يا عباد الله : إنها سُنّةُ التمحيص . . فاثبُتُوا !
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/09/05 - 2013/07/13 18:11PM
خطبة : يا عباد الله : إنّها سُنّةُ التمحيص . . فاثبتُوا !
الحمد لله السميع العليم ، العزيز الحكيم ، له ملك السموات والأرض وما بينهما ، وله الدين واصبَا ، في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، أحمده سبحانه حمد معترف بنعمائه ، مستسلمٍ لحكمته و قضائه .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا رادّ لما أمر ، ولا معترض على ما قضى ، يُعطي عباده ليسمع شُكرَهم ، ثم يأخُذُ منهم لينظُرَ صبرَهم ، يشُدُّ على أهل الحقِّ وهو يُحبُّهم ولحكمةٍ بالغةٍ شَد ، و يفسَحُ لأهلِ الباطلِ وهو ضِدُّهُم ولحكمةٍ بالغةٍ مَد ، كل يومٍ هو في شأن ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم .
و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيُّهُ من خلقه وخليله ، أُعطِيَ فشكر ، وابتُليَ فصبر ، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين وصحابته و التابعين وسلّم . ثم أما بعد :
أوصيكم ونفسي بالثباتِ على تقوى الله جلّ وعلاَ ، في العسر و اليسر ، و السّرّ والعلانية ، والمنشط والمكره ، واعلموا على الدَّوامِ يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ التقوى خيرُ زادٍ يُدَّخَر ، و أفضل لباس يُزَيِّنُ ما بطن وظهر، وهي سببُ النجاة من البلاء والضُّر ، فلا يأس ولا قنوط ، قال ربُّنا سبحانه : ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب(2 ) وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾(الطلاق2-3) .
معشر المؤمنين : تمرُّ بأمّة الإسلامِ اليومَ أحداثٌُ و مواقف تشيب لها رؤوسُ الولدان ، تجعل الحليمَ حيرانَا ، فتنٌ تموجُ موجَ البحر ، دماءٌ تسيل ، وأرواحٌ تُزهق ، و أعراضٌ تُنتهك ، وعهودٌ تُنقض ، مواقف تتبدّل ، وخفايا تظهر و تُفضَح ، حتّى صارَ الناسُ في عجبٍ ممّا يجري ، وكأنّهُ غريبٌ عن سُنّةِ الله التي خلت من قبل ! .
فيا معشر المؤمنين : لا تتعجّبُوا ولا ترتابُوا .. ! ؛ إنَّهُ التمحيصُ. . وما أدراكَ ما التمحيص ؛ حكمةٌ بالغةٌ وسُنّةٌ ماضيةٌ جاريّة !
قال الله تعالى :]ما كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ[ ( آل عمران:179 ) ، وقال سبحانه : ] إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين [ (سورة آل عمران:140-141 ) . وقال تعالى : ] وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور [ ( سورة آل عمران:154 ) .وقال عز وجل: ] وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة [ (سورة الأنبياء:35 ) ، وقال تعالى : ] أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين[ (سورة العنكبوت:2-3 ) ، و في سورة محمد قال سبحانه :] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ ونبلُوَ أخبارَكم[ ( سورة محمد:31 ) . وغيرها من الآيات المبيّنة لسنّة التمحيص والتمايُز .
التمحيصُ أيها الأحباب . . وما أدراكَ ما التمحيص ! ؛ مرحلةٌ من مراحلِ الرَّجِّ للأمّة ، ظاهرُها العذابُ والشَّكَاة و الألم والدُّموع ، و هي في عُمقِها وحقيقتها ارتقاءٌ بالمؤمنين ، و إعادةُ إخراجٍ لهم من عمق المآسي و الأزمات ، وتدبيرٌ من العليم الحكيم ، لإعادةِ الصّفاءِ للمنهج ، والاستقامة للطريق ، والتوازُن للسير ، والتماسُك للصفّ المهلهَل . . ! ،
ولو شاء الله لأخذَ أعداءَ الأمّةِ أخذَ عزيزٍ مقتَدِر ، و لكن لحكمةٍ يريدُها اللهُ عزَّ وجلَّ أخّرَ ذلك ، قال اللهُ تعالى : ] وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْض [ ( محمد : 4 ) .
التمحيصُ أيها الأحباب . . وما أدراكَ ما التمحيص ! : سُنّةٌ ماضيَةٌ لا يملكُ العبدُ أمامَها إلاَّ الإيمانَ والتسليم ، والتركيز على الثبات حتّى الممات ، تُزهقُ معها أرواح ، وتكونُ دموعٌ وآلام وجِراح ، وهذه في حدّ ذاتها رحمة لو عقَلَ الناس ، ثم تُشرقُ شمسُ الانتصار يقينًا بعد انجلاء الغُبار والدَّمار]فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّه[ ( البقرة : 251 ) ، وإذا بها تظهرُ الرَّحَمَاتُ الحقيقيَّةُ للمؤمنين بفضل التمحيص :
1/ تمييزُ الصفّ الإسلاميّ عن غيرِهِ من الصفوف :
يتميّزُ به صفُّ الكفر و التمرُّد عن صفّ الإيمان و التجرُّد ، صفّ الظلم عن العدل ، والشر عن الخير ، والظلام عن النور ، والعبودية لغير الله عن صفّ العبوديّة لله وحده لا شريك له ! . و أكرِم به من تميُّز !
2 / وثانيًا أيها الأحباب : تمحيصٌ داخليٌّ للصفّ الإسلاميّ في حدِّ ذاتِه ! : وهذا من أعظمِ فوائدِ التمحيص رغم المآسي والجراحات التي تتخلّل أيام التمحيص ولياليه ، قال الله تعالى :]ما كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ[ ( آل عمران:179 ) :
صفُّ كاملٌ يتشابهُ في الدّعوى والشكل ، ولكن يأتيه التمحيصُ المؤلمُ للتمييز في المضمون ! ، فيتميّزُ الصدقُ عن الكذب ، والطيب عن الخبيث ، و المجاهد عن المُندَس ، والوضوح عن الضبابيّة ، واليقين عن الشك ، والثبات عن الزيغ ، و الأمانة عن الخيانة ، و الحقائقِ عن الزيوف والبهارج الجوفاء . . ! .
نسأل الله السلامة والعافية ، ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى ، أقول هذا القول وأستغفر الله الجليل لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم .
معشر المؤمنين :
إنّ من أعظمِ فوائدِ التمحيص : تنقية الصفِّ من أصحاب الوجهين الذين يُظهرون ولاء الأمّة في السرّاء و في الضرّاء يتربَّصون بالمؤمنين الدوائر ، فإن كان لهم نصر قالوا إنَّا معكم ، وإن لم يكن لهم نصرٌ انضمُّوا إلى إخوانهم وأوليائهم من حزب الشيطان ، وهؤلاء هم من ذكرهم الله تعالى بقوله : ] فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِين [ ( النساء : 141 ) .
انكشافُ المندسّين والمُرجفين والمخذّلين ، انكشافُهم وافتضاحُهم أمام كلّ عين ، قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين ) (العنكبوت : 3)،وقال سبحانه: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِين ) (العنكبوت:10-11)،وقال سبحانه: (وليعلمَ الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلمُ قتالاً لاتَّبعناكم هم للكفر يومئذ أقربُ منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلمُ بما يكتمون(167)الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قُتلوا قل فادرءُوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) (آل عمران:167-168).
وهم أصنافٌ متعددة : منهم من يلبسُون لباسَ العُلماء ، ومنهم من يرتدونَ ثيابَ الصُّلحاء ، ومنهم من يظهرُ في السَّرَّاء بزيّ النُّصحاء الأوفياء ، و في الضرّاء يظهرُ المَعدَنُ وينكشفَ الدَّخَن . .
معشر المؤمنين :
علّمتنا الأحداثُ أنَّ التعويل والاعتمادَ بعد الله تعالى على الموحّدِينَ الصادقين المتّقين ، على الفئة القليلة الصافيةِ الممحَّصَة ، لا خلاصَ للأمّة إلاّ باستمساكِها بدينِها وعقيدتها ، و براءتِها من المشركين ظاهرًا وباطنًا ، والتوكّل على الله في الانطلاقِ من القُدرات الذاتيّةِ التي يباركُ فيها ربُّ العزَّةِ سبحانه عزَّ و جل : " يا الله يا الله مالنا غيرك يا الله ! ، يا الله يا الله مالنا غيرك يا الله ! ، يا الله يا الله مالنا غيرك يا الله ! " .
وأمَّا أولئكَ الذين جثمُوا على ثروات الأمّةِ ومقدَّراتِها ومنعوها الأمّة لحظةَ الصّراخ والنّداء فلا نملكُ إلا أن نقول لهم :
يا أمَّة العربِ الكِرامْ.. نامي بأحضانِ السلامْ..ترعاكِ أسرابُ الحَمَامْ.. وتصونُ حُلمَكِ أن تُعكِّرَ صفوَهُ سُحُبُ الظَّلامْ..نامِي فَمِن حَقِّ القَنا أن تستريحَ منَ الصِّدَامْ .. وعلى المُحارِبِ أن يُجرِّبَ مَرَّةً دفْءَ المَنَامْ.. ويَذُوقَ من بعدِ الطِّعانِ يذُوقَ فاكهةَ السلام..نامِي على جَمرِ الغَرامْ... يا أمَّة العربِ الكِرَامْ...تحميكِ أمريكَا " الوَفِيَّة " من إصاباتِ الزُّكامْ..!!!
نسأل الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضى . . اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين . .
الحمد لله السميع العليم ، العزيز الحكيم ، له ملك السموات والأرض وما بينهما ، وله الدين واصبَا ، في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، أحمده سبحانه حمد معترف بنعمائه ، مستسلمٍ لحكمته و قضائه .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا رادّ لما أمر ، ولا معترض على ما قضى ، يُعطي عباده ليسمع شُكرَهم ، ثم يأخُذُ منهم لينظُرَ صبرَهم ، يشُدُّ على أهل الحقِّ وهو يُحبُّهم ولحكمةٍ بالغةٍ شَد ، و يفسَحُ لأهلِ الباطلِ وهو ضِدُّهُم ولحكمةٍ بالغةٍ مَد ، كل يومٍ هو في شأن ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم .
و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيُّهُ من خلقه وخليله ، أُعطِيَ فشكر ، وابتُليَ فصبر ، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين وصحابته و التابعين وسلّم . ثم أما بعد :
أوصيكم ونفسي بالثباتِ على تقوى الله جلّ وعلاَ ، في العسر و اليسر ، و السّرّ والعلانية ، والمنشط والمكره ، واعلموا على الدَّوامِ يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ التقوى خيرُ زادٍ يُدَّخَر ، و أفضل لباس يُزَيِّنُ ما بطن وظهر، وهي سببُ النجاة من البلاء والضُّر ، فلا يأس ولا قنوط ، قال ربُّنا سبحانه : ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب(2 ) وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾(الطلاق2-3) .
معشر المؤمنين : تمرُّ بأمّة الإسلامِ اليومَ أحداثٌُ و مواقف تشيب لها رؤوسُ الولدان ، تجعل الحليمَ حيرانَا ، فتنٌ تموجُ موجَ البحر ، دماءٌ تسيل ، وأرواحٌ تُزهق ، و أعراضٌ تُنتهك ، وعهودٌ تُنقض ، مواقف تتبدّل ، وخفايا تظهر و تُفضَح ، حتّى صارَ الناسُ في عجبٍ ممّا يجري ، وكأنّهُ غريبٌ عن سُنّةِ الله التي خلت من قبل ! .
فيا معشر المؤمنين : لا تتعجّبُوا ولا ترتابُوا .. ! ؛ إنَّهُ التمحيصُ. . وما أدراكَ ما التمحيص ؛ حكمةٌ بالغةٌ وسُنّةٌ ماضيةٌ جاريّة !
قال الله تعالى :]ما كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ[ ( آل عمران:179 ) ، وقال سبحانه : ] إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين [ (سورة آل عمران:140-141 ) . وقال تعالى : ] وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور [ ( سورة آل عمران:154 ) .وقال عز وجل: ] وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة [ (سورة الأنبياء:35 ) ، وقال تعالى : ] أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين[ (سورة العنكبوت:2-3 ) ، و في سورة محمد قال سبحانه :] وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ ونبلُوَ أخبارَكم[ ( سورة محمد:31 ) . وغيرها من الآيات المبيّنة لسنّة التمحيص والتمايُز .
التمحيصُ أيها الأحباب . . وما أدراكَ ما التمحيص ! ؛ مرحلةٌ من مراحلِ الرَّجِّ للأمّة ، ظاهرُها العذابُ والشَّكَاة و الألم والدُّموع ، و هي في عُمقِها وحقيقتها ارتقاءٌ بالمؤمنين ، و إعادةُ إخراجٍ لهم من عمق المآسي و الأزمات ، وتدبيرٌ من العليم الحكيم ، لإعادةِ الصّفاءِ للمنهج ، والاستقامة للطريق ، والتوازُن للسير ، والتماسُك للصفّ المهلهَل . . ! ،
ولو شاء الله لأخذَ أعداءَ الأمّةِ أخذَ عزيزٍ مقتَدِر ، و لكن لحكمةٍ يريدُها اللهُ عزَّ وجلَّ أخّرَ ذلك ، قال اللهُ تعالى : ] وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْض [ ( محمد : 4 ) .
التمحيصُ أيها الأحباب . . وما أدراكَ ما التمحيص ! : سُنّةٌ ماضيَةٌ لا يملكُ العبدُ أمامَها إلاَّ الإيمانَ والتسليم ، والتركيز على الثبات حتّى الممات ، تُزهقُ معها أرواح ، وتكونُ دموعٌ وآلام وجِراح ، وهذه في حدّ ذاتها رحمة لو عقَلَ الناس ، ثم تُشرقُ شمسُ الانتصار يقينًا بعد انجلاء الغُبار والدَّمار]فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّه[ ( البقرة : 251 ) ، وإذا بها تظهرُ الرَّحَمَاتُ الحقيقيَّةُ للمؤمنين بفضل التمحيص :
1/ تمييزُ الصفّ الإسلاميّ عن غيرِهِ من الصفوف :
يتميّزُ به صفُّ الكفر و التمرُّد عن صفّ الإيمان و التجرُّد ، صفّ الظلم عن العدل ، والشر عن الخير ، والظلام عن النور ، والعبودية لغير الله عن صفّ العبوديّة لله وحده لا شريك له ! . و أكرِم به من تميُّز !
2 / وثانيًا أيها الأحباب : تمحيصٌ داخليٌّ للصفّ الإسلاميّ في حدِّ ذاتِه ! : وهذا من أعظمِ فوائدِ التمحيص رغم المآسي والجراحات التي تتخلّل أيام التمحيص ولياليه ، قال الله تعالى :]ما كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ[ ( آل عمران:179 ) :
صفُّ كاملٌ يتشابهُ في الدّعوى والشكل ، ولكن يأتيه التمحيصُ المؤلمُ للتمييز في المضمون ! ، فيتميّزُ الصدقُ عن الكذب ، والطيب عن الخبيث ، و المجاهد عن المُندَس ، والوضوح عن الضبابيّة ، واليقين عن الشك ، والثبات عن الزيغ ، و الأمانة عن الخيانة ، و الحقائقِ عن الزيوف والبهارج الجوفاء . . ! .
نسأل الله السلامة والعافية ، ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى ، أقول هذا القول وأستغفر الله الجليل لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم .
الخطبة الثانية
إنّ من أعظمِ فوائدِ التمحيص : تنقية الصفِّ من أصحاب الوجهين الذين يُظهرون ولاء الأمّة في السرّاء و في الضرّاء يتربَّصون بالمؤمنين الدوائر ، فإن كان لهم نصر قالوا إنَّا معكم ، وإن لم يكن لهم نصرٌ انضمُّوا إلى إخوانهم وأوليائهم من حزب الشيطان ، وهؤلاء هم من ذكرهم الله تعالى بقوله : ] فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِين [ ( النساء : 141 ) .
انكشافُ المندسّين والمُرجفين والمخذّلين ، انكشافُهم وافتضاحُهم أمام كلّ عين ، قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين ) (العنكبوت : 3)،وقال سبحانه: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِين ) (العنكبوت:10-11)،وقال سبحانه: (وليعلمَ الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلمُ قتالاً لاتَّبعناكم هم للكفر يومئذ أقربُ منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلمُ بما يكتمون(167)الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قُتلوا قل فادرءُوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) (آل عمران:167-168).
وهم أصنافٌ متعددة : منهم من يلبسُون لباسَ العُلماء ، ومنهم من يرتدونَ ثيابَ الصُّلحاء ، ومنهم من يظهرُ في السَّرَّاء بزيّ النُّصحاء الأوفياء ، و في الضرّاء يظهرُ المَعدَنُ وينكشفَ الدَّخَن . .
معشر المؤمنين :
علّمتنا الأحداثُ أنَّ التعويل والاعتمادَ بعد الله تعالى على الموحّدِينَ الصادقين المتّقين ، على الفئة القليلة الصافيةِ الممحَّصَة ، لا خلاصَ للأمّة إلاّ باستمساكِها بدينِها وعقيدتها ، و براءتِها من المشركين ظاهرًا وباطنًا ، والتوكّل على الله في الانطلاقِ من القُدرات الذاتيّةِ التي يباركُ فيها ربُّ العزَّةِ سبحانه عزَّ و جل : " يا الله يا الله مالنا غيرك يا الله ! ، يا الله يا الله مالنا غيرك يا الله ! ، يا الله يا الله مالنا غيرك يا الله ! " .
وأمَّا أولئكَ الذين جثمُوا على ثروات الأمّةِ ومقدَّراتِها ومنعوها الأمّة لحظةَ الصّراخ والنّداء فلا نملكُ إلا أن نقول لهم :
يا أمَّة العربِ الكِرامْ.. نامي بأحضانِ السلامْ..ترعاكِ أسرابُ الحَمَامْ.. وتصونُ حُلمَكِ أن تُعكِّرَ صفوَهُ سُحُبُ الظَّلامْ..نامِي فَمِن حَقِّ القَنا أن تستريحَ منَ الصِّدَامْ .. وعلى المُحارِبِ أن يُجرِّبَ مَرَّةً دفْءَ المَنَامْ.. ويَذُوقَ من بعدِ الطِّعانِ يذُوقَ فاكهةَ السلام..نامِي على جَمرِ الغَرامْ... يا أمَّة العربِ الكِرَامْ...تحميكِ أمريكَا " الوَفِيَّة " من إصاباتِ الزُّكامْ..!!!
نسأل الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضى . . اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين . .
المشاهدات 3087 | التعليقات 2
آمين أستاذي الفاضل أبا مزون ، ولك بمثل ما دعوت وأزيد .
محسن الشامي
سلمت يداك ولا فض فوك ونفع الله بعلمك
تعديل التعليق