يا عبد الله لا تكن كفلان

HAMZAH HAMZAH
1442/02/14 - 2020/10/01 19:16PM

خطبة :{ يا عبد الله لا تكن كفلان ..}.

جامع الفهد- د . حمزة آل فتحي 

إنّ الحمد لله نحمدُه ونستعينه.....

أيها الناس :

هل رأيتم ذلك الإنسانَ الذي كان في الصف الأول ، ثم تأخر ، ..؟! 

وأخاكم المعطاءَ الجواد، فانقبض واستبخل، وثالثًا .. كان ذَا صيامٍ وأذكار ، ومن رواد الدروس فغاب وانشغل ...؟!

لماذا كل ذلك..؟!

وماذا دهاهم، وحلّ بهم ..؟!

إنها ظاهرةُ التراجع الإيماني ، والارتخاء العبادي، يُرى بعضنا نحو هامةِ الثريا ، جدا وعملا وانطلاقا... وفُجاءةً يصبحُ يلوكُ الثرى ، تعثرًا وضعفا وانهزاما ....

قال تعالى { ‏ولا تكونوا كالتي نقضَت غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثا }.

يا لهفَ روحي على عبد وقد جملا... بالصالحات وأزجى الطيب واعتدلا

ثم اعتراه مع الأيامِ معضلةٌ... فضيع الذكر والأعمال واعتللا

 وقال الإمام النووي رحمه الله في كتابه الماتع الرائع" رياض الصالحين " : باب الأمر بالمحافظة على ما اعتاد من الخير ، وساق موعظةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاصِ رضي الله تعالى عنهما ، كما في المتفق عليه :{ يا عبدَ الله لا تكن مثلَ فلان كان يقومُ الليل فترك قيام الليل }.

 كان على سجيةٍ حسنة ، وعلى طاعة ذهبية وعلى حياةٍ مشرقه ، ثم اختفى ذلك الحُسن والذهب والإشراق، ورؤي الفاضلُ النبيلُ متغيرا منكسرا ، أو غير مبالٍ بما حدث ، والله يقول :{ فاستقم كما أُمرت }. وقال سبحانه:{ سابقوا إلى مغفرةٍ من ربكم }. فأنى له التغير وقد ذاق حلاوةَ الإيمان..؟!

ولماذا النكوصُ وقد تلذذ بالقُربات، وعاش طيبَها وصفاءها..؟!

يا عبدَ الله لم ذاك التغير، ولِم تركت الطاعاتِ المعروفة، ولمَ هجرتَ ما كنتَ عليه من خيرٍ وبر...؟!!

‏يا مسلمون:  

إنها مشكلةٌ تعترينا في ديننا ، وتُعكِّر علينا استقامتَنا ، وتكدرُ فينا سعادتَنا ، وتنتشر من حينٍ لآخر ، ولا يوجدُ من يعالجها لنا ..!

وقد يُبتلى أحدُنا ونتركه ونهجره، ولا نعملُ على زيارته والسؤال عنه ، وقد يردد بعضنا: دعوه .. فقد اختاره طريقه ..!

كلا ... إن ذلك ليس بمسلكٍ رشيد ...!

بل الواجبُ السؤالُ عن ذلك المتغير، والبحث عن أخينا ، ولِمَ تراجع ، ولماذا كان في الصفوف الأول علما وعبادة ومسارعة ، ثم رؤي متأخرا، متخلفًا بعد ذلك ...؟!!

إنّ إخوّةَ الإسلام والمعرفة ، توجبُ علينا الاهتمامَ به والعمل على إصلاحه ومناصحته { فالدينُ النصيحة }. ولكنها تكونُ برفقٍ

‏ورحمة { فالرفقُ ماكان في شي إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه }. كما قال المصطفى الحكيم عليه الصلاة والسلام .

والسؤالُ المفيد هنا إخوةَ الإيمان : 

لماذا تغيّر أخونا ، وما هي الأمور ُالتي تجعل إيمانَنا يتراجع ، واستقامتنا تتناقص ...؟!

ربما لمعصيةٍ غَشيها أو لشيطانٍ أن تسلط عليه، أو رُفقةٍ سيئةٍ مكرت به، أو جليسِ سوء غره، أو مشاهدةٍ صور ومقاطع محرمة ، أو جهالةٍ التحفَ بها ، أو غرورٍ لازمه، أو انغماسٍ دنيوي أحاط به ...!

كلُّ ذلك من مكدّرات الطريق ، ومن معوِّقات الاستقامة ، والواجب لزومُ الرشاد ، وتثبيتُ الأرجُل على الطريق، وسؤالِ اللهَ الثباتَ على الدوام { وربطنا على قلوبهم }. أي ثبتناهم. 

ومن أدعيتِه المستحسنة صلى الله عليه وسلم :{ اللهمَّ يا مقلبَ القلوب ثبّت قلبي على دينك } ، { اللهم يا مصرفَ القلوب صرِّف قلبي على طاعتك }. 

وما أحوجَنا في أزمنةِ الفتن العاتية إلى دعواتٍ متينات خالصات ، نلتجئ فيها إلى الله بالثبات، وأن لايكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين ..

اللهم احفظْ علينا إيمانَنا واستقامتنا ، وثبِِّّتنا على صراطك المستقيم 

اقول قولي هذا وأستغفر الله...

———

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبهِ أجمعين ...

وبعد :

فحافظوا يا أخيارُ على دينِكم، وثبتوا استقامتكم ، وإياكم والتبدلَ والنكوص ، وحاذروا أسبابَ النكسة والتغير ، من استسهالِ المعاصي ، واستحلاءِ النظرات ، وذنوب الخلوات، 

وفِي قوله عليه الصلاة والسلام{ كان يقوم الليل } تحذيرٌ من تغير الفرد، وهجران الطاعة المعتادة ، وإرشادٌ إلى عبادةٍ جليلة، وقربة متينة، وضعت للكنز المفقود، والامتحان المرصود ، فظفرَ بها من ظَفر ، من صفوةٍ مؤمنة، وثلةٍ خاشعة، هبّت في نسائم الليل، وجافت المضجعَ الوثير، والنومَ الخصيب، لتلتقي ربها تعالى وتسبِّحه وُتعظِّمه ...

{ كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون }.

وفِي قيام الليلِ حيويةٌ وتسلط، وسرورٌ وثواب، وإخلاصٌ واقتراب، وثبات واجتناب، ومراجعةٌ وجهاد ، وانتصار واعتياد .

وفِي هذا القيام تذكرْ ما أعده الله لقومٍ متقين، وأناس صالحين، آثروا ما عند الله على دنياهم وملذاتِهم وراحتهم ، واستأثروا بصلاحهم ، وما عرفهم الناس، ولا تحدّثوا بها في المجالس { وصلوا بالليل والنَاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنةَ بسلام }.

اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد....

المشاهدات 854 | التعليقات 0