«يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ». 7 / 7/ 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/07/06 - 2024/01/18 19:23PM

الخطبة الأولى : «يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ».              7/7/ 1445ه

الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد ..

فاتقوا الله ربكم واشكروا له (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)

القلوب بلا هداية ضالة .. والعقول بلا تهذيب هاوية .. والنفوس بلا تزكية خاوية ..

منة عظيمة ومنحة كريمة لهذا الإنسان الصغير أن يرفع الله ذكره ويعلي شأنه، ويهذب نفسه ويزكي روحه، ويجعل من قيمته سامية بين المخلوقات، فترتفع أهدافه وتسموا اهتماماته، ويكون أنموذجا بعقيدته وأخلاقه وتعاملاته ..

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ }

فيا للكرم ! ويا للمنة ! ويا للفضل والعطاء الذي لا كفاء له من الشكر والوفاء !

يمن الله ويتفضل على هذا المخلوق الضئيل والانسان التائه في الأرض فيرسل له رسولا عظيماً بأخلاقه {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، كريما بماله ، وفي البخاري «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ»، رحيماً بأتباعه {بالمؤمنين رؤوف رحيم} ، شفيقا بأعدائه {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}.

يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ .. يتلوا  عليهم كلام الله جل جلاله ، فأي منةٍ للإنس والجان أن يتكلم الله لهم بآيات بينات يُعَرفهم بذاته وعظمته وربوبيته والوهيته، ويذكرهم بآلائه ونعمه..

(وَيُزَكِّيهِمْ) يزكيهم ويطهرهم ويرفعهم وينقيهم .. يطهر قلوبهم وتصوراتهم ومشاعرهم.. ويطهر بيوتهم وأعراضهم وصلاتهم.. ويطهر حياتهم ومجتمعهم وأنظمتهم..

 يطهرهم من أرجاس الشرك والوثنية والخرافة..

يطهرهم من دنس الحياة الجاهلية, وما تلوثُ به المشاعر والتقاليد والقيم والمفاهيم.. (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )

كانت هذه الأمة من قبل في ضلال مبين، وجاهلية عمياء.. يسلب غنيها فقيرها، ويأكل قويها ضعيفها..

جاهليةٌ بهيميةٌ لا هدف لها ولا غاية، ولا سمو ولا قيمة .. جاهليةٌ وصفها جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حين قدم على النجاشي مع ثلة من المؤمنين فارين بدينهم من جهالة العرب فقال لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، " فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ"

إنه الوحل الذي طهر الإسلام منه العرب وزكاهم، وكانوا لولا الإسلام غارقين إلى الأذقان فيه !

كانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف.. تقتل في مهدها وتوؤد كرامتها،, وتؤكل حقوقها , وتبتز أموالها , وتحرم من إرثها , وتورث كما يورث المتاع.. قال ابن عباس رضي الله عنه:" كان الرجل إذا مات أبوه أو حموه , فهو أحق بامرأته , إن شاء أمسكها أو يحبسها حتى تفتدى بصداقها , أو تموت فيذهب بمالها "

انحطاط وأرجاس في الأدواء الخلقية والاجتماعية والقبلية، ليس لديهم شغل ولا هم ولا همة إلا مفاخرات في الأشعار ، وخمر وقمار ، وثارات قبلية..

هانت عليهم الحروب وإراقة الدماء من أجل مجارات ورهان دامت سنين عددا .. فنيت معها طعمُ الحياة , ويتم الأولاد وثكلتِ الأمهات ..

كل ذلك جاء علامة فراغ في الحياة من الاهتمامات الكبيرة , التي تشغلهم عن تفريغ الطاقة في هذه الا الاهتمامات الرديئة ..

 إذ لم يكن للجيل والأمة رسالة للحياة , ولا تطور ورقي للنفس , ولا دور ولا عمل إيجابي للمجتمع , ولم تكن هناك عقيدة تطهرهم من هذه الأرجاس الاجتماعية الذميمة . . وماذا يكون الناس من غير عقيدة ربانية ? ماذا تكون اهتماماتهم بغير الدين ? وماذا تكون تصوراتهم من غير المنهج السليم ? وماذا تكون أخلاقهم ? {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}

إن الجاهلية هي الجاهلية، ولكل جاهلية أرجاسها وأدناسها، لا يهم موقعها من الزمان والمكان . فحيثما خلت قلوب الناس من العقيدة وتوحيد الله جل جلاله  التي تحكم تصوراتهم وتصرفاتهم , وخلت من شريعة ربانية  تحكم حياتهم , فلن تكون إلا الجاهلية في تصرفاتها واهتماماتها.. . والجاهلية التي تتمرغ البشرية اليوم في وحلها , لا تختلف في طبيعتها عن تلك الجاهلية الأولى، وإن ارتدت لباس الحضارة الراقية في ألفاظها، المنحطة في تعاملاتها واخلاقها .. {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.وتهبطُ النفس وتنحطُ القيم في التبعيةِ في غيرِ هدى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}.. ولا تعلو النفسُ إلا حينَ تتقلدُ قناديلَ العزةِ في غيرِ كبرٍ، والتواضعَ من غيرِ ذُلٍ، والمحبةُ في اللهِ وباللهِ ومن أجل الله، فهي قدحُ الإيمانِ المعلى، وعلامتُه الأسمى..

أرى الناسَ من دانهم هان عندهم   **      ومن أكرمته عزةُ النفسِ أُكرما

نستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه أن ربي رحيم ودود.

الخطبة الثانية :

 الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد

خلق اللهُ نفسَ الإنسانِ روحَهُ عزيزةٌ مكرمةٌ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} كرمناها في العقل والتمييز والبيان، ومن كمالِ علوِها وارتفاعِ قيمتِها أن تسموا عن الترهاتِ.. سموٌ تأنف معه النفسُ أن تلجَ مواردَ ينعدم فيها حياء المرأة وتضعف فيها قوامة الرجل وتُكسر ، من أجل مشربِ أو نظر ..

 قيمةُ النفسِ تأبى أن تهين كرامتَها في تهريجِ وسخفٍ، أوتُذل نفسه من أجلِ لعاعةٍ من الدنيا.

          لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ   **     بَلْ اسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الْحَنْظَلِ

 السمو.. حينما تتعلقُ بنورِ السماء، وترتدي طهرَ الحياء ..

تتهاوى القيم وتسفل الاهتمامات حينما لا يكون لنفس الانسان قيمة عنده يسعى لرقيها، أوهدف عالٍ ينشغل في تحقيقه، فتضيع نفسه في ملاحقة كل جديد، ومتابعات رياضة ويوميات أناسٍ فارغين ..

    وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني   **    ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما

قيمةُ الانسان فيما يحمل، وسموهِ في اهتماماته وأهدافه، ورقيه في عطائه ونفعه .. « احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ»

 اللهم أخلص نياتنا واصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .

اللهم صل وصلم على عبدك ورسولك نبينا محمد .......

الهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ......

المرفقات

1705595078_«يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ».docx

المشاهدات 1011 | التعليقات 0