوا الله عباد الله، ولتغتنموا يوم الجمعة بجلائل الأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله تعالى، وتدنيكم من رحمته ورضوانه، فإن ذلك من أسباب الفلاح والتوفيق في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يقول عز وجل: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
المشاهدات 2570 | التعليقات 3
خطبة جليلةٌ عن يومٍ عظيمٍ جليل .
إخواني الخطباء : الإسلامُ أيّها الأحبابُ حضّر النّاسَ بدنيًّا و نفسيًّا و إيمانيًّا من ليلة الجمعة ، ثم أوجب عليهم الإنصاتَ ، وحرّم عليهم اللغوَ ولو بمسّ الحصَى ! ، تُرَى من أجل ماذا كلُّ هذا ؟!
من أجلِ أن يجتمعوا لدينا بقلوبٍ طاهرةٍ حاضِرة وأبدانٍ نظيفة متعطّرة فيُنصِتُوا إلينا ..!
و الله نحن واسطةُ العِقد في هذا الاجتماع الأسبوعيّ العظيم فحقٌّ على من حرّم الكلامَ ونحن نتكلّم أن يكونَ كلامُنا في مستوى الإسلام العظيم وما جاء به من الهدى ودين الحق. .!
بارك الله فيك أخي رشيد
دائماإضافاتك رائعة
نفع الله بها
صالح العويد
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.ولتعلموا أن من أفضل الأعمال الصالحة يوم الجمعة وليلتها الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الهدى ، فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عن أوس بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ))، وروى البيهقي وغيره بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة)).قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (رسول الله سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام؛ فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء قليل من حقه أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته، وقد قال الله عز وجل: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعملون، ، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنِّك يا أكرم الأكرمين.
تعديل التعليق