ياأهل مصر والسعودية عليكم بالاخوة الاسلامية

المشرف عبد الله
1433/06/12 - 2012/05/03 10:56AM
الأُخُوَّة الإسلامية ولوزامها للشيخ اسامه خياط
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الأُخُوَّة الإسلامية ولوزامها"، والتي تحدَّث فيها عن الواجب على كل مسلمٍ تجاه أخيه المسلم من تفريج كُربته، وإعانته بعلمٍ أو مالٍ أو غيره، مُنبِّهًا إلى حقوق الإخوة على بعضهم البعض؛ استدلالاً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك، مع ذكر فضله وعظيم قدره في الدنيا والآخرة.
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده - سبحانه - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله إمام المرسلين وخاتم النبيين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281].
عباد الله:
صروف الليالي وتقلُّب الأيام يُعقِبان المرءَ تبدُّل أحوال، ونزول شدائد، وحُلول كُرَب فيها من الغموم والهموم ما يستحوِذُ على صاحبها، ويسوؤه في نفسه أو جسمه أو عِرضه أو ماله أو بلده، فيضيقُ بها صدره، ويلتمسُ تفريجَها وكشف ضرَّها، فيذكر قولَ ربه الأعلى - سبحانه -: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام: 17]، وقولَه - عز اسمه -: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: 63، 64].
فيستيقِن أنه - سبحانه - المُنجِّي من كل كربٍ، الكاشفُ كل ضُرٍّ، المُغيث لكل ملهوف، فيتوجَّهُ إليه بالدعاء مُتضرِّعًا مُخلصًا خاشعًا خاضعًا مُخبِتًا مُتحرِّيًا أوقات الإجابة؛ امتثالاً لقوله - عز وجل -: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]، راجيًا أن يُفرِّج كربَه، ويكشف غمَّه، ويُذهِبَ همَّه.
ويتوسَّلُ إليه بما كان يتوسَّل إليه به نبيُّه - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الدعاء، كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي في "جامعه" بإسناد حسن عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كرَبَه أمرٌ يقول: «يا حيُّ يا قيوم، برحمتك أستغيث».
وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أصاب أحدًا همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، وابنُ عبدك، وابنُ أمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقك، أو أنزلتَه في كتابك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذهاب همِّي؛ إلا أذهبَ الله همَّه وأبدلَه مكانَه فَرَجًا». قيل: يا رسول الله! ألا نتعلَّمها؟ قال: «بلى؛ ينبغي لمن سمِعها أن يتعلَّمها».
ومن ذلك: دعاء نبي الله يونس - عليه السلام - وهو في بطن الحوت؛ فقد أخرج الحاكم - رحمه الله - في "مستدركه" عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87] لم يدعُ بها مسلمٌ في شيءٍ قطّ إلا استجابَ الله له بها» وذلك مصداقًا لقوله - سبحانه -: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: 88].
ومن أعظم ما يُرجى لتفريج الكُربة ورفع الشدة في العاجلة، والفوز والنجاة من أهوال يوم القيامة: القيام بحق الله؛ بالإيمان به، والمُسارعة إلى مرضاته، والإيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم - واتباع سنته، وتحكيم شرعه.
ومن ذلك: القيام بحقوق عباد الله؛ بالإحسان إليهم في كل دروب الإحسان؛ تأسِّيًا بهذا النبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - الذي قالت له أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - لما ذكر لها ما وقع له في غار حراء حين جاءه جبريل - عليه السلام - بالوحي، قالت: كلا؛ والله لا يُخزِيك الله أبدًا، إنك لتصِلُ الرَّحِم، وتحمِلُ الكلَّ، وتقرِي الضيفَ، وتُكسِبُ المعدومَ، وتُعينُ على نوائبِ الحق؛ أخرجه البخاري ومسلم - رحمهما الله - في "صحيحيهما".
وفي هذه الإعانة والإكساب للمعدوم تفريجٌ للكَرب عن المكروب، ورفع كابوس المحنةِ عن كاهله، وقال - عليه الصلاة والسلام - في الحثِّ على اصطناع المعروف: «صنائعُ المعروف تقِي مصارِعَ السوء والآفات والهلَكَات، وأهلُ المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة»؛ أخرجه الحاكم في "مستدركه" بإسنادٍ صحيحٍ.
وفي هذا الإحسان أيضًا قيامٌ بحقِّ الأُخُوَّة في الدين التي ذكرها الله تعالى بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، وبقوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة: 71]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثَلُ الجسد؛ إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهَر والحُمَّى»؛ أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -.
وهذا تعبيرٌ غنيُّ الدلالة على أن من مُقتضيات هذه الأُخُوَّة الإيمانية: تفريجَ الكربة عن المسلم، والوقوف معه في مِحنَته، وإعانته على بلائه رجاء ما ورد في ثواب ذلك من الموعود والجزاء الضافي والأجر الكريم الذي جاء بيانُه في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" - واللفظ للبخاري - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمُ أخو المسلم؛ لا يظلِمُه، ولا يُسلِمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّجَ الله عنه كُربةً من كُرُبات يوم القيامة، ومن ستَر مسلمًا سترَه الله يوم القيامة». وزاد في لفظ مسلم: «ومن يسَّر على مُعسِرٍ في الدنيا يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه».
وفي هذا الحديث - كما قال أهل العلم - إشارةٌ إلى أن الجزاء من جنس العمل؛ فجزاءُ التفريج في الدنيا تفريجٌ في الآخرة، ولا مُساواة - يا عباد الله - بين كُرَب الدنيا وكُرب يوم القيامة؛ فإن شدائد الآخرة وأهوالها جسيمةٌ عظيمة، فكان ادِّخارُ الله تعالى جزاء تفريج الكُرَب الدنيوية ليُفرِّجَ بها عن عباده كُرُباتهم يوم القيامة حين يكون الإنسان أحوجَ ما يكون إلى فضل الله ورحمته، وإنما يرحمُ الله من عباده الرُّحَماء.
فاتقوا الله - عباد الله -، واعملوا على القيام بحقوق الأُخوَّة في الدين؛ بالوقوف من الإخوة عند الكُرَب ونزول الشدائد بساحتهم، وتجهُّم الزمان لهم، وإعانتهم بما ينفعهم ولا يضرُّكم مما أنعم الله به عليكم من نِعَمه العِظَام؛ لتحظَوا برضوان ربكم، ولتُسهِموا بنصيبكم في الدعوة لدينكم وإلى سبيل ربكم بالعمل على إبراز الصورة المُثلَى للمجتمع المسلم الذي يُقدِّمُ للعالمين الأُنموذجَ المُشرِقَ للحياة الطيبة الناشئة في رحاب الإيمان، المُهتدِيَة بهديِ القرآن وسنة سيد الأنام - عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام -.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الولي الحميد، الفعَّال لما يُريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله صاحب الخُلُق الراشد والنهج السديد، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.


أما بعد، فيا عباد الله:
قال بعض أهل العلم بالحديث تعليقًا على قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ومن فرَّجَ عن مسلمٍ كُربةً فرَّجَ الله عنه بها كُربةً من كُرَب يوم القيامة»: "فيه عظيمُ فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسَّر من علمٍ، أو جاهٍ، أو إشارةٍ، أو نُصحٍ، أو دلالةٍ على خير، أو إعانةٍ بنفسه، أو سَفارته ووساطَته، أو شفاعته، أو دعائه بظهر الغيب".
ومما يُعلِمُك بعِظَم الفضل في هذا وما بعده: أن الخلق عِيالُ الله، وتنفيسُ الكُرَب إحسانٌ إليهم، والعادةُ أن السيد والمالكَ يحبُّ الإحسان لعِياله وحاشيتِه، وليس شيءٌ أسهل من كشف الكُروب ودفع الخُطوب إذا ألمَّت بالمؤمن الذي لا يرى نفسَه إلا وقفًا على إخوانه، يُعينهم فيما استطاع، ويُصبِّرُهم على ما كان، ويُؤمِّنُ خائفَهم، ويُساعِدُ ضعيفَهم، ويحمِل ثِقَلهم، ويجِدون عنده المعدومَ، ولا يضجَرُ منهم، ولا يسأمُهم ولا يملُّهم.
ومثلُ هذا في الاحتفاظ بحقوق المسلمين وكفِّ الشرِّ عنهم قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تَدابَروا، ولا يبِعْ بعضُكم على بعضٍ، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلمُ أخو المسلم؛ لا يظلِمُه، ولا يخذُلُه، ولا يحقِرُه، التقوى ها هنا - وأشار إلى صدره ثلاث مراتٍ -، بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمُه ومالُه وعِرضُه».
فاتقوا الله - عباد الله -، واعملوا على القيام بحقوق الإخوة في الله أينما كانوا، وكونوا أعوانًا لهم على الخير، وسدًّا منيعًا أمام مُخطَّطات المُغرِضين من أهل الأهواء وذوِي الأغراضِ والمصالحِ الخاصة.
واذكروا على الدوام أن اللهَ تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائر الطغاة والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء.
اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميعَ سخطك يا رب العالمين.
اللهم زِدنا ولا تنقصنا، وأكرِمنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تحرِمنا، وآثِرنا ولا تُؤثِر علينا، وأرضِنا وارضَ عنَّا يا رب العالمين.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم احفظ المسلمين في كل بلادهم، اللهم احفظهم وأيِّدهم وانصرهم على عدوك وعدوِّهم يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 2336 | التعليقات 1

إن الأخوّة الإيمانية نعمة من أعظم النعم التي يمتن الله بها على عباده، هي رابطة بين أفراد المجتمع الإسلامي يصعب أن نجد مثلها في المجتمعات الأخرى، إنما هي أخوّة لله بين القلوب والأرواح، تربط المؤمنين برباط وثيق لا يمكن فصمه.

الأخوّة الإيمانية من أوثق عرى الإيمان، وتحقيقها عبادة من أعظم العبادات، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ". رواه الترمذي وأحمد واللفظ له. فهذا شرح نبوي للأخوّة الإيمانية، تحب لله، وتبغض لله، وتعطي لله، وتمنع لله.

إن الشيطان قد يعجز عن الإنسان العابد لله أن يجعله يتجه بالعبادة لغير الله، ولكنه مع ذلك يحتال في إيقاد نار العداوة والبغضاء في القلوب، فإذا اشتعلت هذه النار استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتقطع أواصرهم، ويقوم شياطين الإنس بعد ذلك بإلهابها كلما خمدت أو كادت. يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم". رواه مسلم.

ولهذا فإن دين الإسلام يسعى لعلاج بوادر الجفاء وما يثير البغضاء وينمي الشحناء؛ لكي يكون المجتمع مجتمعًا متماسكًا يحب أفراده الخير لبعضهم، مجتمعًا تسوده المحبة والألفة والأخوة.

وإن الأخوّة الإيمانية بمفهومها الشمولي والعميق هي التي يمكن أن تحل محل العداوة والبغضاء والتنافس غير الشريف، وهي التي يمكن أن تجعل المجتمع صفًا واحدًا متماسكًا يصعب خرقه.

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بهن حلاوة الإيمان"، ذكر منها: "أن تحب المرء لا تحبه إلا لله". رواه البخاري ومسلم. نذوق طعم الإيمان إذا أحب بعضنا بعضًا ابتغاء وجه الله.

بل إن الأخوّة الإيمانية تؤدي إلى محبة الله للمجتمع المسلم، والعداوة بين المجتمع وتناحرهم والبغض الذي بينهم يستجلب سخط الله عليهم جميعًا، يفهم هذا الكلام من خلال المفهوم العكسي لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه: "يقول الله -عز وجل-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ". رواه الإمام أحمد عن معاذ.

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ". رواه الترمذي.

إن الأخوّة الإيمانية سبيل إلى ظل عرش الرحمن -جل جلاله- يوم لا ظل إلا ظله، ففي الحديث المشهور عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ"، ذكر منهم: "وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ". متفق عليه.

فما أجمل أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا تسوده المحبة والألفة بين أفراده، لا شحناء ولا تباغض بينهم.

وليعلم أن مما يعين على التلذذ بالعبادة والخشوع فيها أن يحضر المسلم إليها وليس في قلبه غل أو حقد أو حسد على أحد من إخوانه المسلمين؛ لأن من يحضر إليها وقد امتلأ قلبه بهذه الأمراض يكون بعيدًا كل البعد عن الخشوع؛ ولهذا امتن الله على المؤمنين بأن ألف بين قلوبهم، وهذه نعمة عظيمة: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103].

بل امتن على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم، فقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63]. وحتى توجد الألفة والمودة في المجتمع لا بد من سلامة الصدور وصفاء القلوب، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والحسد والشحناء والبغضاء.

وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [الأعراف:43]، وقال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُر مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47]. والله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم قد أثنى على الأنصار وعلى من تبعهم بإحسان ويصفهم بسلامة الصدر فيقول: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 9، 10].

فهذه دعوة إلى أن نطهّر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء على منابر من نور يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة، لكنهم تحابوا في الله وسلمت صدورهم وقلوبهم من الحقد والغل والحسد.

فانظروا إلى عِظَم ما أعده الله لهم بسبب هذا الخلق الكريم، فصاحب الصدر السليم يفوز بكل هذه الفضائل، والنتيجة المباشرة في الدنيا هي راحة البال والبعد عن كل ما يكدر القلب من الهموم والغموم.

نسأل الله أن يرزقنا قلوبًا سليمة طاهرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية:




هذه بعض الأسباب المعينة على سلامة الصدر:

الدعاء؛ فإنه من أعظم الأسباب لتحقيق المقصود، وكان من دعاء نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "وأسألك قلبًا سليمًا"، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم: (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا) [الحشر: 10].

حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً"، وقال الشافعي: "من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس"، ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك، فقال الشافعي -رحمه الله-: لو قوى ضعفي لقتلني، قال الزائر: والله ما أردت إلا الخير، فقال الإمام: "أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير".

التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات، يقول أحد السلف: التمس لأخيك المسلم سبعين عذرًا، فإن لم تجد فلعل له عذرًا لا تعلمه، ويقول ابن سيرين: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه". فأين المعصوم من الخطأ والزلات؟! ومن منا لا يخطئ؟! قال بعضهم: المروءة هي التجاوز عن زلات الإخوان. فإذا حصلت من أخيك المسلم زلة فتذكَّر سوابق إحسانه، فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر، واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته، واستحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.

ادفع بالتي أحسن، فليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة، قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.

معاملة النمام بما يستحقه، فهو فاسق هماز مشاء بنميم، فالنمام بريد الشيطان.

الهدية والمواساة بالمال، فإنها من دواعي المحبة.

الإيمان بالقدر، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه، ولم يجد في قلبه حقدًا ولا غلاً ولا حسدًا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه. وليعلم العبد أنه ليس له من الحسد إلا الهم والغم والحسرة، وفوق ذلك كله أن هذا الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما ثبت ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم-. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجتمع في قلب عبد الإيمان والحسد". رواه ابن حبان في صحيحه.

أخيرًا تذكر حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وكيف تعامل مع من آذوه وسبوه وشتموه وحاربوه، ومع كل ما فعلوه لم ينتقم لنفسه أبدًا، بل عفا وأصلح.

ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم.