﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾-اللهَ أَحَقُّ أَنْ يُتَجَمَّلَ لَهُ مِنَ النَّاسِ

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

 إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.أَمِرَ اللَّه جَمِيعِ بَنِي آدَمَ أَنْ يَأْخُذُوا زِينَتَهُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ،وَالزِّينَةُ:مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ النَّاسُ مِنَ الْكِسَاءِ وَاللِّبَاسِ وَهُوَ مَا يُوَارِي السَّوْأَةَ.فالمساجدُ بيوتُ اللهِ ،فالواجب ان تكون متهيئاً بكامل الزينة من الثياب والطيب،لمقابلة العزيز الجبار سبحانه،قَالَﷺ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»قَالَ رَجُلٌ:إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً،قَالَ:«إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ، فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ مَنْ تُزُيِّنَ لَهُ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.ولما أُثرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لما سُئِلَ عَمَّنْ يُصَلِّي مَكْشُوف الرَّأْس:(اللهَ أَحَقُّ أَنْ يُتَجَمَّلَ لَهُ مِنَ النَّاسِ).ولكن وللأسف أن بعض الناس في هذا الزمان أساء استخدام اللباس،فالبعض يأتي إلى بيوت الله عز وجل بأردئ الثياب وأوسخها على الإطلاق ، ومنهم من يأتي بثياب النوم ،أو باللباس القصير أي تحت الركبة بقليل وهذا ينافي احترام بيوت الله ،ومنهم من يأتي بثياب شفافة قد لاتستر العورة أو بنطلون ضيق يحجم العورة وستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، والبعض يلبس ثياباً وعليها صور حيوانات أو بني آدم وغيرها ،ومما يؤسف له أيضاً في هذا الزمان،تقليد بعض شباب المسلمين للكفار والمشركين ، في لبسهم ، وقصات شعرهم وربط الشعر من الخلف أوتظفيره ووضع الطوق على الرأس أو ربطه بقطعة قماش تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وإطالة الأظافر وكثير من العادات السيئة قَالَﷺ«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَ قَالَ الأَلبَانيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِﷺفَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ:«أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ، وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

عِبَادَ اللهِ:قَالَ تَعَالَى﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾حثَّ الإسلامُ على نظافة الثياب والبدن عند حضور الصلاة،فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ، وَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ، فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِﷺإِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي،فَقَالَ رَسُولُ اللهِﷺ:«لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا،يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ »مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اللَّهِ:يجب على المسلم عند ذهابه إلى المسجد أن يتطيب وأن يستعمل السواك قَالَﷺ:«لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى، أَوْ عَلَى النَّاسِ، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ»متفقٌ عَلَيْهِ.ويجتنب الروائح المؤذية والروائح الكريهة , كالثوم , والبصل, والكراث, والدخان بجميع أنواعه, كذلك ما يخرج من بدن الإنسان, كرائح الإبط،أو الملابس المنتنة ،وما شابه ذلك ؛قَالَﷺ:«مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِﷺ«رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا،فَقَالَ:إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَو تَحْتَ قَدَمِهِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فينبغي علينا تنزيه بيوت الله عن كل ما يضر بها أو يؤذي المصلين ويزعجهم،من رفع الأصوات بالعطاس والتثائب والتنخم والتمخط وغيرها مما يقزز ويزعج المصلين،فقدتَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّﷺفَقَالَ«كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ القِيَامَةِ»رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ... 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ(36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ﴾.فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وحافِظُوا علَى نظافةِ المساجدِ وجمالِ مظهرِهَا بإزالةِ مَا قَدْ يُلوِّثُهَا أَوْ يُشَوِّهُ جمالَهَا أَوْ يُخِلُّ بطهارتِهَا، فالمساجدُ بيوتُ اللهِ التِي يشعُّ منْهَا نورُ الإيمانِ ،وَتصدعُ بالحقِّ مِنْ مآذنِهَا،وتلكَ مِنْ مناقبِ وُلاةِ الأمْرِ الذينَ يدعمُونَ بيوتَ اللهِ بكلِّ غالٍ ونفيسٍ؛ ومَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِنَ المحسنينَ، ويظهرُ ذلكَ مِنْ خلالِ العنايةِ بعمارتِهَا وصيانتِهَا ونظافتِهَا، فجزاهُمُ اللهُ كلَّ خيرٍ ووفَّقَهُمْ لِمَا يحبُّهُ ويرضَاهُ، إنَّهُ نِعمَ المولَى ونعمَ النصيرُ.

إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾