يا بني آدم خذو زينتكم عند كل مسجد
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ حُضورَ المساجدِ من أعظمِ شواهدِ الإيمان، وتفضَّل على قاصديها بالخير والكَرَم والإحسان، وجعلَ لهم المنازلَ العاليةَ الطيِّبةَ في أعلى الجِنان، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الرَّحيمُ الرحمن، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه المبعوث بالحقِّ إلى الإنسِ والجانِّ، اللهمِّ صلِّ وسلِّم على محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ والتابعين لهم بإحسانٍ.
إخوة الإيمان والعقيدة .. اعلموا أن الصلاة جماعة في بيوت الله تعالى من واجبات الدِّين، وسُنَنِ الهدى، يجتمعُ للمصلِّي فيها شرفُ المناجاة لله تعالى، وشرف العبادة، وشرف البقعة، ولقد رتَّبَ الإسلامُ على حضورِ المساجد أجراً عظيماً، وإذا كان حضور الجماعة بهذه المنـزلة، فإنه ينبغي للمصلِّي أن يَتحلَّى بأشرفِ الصفاتِ وأحسنِ الخصال، تأدُّباً مع اللهِ تعالى وتطبيقاً للسنة، ومن أشرف الصفات وأحسن الخصال أن يخرج المصلِّي للمسجد في أحسن هيئةٍ، لأن الصلاة صلةٌ بين العبد وربِّه، يَقفُ بين يديه تعالى يُناجيه، يقرأ كلامه ويذكُره ويدعوه، فينبغي أن يكون في هذا الموقف العظيم على أحسن هيئةٍ وأتَمِّ حال قبل الدخول في الصلاة، ولكن للأسف بعض المصلِّين لا يهتمُّ بها، لجهله أو لأن الصلاة تحولَّت عنده إلى عادةٍ، فهو يذهبُ إلى مكان عمله أو مكان وليمةٍ أحسن من الهيئة التي يذهَبُ بها إلى بيت الله تعالى.
أيها المصلِّي.. ينبغي لك أن تلبس عند مناجاة ربك أحسنَ ثيابكَ في الصلوات كُلِّها، إذ ليس المقصود من اللباس هو ستر العورة فحسب، وإنما يُرادُ معَ ذلكَ التجمُّل للوقوف بين يدي ربِّ العالمين ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ ولهذهِ الآيةِ وما وَرَدَ في معناها من السُّنةِ: يُستَحَبُّ التَّجَمُّلُ عند الصلاةِ، ولا سيَّمَا يومَ الجمعةِ ويومَ العيدِ، والطِّيبُ لأنهُ من الزِّينَةِ، والسِّواكُ لأنهُ من تَمَام الزينة أيضًا، قال ﷺ "إذا صَلَّى أحَدُكُمْ؛ فَلْيَلْبَسْ ثوْبَيْهِ، فإنَّ اللهَ أَحَقُّ مَن تُزُيِّنَ لَهُ" وكانَ رسولُ اللهِ ﷺ إذا قامَ إلى الصلاةِ فَمَا يُعْجبُهُ إلا الثِّيابُ النَّقِيَّةُ والرِّيحُ الطَّيِّبةُ. ورأى ﷺ رَجُلاً عليه ثيابٌ وسِخَةٌ فقال "أَمَا كانَ هذا يَجدُ ما يَغسِلُ به ثوبَهُ" وقد كان لتميمٍ الداري حُلَّة اشتراها بألفِ درهمٍ يقومُ بها الليل.
ولقد عاتب ابنُ عُمَرَ نافعًا مولاه لما رآه يُصلِّي في ثوبٍ واحدٍ، فقالَ لَهُ: أَلَمْ أَكْسُكَ ثوبينِ؟ قالَ: بلَى، قالَ: أَرَأَيْتَ لوْ أرسلتُكَ إلى فُلانٍ أَكُنْتَ تَذْهَبُ في ثوبٍ واحدٍ؟ قال: لا، قالَ: فاللهُ أَحَقُّ مَنْ تُزِيِّنَ لَهُ.
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ ومع هذا الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، إلا أن هناك -مع الأسف- من استهانوا بذلك، فتراهم يأتون إلى المساجد بملابس لا يستطيعون أن يقابلوا بها وجهاء القوم، أو أن يذهبوا بها إلى مناسباتهم الخاصة أو العامة؛ فبعضها أزياء رياضية لا يمكن أن يذهب بها لعمله أو للزيجات، وعلى بعضها شعارات ودعايات غير لائقة، وأسماء تشغل المصلي خلفه عن الخشوع؛ فالله ينادي عباده أن يأخذوا عند عبادته الزينة التي خلقها من أجلهم؛ ليتجملوا بها.
أيها المسلمون: ومن التجمُّل للصلاة عموماً وصلاة الجمعة خصوصاً: استعمالُ السواكِ والطيِّبِ، فعَن عائشةَ قالت: صَنَعْتُ لرسولِ اللهِ ﷺ بُرْدَةً سَوْدَاءَ فلَبسَهَا، فلَمَّا عَرَقَ فيها وَجَدَ رِيحَ الصُّوفِ، فَقَذَفَهَا - قالَ: وأَحْسِبُهُ قالَ: - وكانَ تُعْجِبُهُ الرِّيحُ الطَّيِّبةُ. قال ﷺ "غُسْلُ يومِ الجُمُعَةِ على كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وسِوَاكٌ، ويَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ ما قَدَرَ عليهِ". كان ابنَ عبَّاسٍ إذا خَرَجَ من بيتهِ إلى المسجدِ، عَرَفَ جِيرانُ الطريقِ أنهُ قدْ مَرَّ مِن طِيبِ رِيحِهِ).
وليحذر المصلِّي من استخدام الثوم والبصل قبل الصلاة، لقوله ﷺ "مَنْ أَكَلَ مِنْ هذهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ - وقالَ مرَّةً: مَن أكَلَ البَصَلَ والثُّومَ والْكُرَّاثَ فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنا، فإنَّ الملائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأذَّى منهُ بَنُو آدَمَ" وإذا كان هذا هو الحكم الشرعي في أكل المصلِّي للثوم والبصل والكراث وهي من المباحات، فكيف يكون حال من ابتُلِيَ بشُرب الدُّخانِ والشيشة والتعميرة.
أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يتقبل منا ومنهم القول والعمل
أقول ما تسمعون ....
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظم نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرًا.
معاشر المؤمنين .. هناك تساهل واضح من البعض في أخذ الزينة لكل صلاة، وليس الأمر مقصورًا على المساجد؛ بل حتى في البيوت؛ فإن بعض الرجال إذا أراد أن يصلي صلاة نفل أو فائتة في بيته أو في فندقه صلى بأي ثوب اتفق له، ولو كان ثوب نوم أو بيجامة، أو يلف فوطة استحمام على جسده.
فأخذ الزينة في الصلاة حق الله ولو كان وحده بالليل، ولا يصلي عريانا، ولو كان وحده، ويستر في صلاته ما يجوز له إبداؤه في غير الصلاة للرجال؛ مثل: المنكبين -الكتفين-؛ لأن النبي ﷺ نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء.
ولا يجوز أن يصلي الرجل مكشوف الفخذين، ولو صلى وحده في البيت، وهذا باتفاق العلماء. وصلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار، فهذا لا يجوز، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، وكيف يؤمر بستر المنكبين، ويبيح لنفسه كشف الفخذين.
عباد الله .. لقد أُمِر المصلي بالطهارة والنظافة والطيب، وأن تتخذ المساجد في البيوت وتنظف وتطيب، فيستتر في الصلاة أبلغ مما يستتر الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة؛ ولذا أمرت المرأة أن تختمر في الصلاة.
واعلموا .. أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة في أصح أقوال أهل العلم؛ وبعضهم يرى الوجوب؛ لأمره -جل وعلا- بأخذ الزينة عند كل مسجد، والأدلة الصريحة والواضحة أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة؛ فيجب أن تغطى السرة والركبة والفخذ في الصلاة؛ لقوله ﷺ لأحد أصحابه: "غط فخذك فإن الفخذ عورة"
والأمر ليس متعلقًا بمسألة صحة صلاة أو عدمها؛ فلا شك أن الصلاة في أي ثوب غير نجس ساتر للعورة صحيحة، وإنما الأمر متعلق بمسألة أخذ الزينة التي أمر الله -عز وجل- بها عند الصلاة.
فاللائق بالمسلم أن يتجمل ويتطيب عند الصلاة، خاصة عند الحضور للمساجد، وتتأكد في الجمع والأعياد، وليحرص قدر المستطاع على اللباس الأبيض؛ لأنه أفضل الزينة، وكان النبي ﷺ يلبس الأبيض، ويفضله ويحض على أن يلبسه الأحياء، وأن يكفن به الأموات كما جاء في الصحيح.
اللهم احفظنا بحفظك، ووفق ولي أمرنا، وولي عهده لما تحب وترضى؛ وخذ بناصيتهم إلى البر والتقوى، وأصلح بهم البلاد والعباد، واحفظ لبلادنا الأمن والأمان، والسلامة والإسلام، والاستقرار، وانصر المجاهدين على حدود بلادنا؛ وانشر الرعب في قلوب أعدائنا، اللهم أصلح الراعي والرعية، وآلف بين قلوبهم، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد ﷺ، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد ﷺ، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم امدد علينا سترك في الدنيا والآخرة، اللهم أصلح لنا النية والذرية والأزواج والأولاد، اللهم اجعلنا هداة مهديين، يا ذا الجلال، والإكرام، أكرمنا وأنزل علينا من بركات السماء,، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.