يَا مُسْلِمُونَ : مَا هَكَذَا يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ 17 ربيع ثاني 1436هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1436/04/15 - 2015/02/04 13:37PM
يَا مُسْلِمُونَ : مَا هَكَذَا يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ 17 ربيع ثاني 1436هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , نَحْمَدُهُ وَنُثْنِي عَلَيْهِ وَنَشْكُرُهُ جَلَّ وَعَلَا أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ الْقَوِيم ، وَمِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ ، فِهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ عِنْدَ الْحِسَابِ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَقْبُولَةً وَقَدْ تَكُونُ مَرْدُودَةً ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ . وَهَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ حَسَبَ إِخْلَاصِهِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَمَلِهِ ، وَحَسَبَ اتِّبَاعِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَكَلَّمُ عَنْ بَعْضِ الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ فَتُخِلُّ بِصَلَاتِهِمْ وَرُبَّمَا تُبْطِلُهَا .
فَمِنَ الْأَخْطَاءِ : تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) قَالَ ابْنُ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ : مُضَيِّعُونَ لَهَا ، تَارِكُونَ لِوَقْتِهَا ، مُفَوِّتُونَ لِأَرْكَانِهَا ، وَهَذَا لِعَدِمِ اهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ اللهِ حَيْثُ ضَيَّعُوا الصَّلَاَة التِي ِهَي أَهَمُّ الطَّاعَاتِ وَأَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ ا.هـ.
وَقَدْ كَثُرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَضْيِيعُ الصَّلَاةِ وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَضْلَاً عَنْ تَرْكِهَا فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا أَمْرٌ يُنْذِرُ بِالْخَطَرِ .
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ : عَدَمُ إِحْسَانِ الطَّهَارَةِ لِهَا ، وَقَدْ تَوَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَلَّ بِالطَّهَارَةِ ، وَلَمَّا رَأَى رَجُلاً فِي قَدَمِهِ لُمْعَةً صَغِيرَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَعَنْ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ ، لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَخْطَاءِ عَدَمُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الصَّلَاةِ ، فَتَجِدُ الْوَاحِدَ يُصَلِّي وَكَأَنَّهُ فِي سِبَاقٍ ، مَعَ أَنَّ اللهً سُبْحَانَهُ حِينَمَا عَدَّدَ صِفَاتِ عِبَادَهَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ الصِّفَةُ الأُولَي الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ يَشْتَكِي مِنْ أَنَّهُ لا يُحِسُّ بِطَعْمِ صَلَاتِهِ وَأَنَّهَا لا تُؤَثِّرُ فِيهِ ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ تَرْكُ الطُّمَأْنِينَةَ .
وَتَرْكُ الطُّمَأْنِينَةِ مُبْطِلٌ لِلصَّلاةِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ) فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ) - ثَلَاثًا – فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي ، فَقَالَ (إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا. وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فقَالَ له : مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا .
فَاتَّقِ اللهَ يَا مُسْلِمُ وَجَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى الْخُضُوعِ فِي صَلاتِكَ ، وَتَأَمَّلْ مَا تَقْرَأْ فِيهَا ، وَائْتِ لَهَا مُبَكِّرَاً وَاسْتَحْضِرْ عَظَمَةَ مَنْ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الأَخْطَاءِ الْفَادِحَةِ فِي الصَّلَاةِ : أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يَقْرَأُ فِيهَا ، أَوْ رُبَّمَا قَرَأَ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا لِسَانَهُ ، وَلا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ هَذَا بَاطِلَةٌ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَرَاءَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحَاتٍ وَقِرَاءَةٍ لِلتَّحَيِّاتِ ، فَمَنْ لَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا ِلِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَصَلاتُهُ لا تَصِحُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ وَيُعِيدَهَا .
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الْمُبْطَلَةِ لِلصَّلَاِة : رَفْعُ أَحَدِ أَعْضَاءِ السِّجُودِ أَثْنَاءَ السُّجُودِ .
وَأَعْضَاءُ السُّجُودِ التِي يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهَا الْجَبْهَةُ مَعَ الْأَنْفِ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَأَطْرَافُ الْقَدَمَيْنِ ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ : عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَبَعْضُ النَّاسِ إِذَا سَجَدَ يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ ، وَخَاصَّةً فِي السَّجْدَةِ الثّانِيَةِ ، حَيْثُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ جَعَلَ إِحْدَى قَدَمَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَلَمْ يَنْصِبِ الْيُمْنَى وَيَفْرِشَ الْيُسْرَى كَمَا هِيَ السُّنَّةُ ، ثُمَّ إِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ بَقِيَتْ الْقَدَمُ رَاكِبَةً عَلَى الأُخْرَى وَلَمْ يُنْزِلْهَا ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ سُجُودُهُ وَصَلاتُهُ .
وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَرْفَعُ إِحْدَى يَدَيْهِ , خَاصَّةً إِذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ جَيْبِهِ ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ لا يَسْجُدُ عَلَى أَنْفِهِ ، أَوْ رُبَّمَا جَمَعَ كَفَّيْهِ وَوَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ هَذَا مُخِلٌّ بِالصَّلَاةِ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ رَآهُ أَنْ يُنَبِّهَهُ ، فَإِنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ يَفْعَلُ ذَلِكَ جَهْلاً ، لَكِنَّهُ إِذَا عُلِّمَ تَعَلَّمَ وَتَرَكَ هَذَا الْخَطَأَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَخْطَاءِ : أَنَّ بَعْضَ الْمُصَلِّينَ يُشَوِّشُ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُصَلِّينَ بِرَفْعِ صَوْتِهِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالدُّعَاءِ ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ ، فَكَشَفَ السِّتْرَ ، وَقَالَ (أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ) أَوْ قَالَ (فِي الصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : اتِّقِ اللهَ رَبَّكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَ فِي صَلاتِكَ مَا يُنْقِصُ أَجْرَكَ أَوْ رُبَّمَا يُؤَدِّي لِبُطْلَانِهَا ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَمِنَ الأَخْطَاءِ السَّيِّئَةِ فِي الصَّلاةِ مُسَابَقَةُ الإِمَامِ ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ بَلْ مَنْ تَعَمَّدَهُ بَطُلَتْ صَلاتُهُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ ؟) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ يُسَابِقُ الإِمَامَ .
وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يُتَابِعَ الإِمَامَ مُتَابَعَةً ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْتَظِرَ فَلَا يَتَحَرَّكُ إِلَى الرُّكْنِ حَتَّى يَصِلَهُ الإِمَامُ ، خِلَافَاً لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ الذِينَ يُوَافِقُونَ الإِمَامَ أَوْ يُسَابِقُونَهُ ، وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَفْعَلُونَ هَذَا ، فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا ، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَيْضاً أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ أَخَلَّ بِالسُّنَّةِ حِينَ يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ إِذَا كَانَ مَسْبُوقَاً ، فَتَرَى بَعْضَ النَّاسِ يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ ، بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الأُوَلَى ، وَلا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا صَلاتُهُ بَاطِلَةً ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَنْتَظِرَ الْمَسْبُوقُ فَلا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ حَتَّى يَخْتِمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ .
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً مُتَقَبَّلاً ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذَلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمَّرَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ جَمِيعَ وُلَاِة أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ وَاتِّبَاعِ شَرْعِكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا ديِننَاَ الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي فِيهَا مَعادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرِّ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , نَحْمَدُهُ وَنُثْنِي عَلَيْهِ وَنَشْكُرُهُ جَلَّ وَعَلَا أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ الْقَوِيم ، وَمِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ ، فِهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ عِنْدَ الْحِسَابِ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَقْبُولَةً وَقَدْ تَكُونُ مَرْدُودَةً ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ . وَهَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ حَسَبَ إِخْلَاصِهِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَمَلِهِ ، وَحَسَبَ اتِّبَاعِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَكَلَّمُ عَنْ بَعْضِ الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ فَتُخِلُّ بِصَلَاتِهِمْ وَرُبَّمَا تُبْطِلُهَا .
فَمِنَ الْأَخْطَاءِ : تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) قَالَ ابْنُ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ : مُضَيِّعُونَ لَهَا ، تَارِكُونَ لِوَقْتِهَا ، مُفَوِّتُونَ لِأَرْكَانِهَا ، وَهَذَا لِعَدِمِ اهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ اللهِ حَيْثُ ضَيَّعُوا الصَّلَاَة التِي ِهَي أَهَمُّ الطَّاعَاتِ وَأَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ ا.هـ.
وَقَدْ كَثُرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَضْيِيعُ الصَّلَاةِ وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَضْلَاً عَنْ تَرْكِهَا فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا أَمْرٌ يُنْذِرُ بِالْخَطَرِ .
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ : عَدَمُ إِحْسَانِ الطَّهَارَةِ لِهَا ، وَقَدْ تَوَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَلَّ بِالطَّهَارَةِ ، وَلَمَّا رَأَى رَجُلاً فِي قَدَمِهِ لُمْعَةً صَغِيرَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَعَنْ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ ، لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَخْطَاءِ عَدَمُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الصَّلَاةِ ، فَتَجِدُ الْوَاحِدَ يُصَلِّي وَكَأَنَّهُ فِي سِبَاقٍ ، مَعَ أَنَّ اللهً سُبْحَانَهُ حِينَمَا عَدَّدَ صِفَاتِ عِبَادَهَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ الصِّفَةُ الأُولَي الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ يَشْتَكِي مِنْ أَنَّهُ لا يُحِسُّ بِطَعْمِ صَلَاتِهِ وَأَنَّهَا لا تُؤَثِّرُ فِيهِ ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ تَرْكُ الطُّمَأْنِينَةَ .
وَتَرْكُ الطُّمَأْنِينَةِ مُبْطِلٌ لِلصَّلاةِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ) فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ) - ثَلَاثًا – فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي ، فَقَالَ (إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا. وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فقَالَ له : مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا .
فَاتَّقِ اللهَ يَا مُسْلِمُ وَجَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى الْخُضُوعِ فِي صَلاتِكَ ، وَتَأَمَّلْ مَا تَقْرَأْ فِيهَا ، وَائْتِ لَهَا مُبَكِّرَاً وَاسْتَحْضِرْ عَظَمَةَ مَنْ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الأَخْطَاءِ الْفَادِحَةِ فِي الصَّلَاةِ : أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يَقْرَأُ فِيهَا ، أَوْ رُبَّمَا قَرَأَ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا لِسَانَهُ ، وَلا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ هَذَا بَاطِلَةٌ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَرَاءَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحَاتٍ وَقِرَاءَةٍ لِلتَّحَيِّاتِ ، فَمَنْ لَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ وَلا ِلِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَصَلاتُهُ لا تَصِحُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ وَيُعِيدَهَا .
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الْمُبْطَلَةِ لِلصَّلَاِة : رَفْعُ أَحَدِ أَعْضَاءِ السِّجُودِ أَثْنَاءَ السُّجُودِ .
وَأَعْضَاءُ السُّجُودِ التِي يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهَا الْجَبْهَةُ مَعَ الْأَنْفِ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَأَطْرَافُ الْقَدَمَيْنِ ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ : عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَبَعْضُ النَّاسِ إِذَا سَجَدَ يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ ، وَخَاصَّةً فِي السَّجْدَةِ الثّانِيَةِ ، حَيْثُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ جَعَلَ إِحْدَى قَدَمَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَلَمْ يَنْصِبِ الْيُمْنَى وَيَفْرِشَ الْيُسْرَى كَمَا هِيَ السُّنَّةُ ، ثُمَّ إِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ بَقِيَتْ الْقَدَمُ رَاكِبَةً عَلَى الأُخْرَى وَلَمْ يُنْزِلْهَا ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ سُجُودُهُ وَصَلاتُهُ .
وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَرْفَعُ إِحْدَى يَدَيْهِ , خَاصَّةً إِذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ جَيْبِهِ ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ لا يَسْجُدُ عَلَى أَنْفِهِ ، أَوْ رُبَّمَا جَمَعَ كَفَّيْهِ وَوَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ هَذَا مُخِلٌّ بِالصَّلَاةِ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ رَآهُ أَنْ يُنَبِّهَهُ ، فَإِنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ يَفْعَلُ ذَلِكَ جَهْلاً ، لَكِنَّهُ إِذَا عُلِّمَ تَعَلَّمَ وَتَرَكَ هَذَا الْخَطَأَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَخْطَاءِ : أَنَّ بَعْضَ الْمُصَلِّينَ يُشَوِّشُ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُصَلِّينَ بِرَفْعِ صَوْتِهِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالدُّعَاءِ ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ ، فَكَشَفَ السِّتْرَ ، وَقَالَ (أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ) أَوْ قَالَ (فِي الصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : اتِّقِ اللهَ رَبَّكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَ فِي صَلاتِكَ مَا يُنْقِصُ أَجْرَكَ أَوْ رُبَّمَا يُؤَدِّي لِبُطْلَانِهَا ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَمِنَ الأَخْطَاءِ السَّيِّئَةِ فِي الصَّلاةِ مُسَابَقَةُ الإِمَامِ ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ بَلْ مَنْ تَعَمَّدَهُ بَطُلَتْ صَلاتُهُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ ؟) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ يُسَابِقُ الإِمَامَ .
وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يُتَابِعَ الإِمَامَ مُتَابَعَةً ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْتَظِرَ فَلَا يَتَحَرَّكُ إِلَى الرُّكْنِ حَتَّى يَصِلَهُ الإِمَامُ ، خِلَافَاً لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ الذِينَ يُوَافِقُونَ الإِمَامَ أَوْ يُسَابِقُونَهُ ، وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَفْعَلُونَ هَذَا ، فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا ، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَيْضاً أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ أَخَلَّ بِالسُّنَّةِ حِينَ يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ إِذَا كَانَ مَسْبُوقَاً ، فَتَرَى بَعْضَ النَّاسِ يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ ، بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الأُوَلَى ، وَلا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا صَلاتُهُ بَاطِلَةً ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَنْتَظِرَ الْمَسْبُوقُ فَلا يَقُومُ يَقْضِي صَلاتَهُ حَتَّى يَخْتِمَ الإِمَامُ التَّسْلِيمَتَيْنِ .
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً مُتَقَبَّلاً ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذَلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمَّرَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ جَمِيعَ وُلَاِة أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ وَاتِّبَاعِ شَرْعِكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا ديِننَاَ الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي فِيهَا مَعادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرِّ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
المرفقات
يَا مُسْلِمُونَ مَا هَكَذَا يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ 17 ربيع ثاني 1436هـ.doc
يَا مُسْلِمُونَ مَا هَكَذَا يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ 17 ربيع ثاني 1436هـ.doc
المشاهدات 2987 | التعليقات 3
جزاك الله خيراً.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
أبو اليسر
خطبة في الصميم ، جمعت أبرز الأخطاء في الصلاة
نفع الله بما كتبت وجعله من الصدقة الجارية لك ولوالديك ،،
تعديل التعليق