( يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ )
مبارك العشوان
1436/08/11 - 2015/05/29 04:37AM
الحمد لله، نحمده وهو المستحق للحمد والثناء، ونستعين به في السراء والضراء، ونستغفره تعالى من جميع الذنوب والخطايا ونستهديه جل وعلا؛ فلا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى. ونصلي ونسلم على النبي المصطفى؛ من أنزل الله عليه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }. أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها الناس حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: جاء في البخاري من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ؛ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، قَالُوا يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّد،ُ فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: ( إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ). وعند أبي داود وصححه الألباني: ( سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَـــــيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ ) قَالُوا: يَا رَسُـــولَ اللَّهِ، مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: ( التَّحْلِيقُ ).
عباد الله: الخوارج فرقة ضالة مضلة، باغية معتدية؛ خرج أولهم ورأسهم في عهد النبوة، وجاء وصفهم بكل وضوح ودقة على لسان من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. مظاهرهم مظاهر استقامة ودين؛ وهم في الحقيقة شر الخليقة، هم أبعدُ الناسِ من الدين؛ فأيُّ دين يزعمه من يسيء إلى النبي صلى الله عليه وسـلم، ويتهمه بالظلم، أي دين يدعيه من يستحل موبقاتِ الذنوبِ وعظائمِها، من يستحل القتل، أي دين يزعمه قتلة الصحابة رضوان الله عليهم، قتلة عثمانَ رضي الله عنه، ذي النورين وثالث الخلفاء الراشدين، ومن تستحي منه الملائكة. توجهوا بِشَرِّهم وأسلحتِهم للمسلمين، يقول الرجل لا إله إلا الله فيقتلونه ويكبرون.
عباد الله: إن ما حصل في الأيام الأخيرة من الاعتداء على رجال الأمن بالقتل، وما حصل يوم الجمعة الماضي في القطيف لهو اعتداء غاشم ظالم، وفعلة شنيعة، وجريمة عظمى، من خوارج عصرنا: ( داعش ) فمتى كان الاعتداء على بيوت الله وتفجير النفس وقتل المصلين جهادا، يُكَفِّرون الناس ويستحلون دماءهم وأموالهم، يَدَّعون أنهم على الهدى والناسُ كُلُّ الناس على ضلال، اتخذوا لهم رؤوسا جُهالا فسألوهم فأفتوا بغير علم؛ فحللوا وحرموا، وضلوا وأضلوا ـ نعوذ بالله من الضلال ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }الكهف 103- 104
يأمر الله تعالى بسؤال العلماء: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } فيكفرون العلماء ويسألون الجهال.
يأمر الله بطاعة ولاة الأمر: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }. فيكفرون ولاة الأمر ويخرجون عليهم.
يأمر الله تعالى بالوسطية: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } فيجانبونها، ويأخذون بالغلو والتشدد، فيفسدون بغلوهم ولا يصلحون، ويهدمون ولا يبنون.
من خالفهم جعلوه عدوا، وكفروه، وسعوا في قتله، حتى قال قائلهم: ابدأ بأقرب الناس إليك فاقتله.
نعوذ بك اللهم من الضلال، نعوذ بك اللهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فاعلموا رحمكم الله أن من أعظم ما تنعم به بلادنا نعمة الأمن، وفي الحديث: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ) رواه الترمذي وحسنه الألباني. حيزت الدنيا لمن يأمنُ على دينه، ونفسه وعرضه، لمن يأمن على عقله وعلى ماله؛ مع الأمن يهنأ العيشُ، مع الأمن يتفرغ الناس لعبادة ربهم ويتلذذون بها، مع الأمن يتجهون لمصالح دينهم ودنياهم. الأمن من أولى مطالب الحياة، بل هو ضرورة من ضروراتها ولهذا جاء في القرآن والسنة مقروناً بالطعام والشراب اللذان لا حياة لأحد بدونهما وربما قدم عليهما كما دعا الخليل عليه السلام:{ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ }البقرة126 وقال تعالى ممتنا بالأمـــن: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }العنكبوت67 الأمن عباد الله نعمة تستوجب الشكر، فمتى قمنا بشكرها أدامها الله علينا، وزادنا أمناً واستقرارا وطمأنينة، أما من جحدها وتنكر لمعطيها جل وعلا، وبدل نعمته كفراً وبارزه بالمعاصي حلت به نقم الله، ونزلت به النوازل، واختل أمنه:{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112 لا سبيلَ أيها الناس إلى تحقيق الأمن للأشخاص والمجتمعات والدول إلا بدين الإسلام الذي اختاره الله لعباده، لا طريق إلى الكرامة والعز ولا أمَلَ في التمكين والنَّصْرِ، ولا وقاية من العُقوبَات؛ إلاّ بالرُّجوعِ حق الرجوع إلى الدِينِ، إلا بالتَّسْليمِ التامِّ له، إلا بالعض بالنواجذ عليه، والعمل بتعاليمه، وتحكيمه في كل صغيرة وكبيرة.
عباد الله: ثم إن من أعظم مقومات الأمن اجتماع الكلمة والالتفاف حول العلماء، وطاعة ولاة الأمر، والتحاكم إلى الشريعة، من أعظم مقومات الأمن قيام الراعي بحقوق رعيته وقيامهم بحقه، من السمع والطاعة في غير معصية الله ورسوله ولو أصاب الإنسان منهم ما أصابه؛ وإذا قام كل من الراعي والرعية بما وجب عليهم، فليبشروا حينئذ باستتباب الأمن وشيوع المحبة، ووحدة الكلمة، والقوة والمهابة في نفوس الأعداء؛ وإن فرطوا في ذلك سُلط بعضهم على بعض؛ الولاة بأنواع الظلم وإهمال الحقوق، والرعية بالمخالفة والتمرد والسب والبغض ونشر الفوضى.
عباد الله: من أعظم مقومات الأمن من هذه الفتنة المظلمة فتنة التكفير والتفجير: قيامُ كلُّ راعٍ على من تحت رعايته، أيها الآباء تنبهوا لأبنائكم من يصاحبون، بمن يتأثرون، أي المواقع يدخلون، أي الحسابات يتابعون، أي المقاطع يتناقلون.
أيها المعلمون، أيها المربون، طلابكم أمانة في أعناقكم؛ فالله الله في توجيههم وإرشادهم، ليتعاون الجميع فينكروا هذا الشر العظيم، والبدعة المنكرة والفكر الضال المنحرف المهلك.
توجهوا ووجهوا إلى العلم النافع علم الكتاب والسنة؛ ففيهما الحصن الحصين والأمان من كل ضلال: وفي الحديث: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ لهذه البلاد وسائر بلاد المسلمين أمنهم وإيمانهم، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم. ثم صلوا وسلموا...
عباد الله: جاء في البخاري من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ؛ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، قَالُوا يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّد،ُ فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: ( إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ). وعند أبي داود وصححه الألباني: ( سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَـــــيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ ) قَالُوا: يَا رَسُـــولَ اللَّهِ، مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: ( التَّحْلِيقُ ).
عباد الله: الخوارج فرقة ضالة مضلة، باغية معتدية؛ خرج أولهم ورأسهم في عهد النبوة، وجاء وصفهم بكل وضوح ودقة على لسان من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. مظاهرهم مظاهر استقامة ودين؛ وهم في الحقيقة شر الخليقة، هم أبعدُ الناسِ من الدين؛ فأيُّ دين يزعمه من يسيء إلى النبي صلى الله عليه وسـلم، ويتهمه بالظلم، أي دين يدعيه من يستحل موبقاتِ الذنوبِ وعظائمِها، من يستحل القتل، أي دين يزعمه قتلة الصحابة رضوان الله عليهم، قتلة عثمانَ رضي الله عنه، ذي النورين وثالث الخلفاء الراشدين، ومن تستحي منه الملائكة. توجهوا بِشَرِّهم وأسلحتِهم للمسلمين، يقول الرجل لا إله إلا الله فيقتلونه ويكبرون.
عباد الله: إن ما حصل في الأيام الأخيرة من الاعتداء على رجال الأمن بالقتل، وما حصل يوم الجمعة الماضي في القطيف لهو اعتداء غاشم ظالم، وفعلة شنيعة، وجريمة عظمى، من خوارج عصرنا: ( داعش ) فمتى كان الاعتداء على بيوت الله وتفجير النفس وقتل المصلين جهادا، يُكَفِّرون الناس ويستحلون دماءهم وأموالهم، يَدَّعون أنهم على الهدى والناسُ كُلُّ الناس على ضلال، اتخذوا لهم رؤوسا جُهالا فسألوهم فأفتوا بغير علم؛ فحللوا وحرموا، وضلوا وأضلوا ـ نعوذ بالله من الضلال ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }الكهف 103- 104
يأمر الله تعالى بسؤال العلماء: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } فيكفرون العلماء ويسألون الجهال.
يأمر الله بطاعة ولاة الأمر: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }. فيكفرون ولاة الأمر ويخرجون عليهم.
يأمر الله تعالى بالوسطية: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } فيجانبونها، ويأخذون بالغلو والتشدد، فيفسدون بغلوهم ولا يصلحون، ويهدمون ولا يبنون.
من خالفهم جعلوه عدوا، وكفروه، وسعوا في قتله، حتى قال قائلهم: ابدأ بأقرب الناس إليك فاقتله.
نعوذ بك اللهم من الضلال، نعوذ بك اللهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فاعلموا رحمكم الله أن من أعظم ما تنعم به بلادنا نعمة الأمن، وفي الحديث: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ) رواه الترمذي وحسنه الألباني. حيزت الدنيا لمن يأمنُ على دينه، ونفسه وعرضه، لمن يأمن على عقله وعلى ماله؛ مع الأمن يهنأ العيشُ، مع الأمن يتفرغ الناس لعبادة ربهم ويتلذذون بها، مع الأمن يتجهون لمصالح دينهم ودنياهم. الأمن من أولى مطالب الحياة، بل هو ضرورة من ضروراتها ولهذا جاء في القرآن والسنة مقروناً بالطعام والشراب اللذان لا حياة لأحد بدونهما وربما قدم عليهما كما دعا الخليل عليه السلام:{ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ }البقرة126 وقال تعالى ممتنا بالأمـــن: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }العنكبوت67 الأمن عباد الله نعمة تستوجب الشكر، فمتى قمنا بشكرها أدامها الله علينا، وزادنا أمناً واستقرارا وطمأنينة، أما من جحدها وتنكر لمعطيها جل وعلا، وبدل نعمته كفراً وبارزه بالمعاصي حلت به نقم الله، ونزلت به النوازل، واختل أمنه:{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112 لا سبيلَ أيها الناس إلى تحقيق الأمن للأشخاص والمجتمعات والدول إلا بدين الإسلام الذي اختاره الله لعباده، لا طريق إلى الكرامة والعز ولا أمَلَ في التمكين والنَّصْرِ، ولا وقاية من العُقوبَات؛ إلاّ بالرُّجوعِ حق الرجوع إلى الدِينِ، إلا بالتَّسْليمِ التامِّ له، إلا بالعض بالنواجذ عليه، والعمل بتعاليمه، وتحكيمه في كل صغيرة وكبيرة.
عباد الله: ثم إن من أعظم مقومات الأمن اجتماع الكلمة والالتفاف حول العلماء، وطاعة ولاة الأمر، والتحاكم إلى الشريعة، من أعظم مقومات الأمن قيام الراعي بحقوق رعيته وقيامهم بحقه، من السمع والطاعة في غير معصية الله ورسوله ولو أصاب الإنسان منهم ما أصابه؛ وإذا قام كل من الراعي والرعية بما وجب عليهم، فليبشروا حينئذ باستتباب الأمن وشيوع المحبة، ووحدة الكلمة، والقوة والمهابة في نفوس الأعداء؛ وإن فرطوا في ذلك سُلط بعضهم على بعض؛ الولاة بأنواع الظلم وإهمال الحقوق، والرعية بالمخالفة والتمرد والسب والبغض ونشر الفوضى.
عباد الله: من أعظم مقومات الأمن من هذه الفتنة المظلمة فتنة التكفير والتفجير: قيامُ كلُّ راعٍ على من تحت رعايته، أيها الآباء تنبهوا لأبنائكم من يصاحبون، بمن يتأثرون، أي المواقع يدخلون، أي الحسابات يتابعون، أي المقاطع يتناقلون.
أيها المعلمون، أيها المربون، طلابكم أمانة في أعناقكم؛ فالله الله في توجيههم وإرشادهم، ليتعاون الجميع فينكروا هذا الشر العظيم، والبدعة المنكرة والفكر الضال المنحرف المهلك.
توجهوا ووجهوا إلى العلم النافع علم الكتاب والسنة؛ ففيهما الحصن الحصين والأمان من كل ضلال: وفي الحديث: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ لهذه البلاد وسائر بلاد المسلمين أمنهم وإيمانهم، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم. ثم صلوا وسلموا...