يا باغي الخير أقبل ..

عبدالله محمد الطوالة
1440/09/11 - 2019/05/16 20:53PM
الحمدُ للهِ، كلُّ حمدٍ فإليه، كلُّ خيرٍ بيديه، كلُّ فضلٍ نحن فيه، فهو منهُ وإليهِ، نشكرُ اللهَ عليهِ، {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ..
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ .. تباركَ اللهُ في علياء عزتهِ .. وجلَّ معنىً فليسَ الوهمُ يُدنِيهِ .. سبحانهُ لم يزل فرداً بلا شَبَهٍ .. وليس في الورى شيءٌ يُضاهِيهِ .. لا كونَ يحصُرهُ، لا عونَ ينصُرهُ، لا عينَ تُبصِرُهُ، لا فِكرَ يحويهِ .. لا دهرَ يُخلِقُهُ، لا نقصَ يلحَقُهُ، لا شيءَ يسبِقُهُ، لا عقلَ يدريهِ .. لا عدَّ يجمعُهُ، لا ضِدَّ يمنعُهُ، لا حدَّ يقطعُهُ، لا قُطرَ يحويهِ .. جلالُهُ أزليٌّ لا زوالَ لهُ .. وملكُهُ دائمٌ لا شيءَ يُفنِيهِ .. حارت جميعُ الورى في كُنه قُدرتهِ .. فليسَ تدرِكُ معنىً من معانِيهِ ... وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} ..
والصلاةُ والسلامُ على الصادق الأمينِ، المبعوثِ رحمةً للعالمين .. اللهُ قدَّ صلَّى عليه قديماً .. وحباهُ فضلاً من لَدُنْهُ عَظِيماً .. واختارَهُ في المرسلين مُكرمَاً .. ذا رأفةٍ بالمؤمنـين رحيـماً .. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليهِ وعلى آله وصحبهِ أجمعين، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدينٍ، وسلّم تسليماً كثيراً ..
أمَّا بعدُ: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ، اتقوهُ حقَّ التقوى .. خلِّ الذنوبَ صغيرِها وكبيرِها ذاكَ التُقى .. واصنعَ كماشٍ فوقَ أرضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى .. لا تحقرنَّ صغيرةً إن الجبالَ من الحصى .. وبعدُ: فمن اعتمدَ على الله كفاهُ، ومن سألهُ أعطاهُ، ومن استغنى به أغناهُ .. نعم المولي ونعم النصير، {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون} ..
معاشر المؤمنين الكرام: رمضانُ والخير قرينان، فرمضانُ هو شهر الخير وزمانه، والخيرُ هو عمل رمضان ووظيفته، وطالبو الخير هم أهل رمضان، ورمضان هو سوق أهل الخير وموسمهم، ومَن وُفِّق لفعل الخير في رمضان، وخفَّتْ إليه نفسُه، فهو الموفَّق، ومن خُذل عن الخير فيه، وثقل عنه، وأعرض عن موائده، فالخوف أنه لا يوفَّق له في غيره، لأن فرص الخير في رمضان مسهلة ومهيأةٌ بما لا تتهيأ في غيره، وصاحبُ الخير منادًى بالإقبال مُرَحبٌ به، يا باغيَ الخير أقبل، وصاحبُ الشرِّ منادى بالنكوص  والرجوع، يا باغيَ الشرِّ أقصر، والشياطين مصفَّدةٌ، ومجاريها مضيقةٌ، وأبواب النيران مغلقةٌ، وأبواب الجنان مفتحةٌ، والقرآن يتلى، والملائكة تغشى، والرحمات تتنزل تترى، وأجواء الطاعة مفعمه، والأجور مضاعفةٌ، وَللهِ في كُلِّ لَيلَةٍ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، فمن تهيَّأ له كلُّ هذا ولم تتشوف نفسُه للخير، ولم يضرب فيها بسهمٌ، فليتفقد قلبَه؛ فإنه لا قلب له .. أمَا وقد انتصف رمضانُ أو أوشك، فهلا ساءل كل واحدٍ منا نفسه: أين أنا من الخير في شهر الخير؟ هل كنتُ من طلابِه، العاملين بأسبابه، الداخلين مع أبوابه ؟ الغانمين لثوابه .. ألا فرحم الله امرأً حاسَبَ نفسَه، فنظر فيما مضى، وعمل لما يأتي؛ فإنْ كان محسنًا ازداد، وإن كان غير ذلك رجع ولم يتمادَ ..
 وتعالوا بنا معاشر الصائمين نستعرض شيئًا مما ورد فيه التصريحُ من الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من الخير؛ لنزن به أنفسَنا، ولنقيم من خلاله واقعنا، فقد قال عليه الصلاة والسلام لمعاذٍ: "ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّةٌ، والصدقةُ تطفئ الخطيئةَ كما يُطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل في جوف الليل، ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة، وذروةُ سنامه الجهاد، ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كفَّ عليك هذا وأشار إلى لسانه" ، قال: يا نبي الله، وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!" .. وقال عليه الصلاة والسلام: "من أُعطِي حظَّه من الرِّفق، فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق، فقد حُرم حظه من الخير" .. وعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذَ من القرآن شيئًا، فعلِّمني ما يجزئني، قال: "قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" ، قال: يا رسول الله، هذا لله، فماذا لي؟ قال: "قل: اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني" ، فقال هكذا بيديه وقبضهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد ملأ يديه من الخير".. وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ" ، قَالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً .. ومنيحة العنز: أي التصدق بلبنها أو إهدائه .. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصالٍ من الخير: أوصاني ألاَّ أنظر إلى مَن هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أصِلَ رحمي وإن أدبرتْ، وأوصاني ألا أخاف في الله لومة لائمٍ، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرًّا، وأوصاني أن أُكثِرْ من لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنزٌ من كنوز الجنة" .. وقال عليه الصلاة والسلام: "حوسب رجلٌ ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيءٌ، إلا أنه كان رجلاً موسرًا، وكان يخالط الناس، وكان يأمر غلمانَه أن يتجاوزوا عن المعسر، فقال الله عز وجل لملائكته: نحن أحقُّ بذلك منه، تجاوزوا عنه" ..
 هذه معاشرَ الصائمين بعض أبوابٌ الخير : صلاةٌ وصومٌ وقيام ليلٍ، وصدقةٌ وإحسانٌ، وحب للمساكين، ورفقٌ بالناس وتجاوزٌ عن المعسرين، وصلةٌ للرحم ورحمةٌ، وكفٌّ للسان عن الشر وإشغالٌ له بالتلاوة والذكر، وقولٌ للحق وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر .. فمن هو الموفَّق منا الذي جمع ما استطاع من هذه الخصال إن لم يكن كلَّها؟ من الذي حافَظ على تكبيرة الإحرام مع الإمام منذ دخل الشهر؟ .. من الذي صبر وصابر ورابط، وقام مع الإمام في التراويح ولم يَفُرط في شيء منها ً؟ .. من الذي اجتهد في تفطير الصائمين ومساعدة المحتاجين، وقدم ما يستطيع لدعم المشاريع الخيرية .. من الذي حفظ لسانه من الغيبة والنميمة، والكذب وقول الزور .. من الذي لا يزال لسانه رطباً بذِكر الله وتلاوة كتابه، والإكثار من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد .. من الذي حفظ صيامه من اللغو والرفث والجهل على الآخرين؟ من الذي حسَّن أخلاقه وارتقى بتعامله مع أهله وجيرانه وعماله .. من الذي جاهد نفسه فتجاوز عمَّن أساء إليه .. ومن الذي عاد إلى أرحامه المقطوعة فوصلها طاعةً لله .. من الذي هجر المنكرات وتخلَّص منها في بيته وجواله وسيارته ومكتبه ..
فلئن كنا أخذْنا بهذه الأبواب أو بعضها، فهنيئًا لنا كل هذه المكاسب من الخيرات، وإن كان الحال غير ذلك، فإن المجال ما زال مفتوحًا، والفرصة ما تزال مواتيةً، وأبواب التوبة والقبول مشرعة، فلنتَّقِ الله ولنتدارك أنفسنا، ولنلحق بركْب الخير، ولنكن من مفاتيحه ومعلِّميه والدالين عليه، والمتعاونين معه، والداعين إليه .. فإنه لا نجاة إلا لأهل الخير .. قال صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرةً، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن بُرَّةً، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرةً" .. وقال عليه الصلاة والسلام: "إن من الناس ناسًا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناسًا مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الخير على يديه، وويلٌ لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه" .. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت لَيُصلُّون على معلِّم الناس الخير" ، وقال عليه الصلاة والسلام: "الدالُّ على الخير كفاعله" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ خيرًا فاستُنَّ به، كان له أجره، ومثل أجور مَن تبعه، غير مُنقِصٍ من أجورهم شيئًا" .. ولقد كان من دعاء حبيبنا صلى الله عليه وسلم الذي علَّمه لأمنا عائشةَ رضي الله عنها أن تقول: "اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم" ..
فألحُّوا يا عباد الله على الله بالدعاء ؛ فإنكم في شهر الدعاء وشهر القبول، واسألوه أن يدلَّكم على سُبُل الخير الظاهرة والباطنة، وأن يوفِّقكم لعاجله وآجله، وافعلوا الأسباب التي تعينكم عليه، وبادروا ولا تتأخَّروا، فإنه ما على المرء إلا أن يتوكَّل على الله، ويبدأ الخطوة الأولى في أي طريقٍ من طرق الخير، ويعَّود نفسه إياه شيئًا فشيئًا، ليجد نفسه بعد ذلك وقد صار الخيرُ ديدنه، وجزءًا لا يتجزأ من سلوكه .. قال عليه الصلاة والسلام: "إنما العِلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يُوقَه" ، وقال صلى الله عليه وسلم : "الخير عادةٌ، والشر لجاجةٌ" ..
 ألاَ فاتَّقوا الله وسارعوا وسابقوا؛ فإن الخير مستمرٌّ لمن أراده وطلبه، قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ..
بارك الله ..
 
الحمد لله كما ينبغي ..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا من الصادقين ، وكونوا ممن يستمعون القول ...
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه، فيربيها كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ أو قَلُوصَهُ حتى تكون مثل الجبل أو أعظم" .. قال عمر رضي الله عنه: (إن الأعمال تباهت فقالت الصدقة: أنا أفضلكم) .. ولذا لا يتحسر الميت على شيء أكثر منها : {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} .. قال يحيى بن معاذ: "ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة" ، وقال الشعبي: "مَن لم يرَ نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته, فقد أبطل صدقته، وضرب بها وجهه" .. وقد اخرج الطبراني بإسناده: "إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور, وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته" .. وعن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس" ، وقال ابن أبي الجعد: "إن الصدقة تدفع سبعين باباً من السوء" .. وقال عبد العزيز بن عمير: "الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه" ..
ولنا يا عباد الله في رسول الله اسوة حسنه, فقد كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر .. وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، وفي رواية: وكان لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعْطَاهُ ، وقد تأثر به الصحابة رضوان الله عليهم فكانت لهم مع الصدقة مواقفٌ عجيبة، فأبو بكر يتصدق بماله كله، وعمر بنصف ماله ، وأبو الدحداح يسمع قول الله تعالى: {مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} ، فيقول يا رسول الله، إن الله تعالى يريد منا القرض؟ قال: "نعم، يا أبا الدحداح"، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال: فإني أقرضت الله حائطاً فيه ستمائة نخلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذاً يجزيك الله الجنة" ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "كم من عذق رداح ودار فيّاح لأبي الدحداح في الجنة"، وعن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيَرُحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} .. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله إن أحبّ أموالي إليَّ بيرحاء وأنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح" والحديث في البخاري ومسلم ..
والصدقة يا عباد الله سببٌ لبسطِ الرّزق وطول العمر، ودفَع البلاءَ والأمراضَ عن المتصدّق وأهلِ بيته، تمنَع ميتةَ السّوء وتقي مصارعَ السوء، قال صلى الله عليه وسلم: "صنائعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء والآفاتِ والهَلَكات"، وقال صلى الله عليه وسلم: "داوُوا مرضَاكم بالصّدقة" .. وبالصّدقة يعين الله المتصدّقَ على الطاعة، ويهيّئ له طُرقَ الخير والرشاد، ويذلِّل له سُبلَ الهدى .. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فإنَّ للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفعُ بها عنهُ أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهلُ الأرض كلُّهم مقرُّون به لأنَّهم جرَّبوه) ..
قال تعالى: {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يُغني عنه مالهُ إذا تردى} .. 
فإلى من عرف فضل الصدقة وبركتها وعظم أجورها، وبيت في نفسه أن لا يفوت هذه الفرصة المباركة، أحرص على أن تأتي بالصدقة على أفضل صورها وأكمل أحوالها، وذلك بالمحافظة على آداب الصدقة، والحذر من مبطلاتها، قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ}، ومن آدابِها أن تكونَ خالصةً لوجهِ الله تعالى، لا يشوبها رياءٌ ولا سمعة، وأن لا يمن بصدقته لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، ولو أنّ المحسِنين يعلمون ما يقاسِيه الفقراء عند السّؤال من عنتٍ وذلهٍ، ما قلّبوهم على جمرِ المنِّ، ولا جرّعوهم غصص الانتظار، ولا أذاقوهم مرارةَ الرياء .. فاتقوا عبادالله ولنستيقظ من غفلتنا، ولنستدرك ما فاتنا من رمضان، ولنجعل ما بقي من شهرنا أفضل مما فات، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، وكما تدين تدان ..
اللهم صل على محمد ....
المشاهدات 1203 | التعليقات 0