يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ 14ذِي القَعْدَةِ
محمد بن مبارك الشرافي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ 14ذِي القَعْدَةِ 1439 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ أَرَادَ هِدَايَتَهُ لِلإِسْلام, وَفَقَّهَ فِي الدِّينِ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْراً وَفَهَّمَهُ الأَحْكَام, أَحْمَدُهُ أَنْ جَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلأَنَام , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَّمَدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ الْمَبْعُوثُ لِبَيَانِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمُ الْكِرَام.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ رِفْعَةٌ وَفَضِيلَة, وَنُورٌ وَبَصِيرَة, وَخَاصَّةً فِي الأُمُورِ التِي يَحْتَاجُهَا الإِنْسَانُ دَائِماً , فَإِنَّ العِلْمَ بِهَا وَاجِبٌ عَيْنِيٌّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) صَحَّحَهُ الأَلْباَنِيُّ عَنْ سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ, وَطَهَارَةٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ, وَأَجْرٌ وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ, وَيْكَفِي فِيهِ شَرَفاً أَنَّ اللهَ تَوَلَّى تَفْصِيلَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ أَتَمَّ الْبَيَانِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) , وَجَاءَتِ الأَحَادِيثُ مُتَكَاثِرَةً فِي فَضْلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَو الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ المَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) رَوَاهُ مُسْلِم. وَهُوَ شَرْطاً لِصِحَّةِ الصَّلاةِ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِن َّلِهَذَا الْوُضُوءِ شُرُوطاً وَفُرُوضاً, وَلَهُ نَوَاقِضُ إِذَا حَصَلَتْ وَوَجَبَتْ إِعَادَتُهُ مَتَى أَرَادَ الْمَرْءُ عِبَادَةً يُشْرَعُ لَهَا الْوُضُوءُ .
فَأَمَّا شُرُوطُ الْوُضُوءِ فَهِيَ: الإِسْلامُ وَالْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ وَالنِّيَّةُ وَاسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا : بِأَنْ لا يَنْوِيَ قَطْعَهَا حَتَّى تَتِمَّ الطَّهَارَةُ، وَانْقِطَاعُ مُوجِبٍ، وَاسْتِنْجَاءٌ أَوِ اسْتِجْمَارٌ قَبْلَهُ، وَطُهُورِيَّةُ مَاءٍ، وَإِزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ إِلَى الْبَشْرَةِ، وَدُخُولُ وَقْتٍ عَلَى مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ لِفَرْضِهِ.
فَهَذِهِ عَشْرَةُ شُرُوطٍ, وَنُوضِّحُهَا بِاخْتِصَارٍ, فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ مُسْلِماً لِيَصِحَّ وُضُوءُهُ, وَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً لِيَعْرِفَ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ, وَأَمَّا التَّمْيِيزُ فَحَدُّه فِي الْغَالِبِ سَبْعُ سِنِينَ وَقَدْ يُمَيِّزُ الصَّغِيرُ قَبْلَهَا, فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ, وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ, قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ (إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه . وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا بِدْعَةٌ, وَلابُدَّ كَذَلِكَ أَنْ نَحْذَرَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْوَسْوَاسِ فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا, وَمِمَّا يُلاحَظُ أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ الْوَسْوَاسُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ وَخَاصَّةً فِي النِّيَّةِ, فَيَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَمْ تَنْوِ الْوُضُوءَ, أَوْ لَمْ تَغْسِلْ يَدَكَ أَوْ لَمْ تَمْسَحْ رَأْسَكَ, وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, فَاحْذَرْهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ وَلا تَطَاوِعْهُ ولا تُعِدْ وَضُوءَكَ أَوْ صَلاتَكَ, وَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْهُ.
وَأَمَّا شَرْطُ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ النِّيَّةِ فَمَعْنَاهُ: أَنْ لا يَنْوِيَ قَطْعَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ حَتَّى تَتِمَّ الطَّهَارَةُ، وَبَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لا يَضُرُّكَ لَوْ نَوَيْتَ قَطْعَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ. وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْمُوجِبِ فَمَعْنَاهُ: أَنْ لا يَبْدَأَ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَنْقَطِعَ بَوْلُهُ وَنَحْوُهُ كَمَا لَوْ كَانَ يَبُولُ وَالْمَاءُ بِقُرْبِهِ, وَهَذَا قَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ كِبَارِ السِّنِّ وَالْعَوَامِ, وَلا بُدَّ كَذَلِكَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَوْ يَسْتَجْمِرَ قَبْلَ الْبَدْءِ فِي الْوُضُوءِ. وَأَمَّا طُهُورِيَّةُ الْمَاءِ فَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ, فَلا يَصِحُّ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ قَدْ ظَهَرَتْ, وَأَمَّا لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا أَثَرٌ فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَصِحُّ مِنْ هَذَا الْمَاءِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَلا بُدَّ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ إِزَالَةِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ إِلَى الْبَشْرَةِ ، فَلَوْ كَانَ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ صِبْغٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ فَلا بُدَّ مِنْ إِزَالَتِهِ قَبْلَ غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ.
وَلَكِنْ هَلْ الدُّهْنُ أَوْ الزَّيْتُ الذِي عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَمْنَعُ صِحَّتَّهُ أَمْ لا ؟ الْجَوابُ: فِيهِ تَفْصِيلٌ, فَإِنَّ كَانَ عَلَى الْجِلْدِ طَبَقَةٌ مِنَ الدُّهْنِ لَمْ يَصِحَّ, وَعَلامَةُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا أَمْرَرْتَ أُظْفُرَكَ عَلَى الْجِلْدِ خَرَجَ مَعَكَ الدُّهْنُ فِي أُظْفُرِكَ وَاضِحَاً, فَهُنَا لا يَصِحُّ الْوُضُوءُ حَتَّى تُزِيلَ ذَلِكَ الْمَانِعِ, وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُجَرَّدَ دُهْنٍ لَيْسَ لَهُ طَبَقَةٌ فَيَصِحُّ الْوُضُوءُ, حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْزِلُ إِذَا مَرَّ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ.
وَأَخِيرَاً فَمَنْ كَانَ حَدَثُهُ دَائِمَاً يُشْتَرَطُ دُخُولُ الْوَقْتِ لِيَصِحَّ وُضُوؤُهُ, فَلَوْ كَانَ الإِنْسَانُ مَعَهُ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ, وَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِلْفَرِيضَةِ فَيَنْتَظِرُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ لَهَا, ثُمَّ لا يَضُرَّهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ هَذَا النَّاقِضِ الذِي هُوَ مُصَابٌ بِسَلَسٍ فِيهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا فُرُوضُ الْوُضُوءِ فَهِيَ سِتَّةٌ: غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْفَمُ وَالأَنْفُ مِنْهِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَمِنْهُ الأُذُنَانِ, وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ, وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآيَةِ . وَأَخِيرَاً: الْمُوَالاةُ, وَمَعْنَاهَا: أَنْ لا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَّ الذِي قَبْلَهُ.
عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ, فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ, فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ, ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً, وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا, ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ, ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا , ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ ( مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا, ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ, لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ التَّوَّابِينَ, وَاجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ, الْحَلِيمِ الْعَظِيم, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الوُضُوءَ لَهُ نَوَاقِضُ إِذَا حَصَلَتْ بَطَلَ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ أكَانَ الإِنْسَانُ مُتَعَمِّدَاً أَوْ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ, وَسَوَاءٌ أكَانَ جَاهِلاً أَوْ عَالِمَاً, وَهِيَ: الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ وَزَوَالُ الْعَقْلِ وَمَسُّ الْفَرْجِ بِالْيَدِ قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُرَاً وَأَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ وَالرِّدَّةُ عَنِ الإِسْلامِ أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَلِكَ.
فَأَمَّا الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ نَاقِضٌ مُطْلَقَاً سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادَاً أَوْ نَادِرَاً, فَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ وَالدَّمُ كُلَّهُا تَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلاً أَمْ كَثِيرَاً, وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ حَصَاةٌ أَوْ شِبْهُهَا فَيَبْطُلُ وُضُوءُهُ.
وَأَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ فَيَنْقُضُ مُطْلَقَاً حَتَّى لَوْ كَانَ لِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ لِأَنَّهُ لا يَدْرِي مَا خَرَجَ مِنْهُ, فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ بِسَبَبِ صَرَعٍ أَوْ بَنْجٍ أَوْ سُكْرٍ فَإِنَّ وُضُوءَهَ يَنْتَقِضُ . وَأَمَّا مَسُّ الْفَرَجِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ, وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ يَمَسَّ الْفَرْجَ بِشَهْوِةٍ, وَلا يُطْلَقُ الْمَسُّ إِلَّا عَلَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ سَوَاءٌ أكَانَ بِظَاهِرِهَا أَوْ بَاطِنِهَا , وَأَمَّا لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ غَيْرِهِ قُبُلاً كَانَ أو دُبُرَاً بِغَيْرِ الْكَفِّ فَلا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ, وَأَمَّا إِذَا غَسَّلَتِ الْمَرْأَةُ طِفْلَهاَ وَمَسَّتْ فَرْجَهُ فَالصَّوَابُ أَنَّ وُضَوءَهَا لا يَنْتَقِضُ.
أَيَّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنَ النَّوَاقِضِ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ, وَالْمُرَادُ بِالْجَزُورِ الإِبِلُ, فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ أَكَلَ لَحْمَاً أَوْ شَحْمَاً أَوْ كَرْشَاً أَوْ كَبِدَاً, وَأَمَّا حَلِيبُ النَّاقَةِ فَإِنَّهُ لا يَنْقُضُ, لَكِنْ مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَمَضْمَضُ بَعْدَ شُرْبِ الْحَلِيبِ لِأَنَّ لَهُ دَسَمَاً.
وَأَمَّا لَمْسُ الْمَرْأَةِ أَوْ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ الْقَيْءُ فَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِمْ رَحْمَةُ اللهِ أَنَّه لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِعَدِمِ الدَّلِيلِ.
وَيَنْبَغِي التَنْبِيهُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ بِالْعَكْسِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ, بِمَعْنَى : أَنَّ حَالَهُ السَّابِقَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ هِيَ الْبَاقِيَةُ, فَمَثَلاً: لَوْ تَوَضَّأَ لِلْمَغْرِبِ فَلَمَّا جَاءَ الْعِشَاءُ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لا ؟ فَهُنَا نَقُولُ: َأنْتَ عَلَى وُضُوءٍ, فَصَلِّ وَلا عَلَيْكَ, وَأَمَّا لَوْ قَالَ: إِنَّنِي بَعْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ نَقَضْتُ وُضُوئِي لَكِنَّنِي لا أَدْرِي هَلْ تَوَضَّأْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لا ؟ فَنَقُولُ: اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلاةُ وَالطَّوَافُ, وَلَوْ فَعَلَ مُتَعَمَّدَاً أَثِمَ وَبَطُلَتْ صَلاتُهُ بِإِلإجْمَاعِ, وَبَطَلَ طَوَافُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ, وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيَاً أَوْ جَاهِلاً فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ, وَلَكِنْ صَلاتُهُ بَاطِلَهً وَطَوَافُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً وَرِزْقَاً حَلالاَ, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا, وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ, والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
أَيُّهَا-الَّذِينَ-آمَنُوا-إِذَا-قُم
أَيُّهَا-الَّذِينَ-آمَنُوا-إِذَا-قُم
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق