ووصية جامعة لإبي ذر

عنان عنان
1436/06/18 - 2015/04/07 13:40PM
" الخُطبةُ الأولى "

معاشر المؤمنين، عن أبي ذر قلت يا رسول الله أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله ؛ فإنها رأس الأمر كله قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : عليك بتلاوة القرآن ، وذكر الله ؛ فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : إياك وكثرة الضحك ؛ فإنه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : عليك بالجهاد ؛ فإنه رهبانية أمتي . . . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : أحب المساكين وجالسهم . قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : انظر إلى من هو تحتك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ؛ فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك قلت : يا رسول الله ! زدني . قال : قل الحق وإن كان مرا. [صححه الألباني].

الوصية الأولى: عليك بتقوى الله، فإنها رأس الأمر كله، والتقوى الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والإستعداد ليوم الرحيل، أولا: الخوف من الجليل، الذي يخاف من الله في حياته، في عمله، في زوجته، في أولاده، في جميع شؤون حياته، يؤمِّنه الله يوم القيامة، قال الله في الحديث القدسي: " وعزَّتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا، أمَّنتُه يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا، أخفتُه يوم القيامة " [رواه ابن حبان]. ثانيا: العمل بالتنزيل أي أن تعمل بكل أية من كتاب الله، فالعلم من غير عمل لا ينفع صاحبه، هتف العلمُ بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وما أكثرهم الذين يعلمون ولا يعملون، وما أكثرهم الذين يعظون بالعلم ولا يعملون، قال عمر ابن عبد العزيز-رحمه الله-: " الواعظون بالعلم كثير، ولكن العاملين به قليل ". ثالثا: الرضا بالقليل أي أن ترضى بما قسم الله لك، وخير الرزق الكفاف، فكان رزق آل محمد قوتا، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " [رواه مسلم]. والقوت هو الرزق الكفاف، قال أهل العلم: " إن الكفاف في المعيشة، أفضل من الفقر والغنى ". الكفاف الذي لا يلحق صاحبه إلى الجهد والضنك، ولا يلحقه إلى الذل والخزي ومسألة الناس وسرقتهم، ولا يلحقه إلى الترف والنعيم والتبسط في الدنيا، جاء في الأثر أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: " اللهم اجعل من أحبني رزقه كفافا ". ومحبة رسول الله تكون بإتباع سنته، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " قد أفلح من أسلم، ورُزقَ كَفافاً، وقنَّعه الله بما أتاه " [رواه مسلم]. أي قد أفلح في الدنيا والأخرة من رزقه الله هذه الصفات. رابعا: الإستعداد ليوم الرحيل، فعليك يا عبد الله أن تستعد دائماً للموت، فالموت يأتي بغتة والقبر صُندوق العمل، كان ابن عمر دائماً يقول: " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك " [رواه البخاري].

الوصية الثانية: عليك بتلاوة القرءان، وذِكر الله، فإنه نورٌ لك في الأرض ذُخرٌ لك في السماء، المتأمل في أحوال الناس، يرى أنهم اعتنوا بالجسد، واهملوا الروح، فسعادة الجسد تكون بالطعام والشراب والنكاح والشهوات، لهذا الأرواح تعقدت، قال الشيخ بن عثيمين-رحمه الله-: " كلما أُترفَ الجسد تعقدت الروح ". أمَّا سعادة الروح لا تانس إلا بخالقها وطاعته وتلاوة كتابه، قال سبحانه: " وننزل من القرءان ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ". فالقرءان هو شفاءٌ للقلوب، وشفاءٌ للأرواح، وشفاءٌ للأبدان، وكلما أكثرت من تلاوة القرءان، كلما إزدادت حسناتك، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف " [رواه البخاري]. وذِكر الله من أفضل الأعمال، وأعظم القُربات، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ألا أخبرُكم بأفضلِ أعمالكم، وأزكاها عند مليكم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والوِرق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى، قال: ذِكر الله " [رواه البخاري].
فاكثروا من ذكر الله عبادَ الله، قال أحد السلف: " أما يستحي أحدكم أن تكون دابته التي يركبُها وثوبه الذي يلبسُه، أكثر ذكراً لله منه ". لأن كل شيءٍ يُسبحُ لله-عز وجل- " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ". والذي يكثر من ذكر الله، يجلب ثمرات الدنيا والأخرة، قال ابن كثير-رحمه الله-: " إن الله يُعطي الذاكرين ما لا يُعطي السائلين ".

الوصية الثالثة: وإياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب، وتذهب بنور الوجه، كثرة الضحك تقسي القلب، وجاء في الأثر: " إنَّ الله بعيد عن القلب القاسي ". كيف يكثر الضحك مخلوق وهو لا يعلم أين مصيره؟ هل هو في الجنة أم هو في النار؟ مر الحسن البصري على مجموعة من الشباب وبينهم شاب يضحك بأعلى صوته، سبحان الله قد رأينا رجالا ونساءً يضحكون ويصرخون بأعلى أصواتهم ما الخبر؟ هل القدس رجعت؟ فطلع الخبر يضحكون على مبارة للكفرة الفجرة، واللهِ عارٌ علينا وجراح الأمة تنزف واللهِ سوف نسأل، فقال له الحسن: هل مررت على الصراط؟ قال: لا قال هل تدري إلى الجنة يؤخذ بك أم إلى النار؟ قال: لا قال: إذاً على ماذا الضحك؟. وأنتم يا من تكثرون الضحك هل مررتم على الصراط؟ هل علمتم أنكم في الجنة؟ أحدُهم كان كلما أراد الخروج إلى المسجد بكى بكاءً شديداً، فإذا قيل له ما يُبكيك؟ قال: أخاف أن لا أرجعَ إليه مرةً ثانيةً. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً " [رواه البخاري]. أي لو تعلمون عذاب الله وإنتقامه ممن يعصيه لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً.

" الخطبة الثانية "

الوصية الرابعة: عليك بالجهاد في سبيل الله، فإنه رهبانية أمتي، لا أحدَ يُقاتل في سبيل الله، إلا إذا كان يشتري الدنيا بالأخرة، قال سبحانه : " فليقاتلْ في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالأخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ". فهنيئاً لمن اصطفاه الله للجهاد في سبيله، ورزقه الشهادة.

الوصية الخامسة: حبِ المساكين وجالسْهم، حبُّ المساكين يكون لله، أما حب الأغنياء والأثرياء يكون لدنيا، والمساكين هم أهل الجنة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " اطلعت إلى الجنة فوجدت أكثر أهلها المساكين، وأطلعت إلى النَّار فوجدت أكثر أهلها النساء " [رواه مسلم].
يا ابن ادم:

لا تخضعنْ لمخلوقٍ على طمعٍ
فإنَّ ذلك نقصٌ منك في الدين

لن يقدر العبدُ أن يعطيك خردلةً
إلاّ بإذن الذي سوَّاك من طينِ

فلا تصاحب غنيًا تستعزَّ به
وكُن عفيفًا وعظِّم حُرمة الدينِ

واسترزق الله ممّا في خزائنهِ
فإنّ رزقك بين الكاف والنونِ

واستغني بالله دنيا الملوك كما
استغنىَ الملوك بدنياهم عن الدين


المصيبة أننا نسينا كلَّ موعظة، وأصبحنا نركض وراء طلاب الدنيا، أصبحنا لا نعرف إلا المالَ، نحفر الحفر لإخواننا من أجل الحصول على المال، نحلف بالله كذبا من أجل المال، يزور من أجل الحصول على المال، يغش من أجل المال، عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " لياتينَّ على النَّاس زمان لا يُبالي المرء بما أخذ المال أمِن حلالٍ أم من حرامٍ " [رواه البخاري].

الوصية السادسة: لا تنظر إلى من هو فوقك، ولكن أنظر إلى من هو تحتك فهو أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك، قال بعض السلف: صحبت أهل الترف، فلم أجد هماً أكبرَ هما مني، أرى دابةً خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، ثم صحبت أهل التواضع فاسترحت ".

الوصية السابعة: قل الحقَّ وإن كان مُراً، على المسلم القوي أن يقول كلمة الحق أمام الجميع، أمام السلاطين والملوك، في هذا الزمن للأسف انخضعت العلماء لسلاطين خوفاً وحِرصاً على الدنيا، العز ابن عبد السلام أحد العلماء الأجلاء، حبسه أحد السلاطين الظلمة، فعذبه وأهانه في السجن حتى يخضع وينذل له، فلما يئس منه بعث إليه السجان فقال له: إن السلطان يقول لك: إذا أردت أن تخرج من السجن، فقبل يده، قال له العز ابن عبد السلام: لا أرضى أن يُقبل هو يدي أفرضاها على نفسي؟ ثم قال له: يا قوم أنتم في وادٍ ونحن في وادٍ. قال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك فقل: بئس الملوك وبئس العلماء، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء فقل: نعم الملوك ونعم العلماء ".
المشاهدات 3953 | التعليقات 0