يدبر الأمر-16-6-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد بن سامر
1442/06/15 - 2021/01/28 09:31AM

يدبر الأمر-16-6-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

يقولُ اللهُ-تعالى-: "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"، فمن منَ الناسِ عاشَ الدُّنيا على حَالٍ صَافيةٍ، من سعادةٍ أو اجتماعٍ أو غِنىً أو عافيةٍ؟، ولذلكَ صدقوا فيما قَالوا قَديمًا: "دوامُ الحالِ من المُحالِ"، فهكذا الدُّنيا مُتغيرةٌ مُتقلبةٌ، بل هو تقديرُ اللهِ-تعالى-على العبيدِ، بحكمةٍ وعلمٍ إنَّه هو العزيزُ الحميدُ، وصدقَ القائلُ:

ثَمَانِيَةٌ تَجرِي عَلَى النَّاسِ كُلِّهِم*وَلا بُدَّ لِلإِنسَانِ يَلقَى الثَّمَانِيَهْ

سُرُورٌ وَحُزنٌ وَاجتِمَاعٌ وَفُرقَةٌ*وَيُسرٌ وَعُسرٌ ثُمَّ سُقمٌ وَعَافِيَهْ

ويأتي السُّؤالُ: كيفَ ينظرُ المسلمُ إلى تَغيُّراتِ الأحوالِ، حتى يبقى راضيًا راسخًا رسوخَ الجِبالِ؟

استمعوا هذه الآيةِ: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ"، لا إلهَ إلا اللهُ، يُدبِّرُ الأمرَ، فبينما أنتَ في قلقِكَ، هناكَ من يُدبِّرُ أمرَكَ، وبينما أنتَ في خوفِكَ، هناكَ من يُدبِّرُ أمرَكَ، وبينما أنتَ في عجزِكَ، هناكَ من يُدبِّرُ أمرَكَ، وبينما أنتَ في ضَعفِكَ، هناكَ من يُدبِّرُ أمرَكَ، وهو أعلمُ بكَ منكَ، وهو أرحمُ بكَ منكَ، فكيفَ بعدَ ذلكَ يقلقُ أهلُ الإيمانِ، وهو يعلمونَ أن تدبيرَ الزَّمانِ، بيدِ القوي القادرِ العليمِ الرَّحمانِ.

"يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ"، فهو سُبحانَه يُحيي ويُميتُ، ويُعزُّ ويُذلُ، ويُسعدُ ويُشقي، ويُغني ويُفقرُ، ويُكرمُ ويُهينُ، يُجيبُ دَاعيًا، ويُعطي سَائلًا، ويَفكُّ عَانيًا، ويَشفي سَقيمًا، يَغفرُ ذَنبًا، ويُفرجُ كَربًا، ويَرفعُ قَومًا وَيضعُ آخرينَ، يُدبِّرُ أَمرَ الخلائقِ أجمعينَ.

يَقولُ ابنُ عباسٍ-رضيَ اللهُ عنهما: "كَانَ بينَ قَولِ فِرعونَ: "مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي"، وبينَ قَولِه: "أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى" أَربعونَ سَنةٍ-أمهله اللهُ أربعين سنةً ليتوبَ-وفي هذهِ السِّنينَ، كانَ هناكَ تدبيرٌ في السَّماءِ، فَوُلِدَ موسى-عليهِ السَّلامُ-، ورُبِّـيَ في قَصرِ فِرعونَ، ثُمَّ خرجَ إلى مَدينَ، ومكثَ فيها عشرَ سنينَ يرعى الغنمَ، ثُمَّ رجعَ على قَدرٍ من اللهِ-تعالى-، فدخلَ على فِرعونَ وقالَ له قولًا لينًا، وأراهُ الآياتِ الكُبرى، فطَغى، وكذَّبَ وعصى، وأدبرَ يسعى، فماذا كانتْ النِّهايةُ، جاءَ الحُكْمُ ممن يُدبِّرُ الأمرَ: "إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ"، واسمعْ إلى أفضلِ وصفٍ لأطلالِهم وما بقيَ من أشيائهم:، "كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ*كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ"، وصدقَ اللهُ-تعالى-: "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".

فيا أيُّها المريضُ الذي يُصارعُ الأسقامَ، ويُكابدُ الليلَ بينَ الأوجاعِ والآلامِ، لكَ ربٌّ رحيمٌ يُدبِّرُ الأمرَ في كلِّ الأوقاتِ، فارفعْ يديكَ مُضطرًا صَادقًا إلى السَّماواتِ، وقُلْ بقلبٍ حَاضرٍ: "اللهمَّ ربَّ النَّاسِ أذهبَ البأسَ، واشفِ أنتِ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤُك"، فلعلَّ اللهَ يقولُ لك: "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ".

ويا أيُّها المديونُ الذي قد لَبِسَ لِباسَ الذُّلِ والغَمِّ، والتحَفَ بلحافِ الحُزنِ والهمِّ، لكَ ربُّ كريمٌ يدبِّرُ الأمرَ في الليلِ والنَّهارِ، له خزائنُ لا تُنقصُها النَّفقةُ على مَدى الأعمارِ، فانظرْ إلى ربِ السَّماءِ وقُلْ له خَالصا من قلبِكَ ولِسانِكَ: "اللهمَّ اكفني بحلالِك عن حَرامِكَ، وأَغنني بفَضلِكَ عمَّن سِواكَ، اللهم إني أسألُك من فضلِك ورحمتِك فإنه لا يملكها إلا أنتَ" فلعلَّ اللهَ-تعالى-يستجيبُ دُعاءَكَ، "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ".

ويا من يشتكي المشاكلَ التي ظَنَّ أنَّها لا تُحَلُّ، وضاقتْ به الحياةُ وجِسمُه نَحَلَ، ارفعْ شَكواكَ إلى من يُدبِّرُ أمرَ هذا الكونَ، "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ".

وإذا الشدائدُ أقبلتْ بجنودِها*والدهرُ من بعدِ المسرةِ أوجعكْ

فارفع يديْكَ إلى السماءَ ففوقَها*ربٌ إذا ناديتَه ما ضيَّعك

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فعندما ترى الإسلامَ مُحاصرًا من جميعِ الاتجاهاتِ، وتُكالُ إليهِ التُّهمُ بأنَّه سببُ الأزماتِ، ويأتي من يحاولُ الدِّفاعَ عنه بانهزاميةٍ وهَوانٍ، فيستنسخُ إسلامًا مشوهًا يُناسبُ الزَّمانَ، وعندما ترى انتفاشةَ الكفرِ والباطلِ والطُّغيانِ، وترى المنافقينَ يُكشِّرونَ عن أنيابِ البُهتانِ، فتذكَّرْ عندما خرجَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-من مكةَ ليلًا مُتخفيًّا، ثُمَّ اختبأَ مع صاحبِه في غارٍ لمدةِ ثلاثةِ أيامٍ، وكانَ اللهُ-تعالى-يُدبِّرُ الأمرَ: "إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، وبَعدَ أَقلَ من قَرنٍ، كَانَ الأذانُ يُشدى به من أسبانيا إلى الهندِ، ورايةُ التَّوحيدِ تُرفرفُ في أراضي فرنسا والصِّينِ، وصدقَ بأبي هو وأمي لما قالَ-عليه وآلِه وصحبِه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بَلغَ الليلُ والنهارُ، ولا يَتركُ اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله اللهُ هذا الدينَ بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللهُ به الكفرَ".

فالدِّينُ ظَاهرٌ، والحقُّ على طريقِ النَّصرِ، ولكن ما هو دورُكَ في أيامِ الصَّبرِ؟ هل أنتَ من أهلِ سورةِ العصرِ؟ وهل أنتَ ممن قَبضَ على الجَمرِ؟ فالثباتَ الثباتَ، فإنَّ اللهَ يُدبِّرُ الأمرَ، "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ".

واشدُدْ يَدْيـكَ بحَبـلِ الله مُعتَصِمًـا*فإنَّـهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْـكَ أركـانُ

لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا اللهُ ربُ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُ السماواتِ وربُ الأرضِ وربُ العرشِ الكريمِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ، وأصلحْ بطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيئها، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، نسألُك لنا ولهم من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

 

المرفقات

1611826234_يدبر الأمر-16-6-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1611826236_يدبر الأمر-16-6-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1905 | التعليقات 0