يذكرون أعداءهم وينسون أنفسهم ! // عبد الله القرشي
احمد ابوبكر
1435/08/21 - 2014/06/19 02:28AM
من الغبن أن تستبدّ العداوةُ بصاحبها حتى تُنسيه نفسه وأهدافه، وأكبر هزيمة أمام عدوك أن تذكره وتهتم به أكثر من اهتمامك بنفسك. أيُّ تكريم نمنحه العدو حين يصبح محل القيادة في تفكيرنا واهتمامنا ومشاعرنا؟! وأيُّ امتهان لأنفسنا حين ننساها بسبب أعدائنا؟!
إن الشيطان هو العدو الأكبر لابن آدم، ورغم ذلك، فإن الهدف من خلق الإنسان هو عبادة الرحمن وليس عداوة الشيطان.
«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)» [سورة الذاريات]، ولن يكون من المفلحين من اشتغل بذم الشيطان وكُرهه والتحذير منه حتى أضاع الغاية من خلقه.
إن المبالغة في العداوة والاهتمام بالأعداء أكثر من الاهتمام بأنفسنا وتحقيق أهدافنا أمرٌ واقع، وهو في غاية الضرر على قلوبنا، وغاية الخطر على مشاريعنا. أما القلوب فإنها تتشوه وتمرض إذا غلبت كراهيتُها محبتَها، وحضر أعداؤها وغاب أحبابها، وانشغلت بأعداء الله أكثر من اشتغالها وتعلقها بالله. وهذا لا يعني إغفال جانب العداوة والبراءة، فإن العداوة ضرورة لازمة، وواجب شرعي حين تستكمل أسبابها وأركانها، ولكل أمة ودين ومذهب أعداء، لكنّ هذا كله لا يكفي للاسترسال في العداوة والكراهية حتى تكون سيدة مشاعرنا، وقائدة عواطفنا، وحديثنا وهجّيرانا. وانظر إلى الفتية من أصحاب الكهف، وقد زكاهم ربهم وحَكَم بإيمانهم وهدايتهم: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)» [سورة الكهف] لقوا من أقوامهم شدة وعنتا، وعانوا منهم خوفا ورهبا، حتى هربوا بدينهم إلى الكهف. وتركوا بيوتهم وأهليهم، وأموالهم وراحة بالهم «وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)» [سورة البروج]. حتى إذا أووا إلى الكهف.. قالوا: فماذا قالوا؟! هنا تنكشف المعاني الراسخة ، وتنطق المشاعر الغالبة: «إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)» [سورة الكهف]. هذه هي القلوب التي زكّاها ربها بالإيمان والهداية، مشغولة بربها ونفسها أكثر من انشغالها بكرهها وعدوّها، رغم الايذاء والبلاء، في قوة الشباب والفتوة، حيث التفاعل والمشاعر في ذروتها. إنه درس بليغ في تربية قلوبنا، وترتيب أولوياتها، القلب الذي ينهمك في كراهية الأعداء يفكر في النكاية أكثر من الهداية، وينشغل بالانتقام أكثر من الالتزام.
إن ما تسمعه الأذن وتراه العين هو غذاء القلب وقُوتُه، ومن المهم أن نعود إلى المواد المصنوعة لشبابنا، ونراجعها مرة بعد أخرى، ونتساءل: كم حضر أعداؤنا فيها؟ وما حجم الكراهية فيها مقارنة بالمعاني الأخرى التي يحتاجها القلب ويقتات عليها؟
إنه أمر غريب أن تشاهد شابا متدينا كان في مجالس الحفظ، ودروس العلم، محافظا على صلاته في المساجد، ثم تراه في ساحة الحرب يسترخص الدماء، ويستمتع بقطع الرؤوس، ويوثق ذلك ويفاخر به، وبعضها رؤوس كانت تنطق بلا إله إلا الله.
لا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا الحد من النكاية والانتقام إلا وقد عاش قلبه واغتذى على الكراهية، وغابت عنه المعاني المهمة من حب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وعباده الصالحين، والتواضع، وطلب الهداية لنفسه، وحب الهداية لكل الناس. وسبحان الله كيف تكسر هذه الآية حدة الكره، وتفتح باب الأمل، وتعيد الهدف في تعاملنا مع أعدائنا وهو تقديم الهداية على النكاية، وتقديم مصلحة الإسلام على نوازع الانتقام: «عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (7)»[سورة الممتحنة]. لو أتيحت الفرصة هذه الأيام للانتقام من أعداء الله ومحاربيه، واستئصال شأفتهم، فلن نفكر في تفويت هذه الفرصة، وسنحكم على من فوّتها بالبوار والخسار، وكأننا لم نقرأ موقف نبينا (صلى الله عليه وسلم) مع ملَك الجبال وهو يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين! لقد فوت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرصة الانتقام مراعاة لمصلحة الإسلام، وأملا في هدايتهم أو هداية ذراريهم. أعداد كبيرة هذه الأيام لم تسمع بالإسلام، وغاية ما سمعته دعايات مغرضة ضد الإسلام، ما موقع هذا الواجب من اهتمامنا ومشاريعنا؟! هذه واجبات الحب لهداية الناس وتبليغ رسالات الله. تلك خطورة الكراهية واستبدادها وسيادتها على القلوب. أما خطورتها على المشاريع فإنها لا تنمو ولا تنهض حتى ندخر جل تفكيرنا للبناء؛ عمارة القلوب بالإيمان، وعمارة الحياة بالحضارة والعمران. التعليم والصحة والجيش والإدارة والصناعة والاقتصاد ستهزل وتضعف إذا كان الحديث ضد العدو هو أهازيجنا المفضلة. والكره وحده لا يهزم عدوًا، إنما يُهزم بالعلم والنظام ووضوح الرؤية. لقد انشغلنا بأعداء المرأة عن المرأة، وانشغلنا بأهل التغريب عن مشاريع النهضة والبناء، وانشغلنا بذم الصهاينة والصفويين عن بناء أمتنا. ثم نحسب أننا على شيء !«رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)» [سورة الكهف].
إن الشيطان هو العدو الأكبر لابن آدم، ورغم ذلك، فإن الهدف من خلق الإنسان هو عبادة الرحمن وليس عداوة الشيطان.
«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)» [سورة الذاريات]، ولن يكون من المفلحين من اشتغل بذم الشيطان وكُرهه والتحذير منه حتى أضاع الغاية من خلقه.
إن المبالغة في العداوة والاهتمام بالأعداء أكثر من الاهتمام بأنفسنا وتحقيق أهدافنا أمرٌ واقع، وهو في غاية الضرر على قلوبنا، وغاية الخطر على مشاريعنا. أما القلوب فإنها تتشوه وتمرض إذا غلبت كراهيتُها محبتَها، وحضر أعداؤها وغاب أحبابها، وانشغلت بأعداء الله أكثر من اشتغالها وتعلقها بالله. وهذا لا يعني إغفال جانب العداوة والبراءة، فإن العداوة ضرورة لازمة، وواجب شرعي حين تستكمل أسبابها وأركانها، ولكل أمة ودين ومذهب أعداء، لكنّ هذا كله لا يكفي للاسترسال في العداوة والكراهية حتى تكون سيدة مشاعرنا، وقائدة عواطفنا، وحديثنا وهجّيرانا. وانظر إلى الفتية من أصحاب الكهف، وقد زكاهم ربهم وحَكَم بإيمانهم وهدايتهم: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)» [سورة الكهف] لقوا من أقوامهم شدة وعنتا، وعانوا منهم خوفا ورهبا، حتى هربوا بدينهم إلى الكهف. وتركوا بيوتهم وأهليهم، وأموالهم وراحة بالهم «وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)» [سورة البروج]. حتى إذا أووا إلى الكهف.. قالوا: فماذا قالوا؟! هنا تنكشف المعاني الراسخة ، وتنطق المشاعر الغالبة: «إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)» [سورة الكهف]. هذه هي القلوب التي زكّاها ربها بالإيمان والهداية، مشغولة بربها ونفسها أكثر من انشغالها بكرهها وعدوّها، رغم الايذاء والبلاء، في قوة الشباب والفتوة، حيث التفاعل والمشاعر في ذروتها. إنه درس بليغ في تربية قلوبنا، وترتيب أولوياتها، القلب الذي ينهمك في كراهية الأعداء يفكر في النكاية أكثر من الهداية، وينشغل بالانتقام أكثر من الالتزام.
إن ما تسمعه الأذن وتراه العين هو غذاء القلب وقُوتُه، ومن المهم أن نعود إلى المواد المصنوعة لشبابنا، ونراجعها مرة بعد أخرى، ونتساءل: كم حضر أعداؤنا فيها؟ وما حجم الكراهية فيها مقارنة بالمعاني الأخرى التي يحتاجها القلب ويقتات عليها؟
إنه أمر غريب أن تشاهد شابا متدينا كان في مجالس الحفظ، ودروس العلم، محافظا على صلاته في المساجد، ثم تراه في ساحة الحرب يسترخص الدماء، ويستمتع بقطع الرؤوس، ويوثق ذلك ويفاخر به، وبعضها رؤوس كانت تنطق بلا إله إلا الله.
لا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا الحد من النكاية والانتقام إلا وقد عاش قلبه واغتذى على الكراهية، وغابت عنه المعاني المهمة من حب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وعباده الصالحين، والتواضع، وطلب الهداية لنفسه، وحب الهداية لكل الناس. وسبحان الله كيف تكسر هذه الآية حدة الكره، وتفتح باب الأمل، وتعيد الهدف في تعاملنا مع أعدائنا وهو تقديم الهداية على النكاية، وتقديم مصلحة الإسلام على نوازع الانتقام: «عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (7)»[سورة الممتحنة]. لو أتيحت الفرصة هذه الأيام للانتقام من أعداء الله ومحاربيه، واستئصال شأفتهم، فلن نفكر في تفويت هذه الفرصة، وسنحكم على من فوّتها بالبوار والخسار، وكأننا لم نقرأ موقف نبينا (صلى الله عليه وسلم) مع ملَك الجبال وهو يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين! لقد فوت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرصة الانتقام مراعاة لمصلحة الإسلام، وأملا في هدايتهم أو هداية ذراريهم. أعداد كبيرة هذه الأيام لم تسمع بالإسلام، وغاية ما سمعته دعايات مغرضة ضد الإسلام، ما موقع هذا الواجب من اهتمامنا ومشاريعنا؟! هذه واجبات الحب لهداية الناس وتبليغ رسالات الله. تلك خطورة الكراهية واستبدادها وسيادتها على القلوب. أما خطورتها على المشاريع فإنها لا تنمو ولا تنهض حتى ندخر جل تفكيرنا للبناء؛ عمارة القلوب بالإيمان، وعمارة الحياة بالحضارة والعمران. التعليم والصحة والجيش والإدارة والصناعة والاقتصاد ستهزل وتضعف إذا كان الحديث ضد العدو هو أهازيجنا المفضلة. والكره وحده لا يهزم عدوًا، إنما يُهزم بالعلم والنظام ووضوح الرؤية. لقد انشغلنا بأعداء المرأة عن المرأة، وانشغلنا بأهل التغريب عن مشاريع النهضة والبناء، وانشغلنا بذم الصهاينة والصفويين عن بناء أمتنا. ثم نحسب أننا على شيء !«رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)» [سورة الكهف].