يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، والوصية بحفظ الرعية

د عبدالعزيز التويجري
1442/05/23 - 2021/01/07 09:19AM

الخطبة الأولى : يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، والوصية بحفظ الرعية        24/5/1442ه

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد اللهو رسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الدين وسلم تسليما مزيدا . أما بعد

{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ}

عادَتْ هاماتُ الجبالِ شيباً، ولبست من الثلجِ مُلاءً قشيباً.. شابت مفارق البروج بتراكم الثلوج .

       أما ترى الأرضَ قد شابتْ مفارقُها  **  مما نثرنَ عليها وهْيَ لم تشبِ

 ألقى الشتاءُ علينا بكلله، وأحل بنا أثقاله ، فليس في الجو اعتدال .. هو قرٌ ثم حر ..  هو حالٌ ثم حال ..

{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا } سبحان من يُداول الأيام في بني الإنسان ..

نهارٌ مشرقٌ وظلام ليلٍ   **   كأنهما معاً فرسا رهان

يقودان العباد إلى المنايا   **  بلا رسنٍ تراه ولا عنان

والحال لو دامت على الناس لملها الإنسان، وهي رحمة من الله للإنس والجان . (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىيَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ  وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وتقلب الأجواء عبر و مدكر ،ونفع للبر والبحر ، تتفتح فيه الأزهار ، وفوائد لبعض الثمار .. عبرة وذكرا ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ  وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}. وتذكر بأن شدة الحر والبرد إنما هو نفس من انفاس جهنم ، ومنلم يطق النفس فكيف يقوى على الأصل . أجارنا الله وإياكم  منها .

في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: " قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ، فَأْذِنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي  الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ، أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ، أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ ". ومنح الله خلقه من نعمه بما يتقى به هذه الشدة لعلهم يشكرون ويسلمون له (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ  بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ). البرد والحر يجري بأمر الله، والله يقدره كيف شاء ، ويصرفه عن من يشاء ،فصرف حر النار عن خليله عليه لسلام (قُلْنَا يَا نَارُ  كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ). وصرف شدة البرد عن حذيفة رضي الله عنه لما قام بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحلك الضروف وأصعبها ، قال إِبْرَاهِيمَ  التَّيْمِيِّ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ  قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ  لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ،وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ - أي برد-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ  اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»، فَسَكَتْنَا  فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ: «قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قَالَ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ»، فَلَمَّا  وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ – أي من الدفئ- حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ  سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ،فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ : «وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ»، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي  فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ  مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّاأَصْبَحْتُ قَالَ: «قُمْ يَا نَوْمَانُ» أخرجه مسلم . الكرائم العظام، والتبشير بالجنان ، لا تأتي إلا بتحمل الصعاب مع قلة المعين . فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

فاشكر لربك كل وقت  **   على الآلاء والنعم الجسيمة

     واستغفروا ربكم وتوبوا إليه إنا ربنا لغفور شكور

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله على الفضل والعطاء ، وله الشكر ملئ الأرض والسماء . وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم  تسليما كثيرا ، أما بعد 

        قد أطل الشتاءُ ويح الفقيرِ   … كم يعاني من شدة الزمهريرِ

من كان عنده فضل زاد وكساء فل يعد به على من لا زاد له . في صحيح مسلم قال جَرِيرٍ بن عبدالله : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ،فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ  لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ  اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ} «تَصَدَّقَ رَجُلٌ  مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ  كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ  يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ  يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَمِنْ  أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» فالتقوا ربكم الذي أطعمكم من جوع ، وآمنكم من خوف ، فاطعموا الجائع ، واكسوا العاري، واحفظوا حدود الله ورعوا أوامره  ونواهيه ، فمع الفرح بالخيرات وغمرة النعم والخروج للمتنزهات ، تتأكد صيانة الرعية وحفظ الوصيه ،فلا نكون أمعة نهب لكل  صراخ، ونتجمهر عند كل طائر شراع ، لا يُبالى عندها بسقوط الحياء وتدينس لباس العفة ، فالبنيان المتماسك لا يسقط إلا بعد  تزلزل جدرانه، واختلال أركانه ، وجدران بيوتنا هن القوارير المحصنات، والفتيات العفيفات ،فارعوهن حق رعايتهن، و استرو عليهن من شياطين الإنس والجان .. (فمن كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أوأختان فأحسن صحبتهن واتقى الله  فيهن - وفي لفظ وزوجهن فله الجنة ) أخرجه الترمذي.

إن أكبر وسائل حفظ الأمن والقضاء على الجريمة، وأنجح وسائل التربية على الفضيلة والعفة هي إقامة الصلاة، و التربية  عليها (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وأعراضنا، ومن أراد بنا سوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره .. اللهم اهد قلوبنا، وأخلص  نياتنا، وأصلح ذرياتنا.. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد .. 
المرفقات

1610011137_يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.pdf

المشاهدات 1645 | التعليقات 0