يا باغي الخير أقبل "رمضان"

راكان المغربي
1442/08/26 - 2021/04/08 14:45PM

أما بعد:

في هذا اليوم..

ما زالوا يدبرون خططهم، يسخرون جنودهم، ينشرون ضلالهم..

وأما بعد يومين أو ثلاث..

فسيكون موعد تقديم رؤساء الشر للعدالة لحبسهم وتقييدهم في الأغلال..

ألا ما أعظم هذه البشرى ! وما أحلى هذا الخبر!

وإذا أردت تعبيرا أجمل فخذه مما نطق به حبيبك صلى الله عليه وسلم : (إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ مردَةُ الجنِّ)

فلتموتوا أيها المردة بغيظكم! ولتعضوا الأصابع من قهركم!

ويزداد الغيظ إلى الغيظ إذا علمتم أن تلك الدار -دار الشقاء- التي طالما دعوتم لها العباد، وزينتم طريقها مكرا وخداعا، ها هي قد اقتربت لأن تغلق أبوابها، وتبور تجارتها، وتهبط أرباحها..

وأما الدار الأخرى – دار السعداء – فإنها تستعد لفتح أبوابها..

تالله لتزدهرنّ أسواقها، ولترتفعنّ أسهمها، وليَغتَنِيَنّ طالبوها..

إنها ستفتح كلَّ أبوابها لتدعوَ كل قريب وبعيد، وكل صالح وطالح..

ستفتح ليتزاحموا على أبوابها، ويتسابقوا إلى نعيمها، ليكونوا من أهلها وسكانها..

ألا ما أعظم البشرى! وما أحلى الخبر!

(أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)

فيا من طالت شكواه من الذنوب.. يا من لا يزال متأخرا عن الصعود..

أخبرني أخي..

كم نادتك نفسك وتمنت أن تلحقها بالصالحين؟! وكم تحركت في قلبك بذور الخير فناداك ضميرك أن اسلك الصراط المستقيم؟!

الآن هو وقت إجابة تلك النداءات.. الآن هي أعظم فرصة لتقبل على الخير..

سينادي المنادي وسيلبيه كل من في قلبه إرادة الخير..

(يا باغيَ الخيرِ أقبل ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر)

أقبل يا باغي الخير..

أقبل! فنوازع الشر ستدبر، ورسل الشهوات ستطرد، وتجارة الشيطان ستبور..

أقبل! فالموسم هو موسمك، والفرصة هي فرصتك..

سيقبل رمضان وسترى أفواج المصلين، وجموع التالين..

ستسمع أنين الخاشعين، وأزيز الباكين..

فيا ترى هل ستقبل مع المقبلين ؟! أم ستكون في حزب المقصِرين؟!

رمضان هو موسم مراجعة النفس، وضبط البوصلة، وتعديل المسار..

رمضان هو دورة تدريبية، ومدرسة ربانية، نذوق فيها نعيم الإقبال، ونخرج من أنفسنا مكامن القوة، ونقوي فيها حس الإرادة ومقاومة شهوات النفس..

في تلك المدرسة سنقيم ذلك الركن العظيم من أركان الدين كما أمر بذلك ربنا فنادانا وقال: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)

في مدرسة رمضان سنقيم تدريبا عمليا نتعلم منه أعلى معاني الطاعة والعبودية والتسليم للرب العظيم..

حين تشتاق النفس إلى الماء البارد في اليوم الحار، تبرق لمعة الماء أمام العين، يقلب الإنسان بصره فلا يرى أحدا..

فيا ترى ما الذي يمنعه؟ ما هو الشيء الذي يجعله يكبح شهوته؟

إنه الله جل جلاله..

وهو سبحانه ينظر ويشكر، بل ويباهي، كما يقول سبحانه في الحديث القدسي : (كلُّ عمَلِ ابنِ آدَمَ له، إلا الصَّومُ فإنه لي وأنا أجزي به ، يَدَعُ طعامَه وشرابه وشهوته من أَجْلِي)

إنه "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"..

يا لله ما أجلّها من كلمة هي من المولى سبحانه وتعالى رواء على صدور الصائمين، إنه يباهي بهؤلاء الذي حرموا أنفسهم ما تشتهيه طبعا وفطرة لأجله سبحانه، ليكونوا له عابدين، طائعين، مستسلمين..

 إنه تدريب عملي للوصول إلى منزلة: (وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ۝٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ)

وليبشر كل من نجح في الامتحان، وحقق رضا المنان..

ليبشر بمضاعفة الحسنات كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يضاعَفُ لَهُ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ. قالَ اللَّهُ سبحانَهُ: إلَّا الصَّومَ فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِهِ)

قال ابن رجب : "الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد، فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)"..

وليبشر الصائم بالمغفرة (مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا – أي إيمانا بفرضية الصوم واحتسابا لله عز وجل وطلبا لمرضاته-، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)

ليبشر بدروع الحماية التي تقيه من النار كما قال صلى الله عليه وسلم: (الصيامُ جُنَّةٌ كجُنةِ أحدِكُمْ مِنَ القتالِ)

ليبشر بالفرح مرة ومرتين (للصائِمِ فرحتانِ ، فرْحَةٌ حينَ يُفْطِرُ ، وفرْحَةٌ حينَ يلْقَى رَبَّه)ُ..

فاللهم إنا نسألك من واسع فضلك..

هذا وإن الناجح الحقيقي هو من أدى الصوم كما يريده الله، وكما يحبه ويرضاه..

والذي يريده الله ليس هو الجوع والعطش، وإنما الطاعة والتسليم..

قال صلى الله عليه وسلم: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ)..

فلا تعرضن أخي عن هذا المعنى الذي هو روح عبادة الصوم وجوهرها..

وإلا فما في الحقيقة صُمت، وإنما جعت وعطشت (ورُبَّ صائِمٍ حَظُّهُ من صِيامِهِ الجوعُ والعَطَشُ) كما قال صلى الله عليه وسلم..

وقال مبينا حال الصائم الذي ينبغي: (فإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)..

فَهمُك واستحضارك لهذا المعنى سيؤهلك لتحقيق أعلى النتائج، وأرفع الدرجات، والوصول إلى الغاية التي من أجلها كتب الله الصيام علينا وعلى من قبلنا (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)

(لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)

(لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)

بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية:

أما بعد:

إذا تعاملنا مع رمضان على أنه موسم التجارة الأخروية فيأتي سؤال: ما هي مستهدفات الأرباح لديك؟

وإذا تعاملنا مع رمضان على أنه مدرسة فيأتي سؤال: ما هو مشروع التخرج الذي تريد أن تتخرج به؟

مستهدفات الأرباح قد تكون ختمة أو ختمتين أو ثلاثة أو أكثر..

قد تكون أن تقوم مع الإمام في التراويح فلا تنصرف ليكتب لك قيام ليلة في جميع ليالي رمضان..

قد يكون أن لا تفوت أجر عمرة وحجة في كل يوم بجلسة الإشراق تحافظ عليها ولا تتركها..

قد يكون في إهلاك أموالك في الطاعة بإفطار الصائمين وإطعام المساكين لتنال أجر صومهم وشبع بطونهم..

وأما مشاريع التخرج فقد يكون المشروع في تغيير في علاقتك مع الله وتقوية للصلة به سبحانه والقرب منه..

قد يكون تطويرا في صلاتك فتزيد من خشوعك فيها فلا تترك للشيطان عليك سبيلا..

قد يكون طمعا في إجابة دعوة تلح بها على ربك حتى يعطيك إياها..

قد مشروعك في ترك ذنب لطالما أثقل كاهلك وكان عائقا للوصول إلى ربك..

الأرباح كثيرة، والمشاريع متنوعة، وأبواب الجنان مفتحة، والشياطين مصفدة..

اجلس جلسة مع نفسك، وفكر في آخرتك، وخطط لمصيرك.. ثم (استعن بالله ولا تعجز) وأظهر فقرك إليه، وحاجتك له..

اسأله العون على مرضاته، والتوفيق لعبادته، فوالله ثم والله لا حول لك ولا قوة إلا به..

ثم الموعد بعد شهر وزيادة حين ينتهي رمضان، فنهنئك على نجاح مشروعك وتحقيق أرباحك بعون الله وكرمه وتوفيقه..

 

 

المشاهدات 1947 | التعليقات 0