يوم التباهي 8 / 12 / 1445هـ

خالد الكناني
1445/12/08 - 2024/06/14 08:14AM

يوم التباهي 8 / 12 / 1445هـ

إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ : أيها المسلمون : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

عباد الله : غدا السبت يوم عرفة ، يوم عظيم فضله الله جل وعلا على سائر الأيام بفضائل :

منها أن الله تعالى أقسم به في كتابه الكريم قال تعالى : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) }

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} ، قَالَ: " الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ " مسند أحمد مخرجا (13/ 352)

وقال تعالى : { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } وَالْوَتْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعُ: يَوْمَ النَّحْرِ ( وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ. وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ ) تفسير القرطبي (20/ 40)

ومنها أنه اليوم الذي أكمل الله فيه لهذه الأمة الدين وأتم عليهم فيه النعمة ، قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } المائدة آية 3 ، وهو يوم الركن الأكبر لِحجِّ الحجاج يوم يجتمع فيه الحجاج على صعيد عرفة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((الْحَجُّ عَرَفَةُ ))

ومنها أن يوم عرفة يوم العتق من النار ، ويوم المغفرة والاحسان ، ويوم يباهي الله تعالى بالحجيج على ملائكته المقربين ويوم يدنو سبحانه وتعالى من خلقة وعبيده ، دنوًا يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى ، عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ صحيح مسلم (2/ 982) ،

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا " مسند أحمد مخرجا (13/ 415)

ومنها أن يوم عرفة فيه أفضل الدعاء وأوفر الإجابة من ربّ الأرض والسماء ،عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سنن الترمذي ت بشار (5/ 464) ، فارفعوا أكف الضراعة إلى الله تعالى فيه بكثرة الدعاء والذكر وطلب المغفرة والرحمة .

ومنها أن صيام يوم عرفة لغير الحاج مستحب ، وقد رتب على صيامه لغير الحاج المغفرة والأجر العظيم فهو في حقه سنة مؤكدة ،ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»

 

ومنها أنه يجتمع التكبير المطلق والمقيد من فجر يوم عرفة لغير الحاج ، فالمقيد يكون أدبار الصلوات المكتوبة والمطلق يكون في كل وقت ، ويستمر التكبير إلى آخر أيام التشريق ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله  ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .

فاتقوا الله عباد الله واستغلوا يوم عرفة بالتفرغ له واستغلال لحظاته وساعاته بكل عمل صالح يقربكم من الله تبارك وتعالى ، { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

 

الحمد لله على إحسانه .. الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا .

أما بعد ، أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى وسارعوا وبادروا وسابقوا إلى فعل الخيرات وعمل الصالحات فيما بقي من هذه العشر المباركات واستمروا على ذلك إلى الممات لتنالوا الخيرات والبركات ودخول الجنات ورضى رب الأرض والسموات ، ثم اعلموا عباد الله أن الله شرع لكم في اليوم العاشر من شهركم هذا أمور منها التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي وهي سنة مؤكدة في حق الموسر ، ويبدأ ذبحها من بعد صلاة عيد الأضحى وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ، يضحي عن نفسه وعن أهله من الوالدين والزوجة والأولاد ، لينال الأجر والثواب ، امتثالا لأمر الله تعالى ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ»

ولنختر الطيب منها لنتقرب به إلى الله تبارك وتعالى ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ((وَالْأَجْرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا )) وكان الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يختارون السمين الحسن ، روى الإمام البخاري تعليقاً، عن أبي  أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ، قَالَ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ»

ولنعلم أن من مقاصد الأضحية في الإسلام ، توحيد الله وذكره تعالى ، وتقواه

قال تعالى : ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ))

وقال تعالى : ((وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) ، وآخِرُ هذه العشرِ الفاضلة ، فيها يوم النحر وهو يوم عيد الأضحى ويوم القَرِّ وهو أول أيام التشريق ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ )) ، وفيها أيام التشريق ،  قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ ))

واعلموا عباد الله أن لعيد الأضحى آداب وأحكام ينبغي مراعاتها والتأدب بها ومنها :

المحافظة على صلاة العيد ، والاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب ، والإكثار من التكبير ، و من السنة أن  لا يأكل شيئا حتى يصلي العيد ، فقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلاَ يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ )) ، فإن كان له أضحية  ذبحها بعد صلاة العيد وأكل منها .

، ومن الآداب صلة الأرحام وزيارة الأقارب والجيران والأصدقاء والتهنئة بالعيد ، وأن يعيش المسلم فرحة العيد وفق الآداب والأخلاق الإسلامية .

هذا وصلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))

 

 

 

المرفقات

1718342058_يوم التباهي.pdf

المشاهدات 927 | التعليقات 0