يَا صَبَاحَاَهْ 1445/10/10ه

يوسف العوض
1445/10/08 - 2024/04/17 11:39AM

الخطبة الأولى

مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ : صَعَدَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى اَلصَّفَا ، فِعْلاً أَعْلَاهَا حَجَرًا ، ثُمَّ هَتَفَ : « يَا صَبَاحَاَهْ » ، وَكَانَتْ كَلِمَةَ إِنْذَارٍ تُخْبِرُ عَنْ هُجُومِ جَيْشٍ ، أَوْ وُقُوعِ أَمْرٍ عَظِيمٍ ! ثُمَّ جَعَلَ يُنَادِي بُطُونَ قُرَيْشٍ ، وَيَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ : « يَا بَنِي فَهِرٍّ ، يَا بَنِي عَدِي ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافْ ، يَا بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبْ » . فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا : مِنْ هَذَا اَلَّذِي يَهْتِفُ ؟ قَالُوا : مُحَمَّدٌ ، فَأَسْرَعَ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ ، حَتَّى إِنَّ اَلرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبْ وَقُرَيْشٌ ، فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا قَالَ : « أَرْأِيتَكْمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي بِسَفْحِ هَذَا اَلْجَبَلِ تُرِيدُ أَنْ تُغَيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِي ؟ » . قَالُوا : نَعَم ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا ، قَالَ : « فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ ، كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى اَلْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ » – أَيًّ : يَتَطَلَّعُ وَيَنْظُرُ لَهُمْ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ ؛ لِئَلَّا يَدْهَمَهُمْ اَلْعَدُوُّ - « فَخَشِيَ أَنَّ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يُنَادِي : يَا صَبَاحَاَهْ » ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى اَلْحَقِّ ، وَأُنْذِرَهُمْ مِنْ عَذَابِ اَللَّهِ ، فَخَصَّ وَعَمَّ ، فَقَالَ : « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، اِشْتَرَوْا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اَللَّهِ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ اَلنَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اَللَّهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، وَلَا أَغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اَللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيْ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ اَلنَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، يَا بَنِي مُرَّةٍ بْنِ كَعْبٍ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اَلنَّارِ ، يَا مَعْشَرَ بَنِي قُصَيْ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اَلنَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اَلنَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اَللَّهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، وَلَا أَغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اَللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اَلنَّارِ ، يَا بَنِي هَاشِمٍ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اَلنَّارِ ، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ ، أَنْقَذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اَلنَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، وَلَا أَغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اَللَّهِ شَيْئًا ، سَلَوْنِي مِنْ مَالِيِّ مَاشِئْتُمْ ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اَللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبْ ، لَا أَغْنِي عَنْكَ مِنْ اَللَّهِ شَيْئًا ، يَا صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اَللَّهِ ، لَا أَغْنِي عَنْكَ مِنَ اَللَّهِ شَيْئًا ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اَللَّهِ ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِيٍّ ، أُنْقِذِي نَفْسَكَ مِنَ اَلنَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكَ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، وَلَا أَغْنِي عَنْكَ مِنَ اَللَّهِ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا ببْلَالِهَا » أَيَّ سَأَصِلُهَا حَسَبَ حَقِّهَا .

مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ : وَلَمَّا تَمَّ هَذَا اَلْإِنْذَارُ اِنْفَضَّ اَلنَّاسُ وَتَفَرَّقُوا ، وَلَا يُذْكَرُ عَنْهُمْ أَيُّ رَدَّةِ فِعْلٍ ، سِوَى أَنَّ أَبًا لَهَبٍ وَاجَهَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّوءِ ، وَقَالَ : تَبًّاً لَكَ سَائِرَ اَلْيَوْمِ ، أَلْهَذَا جَمَعْتَنَا ؟ فَنَزَلَتْ : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، كَانَتْ هَذِهِ اَلصَّيْحَةُ اَلْعَالِيَةُ هِيَ غَايَةُ اَلْبَلَاغِ ، فَقَدْ أَوْضَحَ اَلرَّسُولُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَقْرَبِ اَلنَّاسِ إِلَيْهِ أَنَّ اَلتَّصْدِيقَ بِهَذِهِ اَلرِّسَالَةِ هُوَ حَيَاةُ اَلصِّلَاتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، وَأَنَّ عُصْبَةَ اَلْقَرَابَةِ اَلَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا اَلْعَرَبُ ذَابَتْ فِي حَرَارَةِ هَذَا اَلْإِنْذَارِ اَلْآتِي مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا اَلصَّوْتِ يَرْتَجُّ دَوِيُّهُ فِي أَرْجَاءِ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } ،فقَامَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اَلْإِسْلَامِ فِي مَجَامِعِ اَلْمُشْرِكِينَ وَنَوَادِيهِمْ ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ كِتَابَ اَللَّهِ ، وَيَقُولُ لهُمْ مَا قَالَتْهُ اَلرُّسُلُ لِأَقْوَامِهِمْ : { يَا قَوْمِ اُعْبُدُوا اَللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ، وَبَدَءَ يَعْبُدُ اَللَّهَ تَعَالَى أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ ، فَكَانَ يُصَلِّي بِفَنَاءِ اَلْكَعْبَةِ نَهَارًا جِهَارًا وَعَلَى رُؤُوسِ اَلْأَشْهَادِ ، وَقَدْ نَالَتْ دَعْوَتُهُ مَزِيدًا مِنْ اَلْقَبُولِ ، وَدَخَلَ اَلنَّاسُ فِي دِينِ اَللَّهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، وَحَصَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ لَم يُسْلم مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِمْ تَبَاغُضٌ وَتَبَاعَدٌ وَعِنَادٌ وَاشْمَأَزَّتْ قُرَيْشٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ، وَسَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُبْصِرُونَ واستَفتَحوا وخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.

 

الخطبة الثانية

مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ : اَلدَّعْوَةِ إِلَى اَللَّهِ تَأتِي أَهَمِّيَّتُها؛ لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ اَلرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ : { قَلَّ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اَللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمِنْ اِتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اَللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ } ، قَالَ اَلْإِمَامُ اِبْنُ اَلْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اَللَّهُ - : " فَمِنْ دَعَا إِلَى اَللَّهِ فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ رَسُولِهِ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَهُوَ مِنْ أَتْبَاعِهِ ، وَمِنْ دَعَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِهِ ، وَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلَا هُوَ مِنْ أَتْبَاعِهِ ، وَهَؤُلَاءِ اَلْمُبَلِّغُونَ عَنْهُ مِنْ أُمَّتِهِ ، لَهُمْ مِنْ حِفْظِ اَللَّهِ وَعِصْمَتِهِ إِيَّاهُمْ ، بِحَسَبَ قِيَامِهِمْ بِدِينِهِ وَتَبْلِيغِهِمْ لَهُ .." ، ثُمَّ حَمَلَ اَلْخُلَفَاءُ اَلرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِ اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اَلْأَمَانَةَ ، وَوَاصَلُوا اَلسَّيْرَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اَللَّهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَتَحُوا اَلْبِلَادَ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ قَبْلَ اَلسَّيْفِ وَالسِّنَانِ ، وَوَصَلَ اَلْإِسْلَامُ مَشَارِقَ اَلْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، وَظَلَّتْ اَلدَّعْوَةُ إِلَى اَللَّهِ هِيَ اَلْهَمُّ اَلْأَكْبَرُ ، وَالشَّغْلُ اَلشَّاغِلُ ؛ لِلْمُسْلِمِينَ ، حَتَّى طَالَ اَلْأَمَدُ ، وَضَعْفَ اَلْوَازِعُ ، وَفَتَرَ اَلدُّعَاةُ ، وَظَهَرَتْ دَوَاعِي اَلْهَوَى ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ بَعَثِ اَلْهِمَمِ إِلَى اَلدَّعْوَةِ اَللَّهُ ، وَبَثِّ رُوحِ اَلِاعْتِزَازِ بِالدِّينِ ، يَقُولَ اَلْإِمَامُ مَالِكُ - رَحِمَهُ اَللَّهُ - : " لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ إِلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا " .

المرفقات

1713353427_واصباحاه.docx

المشاهدات 1119 | التعليقات 0