يدًا واحدة مع ولاة أمرنا وعلمائنا

يدًا واحدة مع ولاة أمرنا وعلمائنا

الخطبة الأولى

إنَّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا . أما بعد :-

فاتقوا الله تعالى حق التقوى ، وراقبوه في السر والنجوى .

عباد الله : إنَّ بلادنا مستهدَفة من أعدائها ، فما أحوجنا أن نصفِّي قلوبنا ونتآلف ونتعاون ، فما نراه الآن من تكتل الأعداء وتجييش الخوارج ضد هذه البلاد ، يحتم علينا أن نكون جميعاً يدًا واحدة مع ولاة أمرنا وعلمائنا ، وأن نقف صفاً واحداً من أجل المحافظة على أمن هذا الوطن ومقدراته ، وأن نلتف حول ولاة أمرنا وعلمائنا ونشد من أزرهم ، لحماية بلادنا التي هي بلاد التوحيد ، بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومنبع الرسالة ،  وأن نَحْذَرَ ونُحَذِّر من الأحزاب والجماعات التي خالفت الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة ، لشدة خطرها على الدين والبلاد والعباد ، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : " أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة ، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين " [ مجموع الفتاوى ج28ص231 ] .

عباد الله : إن السمع والطاعة وعدم المنازعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة ، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معًا ، فتستقيم الأحوال ، ويستتب الأمن ، وتقام الحدود ، وينصر المظلوم ، ويردع الظالم ، ويُقْضى على أسباب الفساد . وبالمنازعة يكثر الهرج والقتل والفتن ، ويختل الأمن ، ويكثر الفساد ، وينهار الاقتصاد ، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تحمد عقباها . ولقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يُولُونَ هذا الأمر اهتمامًا خاصًّا ، لا سيما عند ظهور بوادر الفتنة ، نظرًا لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد ، والعدول عن سبيل الهُدى والرشاد . وقد عُلِم بالضرورة من دين الإِسلام أنه لا دين إلاَّ بجماعة ، ولا جماعة إلاَّ بإمامة ، ولا إمامة إلاَّ بسمع وطاعة . يقول شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : " فلا ريب أن الله جل وعلا أمر بطاعة ولاة الأمر والتعاون معهم على البر والتقوى ، والتواصي بالحق والصبر عليه ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) [النساء:59] ، هذا هو طريق السعادة ، وطريق الهداية ، وهو طاعة الله ورسوله في كل شيء ، وطاعة ولاة الأمور في المعروف من طاعة الله ورسوله ، ولهذا قال جل وعلا : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ، فطاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله ، فإن أُولي الأمر هم الأمراء والعلماء ، فالواجب على جميع المكلفين التعاون مع ولاة الأمور في الخير والطاعة في المعروف وحفظ الألسنة عن أسباب الفساد والشر والفرقة والانحلال ، ولهذا يقول الله جل وعلا : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) ، أي : ردُّوا الحكم في ذلك إلى كتاب الله ، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في اتباع الحق والتلاقي على الخير والتحذير من الشر ، هذا هو طريق أهل الهدى ، وهذا هو طريق المؤمنين " .. ويقول شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله تعالى : " فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان ، وأن لا يُتَّخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإِثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور ، فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس ، كما أن ملءَ القلوب على ولاة الأمر يُحْدث الشر والفتنة والفوضى ، وكذا ملء القلوب على العلماء يُحْدث التقليل من شأن العلماء ، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها ، فإذا حاول أحد أن يقلِّل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن ، لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم ، وإن تكلم الأمراء تمرّدوا على كلامهم ، وحصل الشر والفساد . فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان ، وأن يَضْبِط الإنسان نفسه ، وأن يعرف العواقب . وليعلم أن مَن يثور إنما يخدم أعداء الإسلام ، فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال ، بل العبرة بالحكمة " .

عباد الله : إن كلام الإمامين الجليلين رحمهما الله تعالى ، يوضِّح المنهج الحق الذي يسير عليه المسلم ، ويكفل - بإذن الله - للمجتمع المسلم أمنه وسلامته . أدام الله علينا الأمن والأمان . وكفانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .. باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة ، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ ، أقولُ قَوْلِي هَذا واسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم وللمسلمين مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم .

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمتِه تَتِمُّ الصالحات ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ خالقُ جميع المخلوقات ، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالهُدى والبيِّنات ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه مِن المؤمنين والمؤمنات . أمَّا بعدُ :-

فكما نكون يدًا واحدة مع ولاة أمرنا ، نكون كذلك يدًا واحدة مع علمائنا ، العلماء وما أدراك ما العلماء ؟ أئمة الهدى ، ومصابيح الدُجى ، بهم يُحتذى ويُهتدى ويُقتدى ، كم طالب علم علَّموه ، وتائه عن صراط الله أرشدوه ، وحائر عن سبيل الله بصَّروه ودلُّوه ، بقاؤهم في العباد نعمة ورحمة ، قال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا ، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا " (أخرجه البخاري ومسلم) . وإنك لتعجب من بعض حُدَثاء الأسنان وقليلي العلم كيف يتطاولون على كبار علماء الأمة ويطعنون في أقوالهم . لا نقولها غلوًّا أو ادعاءً لعصمة هؤلاء العلماء ، لكن الحقيقة والتاريخ بينت رسوخ هؤلاء العلماء وصدقهم ومكانتهم وإخلاصهم ، ولا نزكي على الله أحدًا . ولقد أثبتت لنا الأيام أنّ الالتفاف حول هؤلاء العلماء والأخذ عنهم وعما يستنبطون من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو العاصم لهذه الأمة ، وهو المعين لها بعد الله أمام الفتن والمدلهمات ، وأن العاطفة المجرّدة والحماس غير المنضبط لا يزيد الأمة إلا شراً .

عباد الله : هناك من قلت بضاعته في العلم الشرعي ، وينفر من علماء الأمة الموثوقين ، فأصبح يستمع لكل ناعق ، ويُصدّق كل مجهول ، مما هب ودب في وسائل التواصل المختلفة ، أصبح يستقي من أحكامهم وآراءهم ، حتى باتت عنده في الصحة والمصداقية ككلام الثقة الثبت العدل . فليس كل من أوتي حسن منطق وبيان ، وحفظ المسائل وأدلتها هو العالم الذي يؤخذ منه العلم ، ولهذا قال محمد بن سيرين رحمه الله : " إنَّ هذا العِلمَ دِينٌ ، فانظُروا عمَّن تأخُذون دينَكم " . والمراد بالعلم في قول ابن سيرين : " إن هذا العلم دين " هو العلم الشرعي الذي يَتَقَرَّبُ به العبد إلى الله عز وجل ، وذلك يتمثل في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة . ولهذا يقول الله جل وعلا : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [ سورة النحل: 43] . والآية عامة في كل مسألة من مسائل الدين ، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها أن يسأل من يعلمها من العلماء الراسخين في العلم . فلا يؤخذ العلم إلا عمَّن عُرف بالاستقامة والتقوى ، وحسن الاعتقاد ، وسلامة المنهج ، فالفاسق والمبتدع والداعي إلى غير السنة لا يؤخذ عنهم العلم ، عقوبةً لهم ، وزجراً للناس عنهم ، ولأنهم قد يدسون السم في العسل ، فَيُلَقِنُون طلابهم بدعهم من حيث لا يشعرون .. هذا وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم  كما أمركم بذلك ربكم فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم احفظ إمامنا وولي عهده بحفظك وأيدهم بتأييدك وأعز بهم دينك ياذا الجلال والإكرام . اللهم وفقْهُم لهُدَاكَ واجعلْ عمَلَهُم في رضاكَ ، اللهم وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُهُم على الخيرِ وتعينهم عليه . اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ ، ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ .

عباد الله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .

 

 

( خطبة الجمعة 23/11/1445هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

 

 

المرفقات

1722197125_يدًا واحدة مع ولاة أمرنا وعلمائنا.docx

المشاهدات 167 | التعليقات 0