وهو الذي ينزل الغيث

الخطبة الأولى وهو الذي ينزل الغيث

الحمدُ لله واسعِ الفضلِ والعطاءِ, سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدُّعاءِ. يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له واسعُ الكرمِ والجودِ, ونشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُ الله ورسولُهُ صاحِبُ الحوضِ المَورودِ, صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى الهِ وَصحبِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى اليومِ الموعود.                                   أمَّا بعدُ: فَأوصيكم وَنفسي بِتقوى اللهِ تَعالى فالمُتَّقونَ هُمُ النَّاجُونَ فَمن اتقى اللهَ وَقَاهُ ومَن تَوكَّلَ عليه كَفاهُ ومَن سَألَ رَبَّهُ منَحَهُ وأَعطَاهُ .

عن أنس قال: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ علَى المِنْبَرِ يَومَ الجُمُعَةِ قَامَ أعْرَابِيٌّ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هَلَكَ المَالُ، وجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّـهَ لَنَا أنْ يَسْقِيَنَا، قالَ: فَرَفَعَ رَسولُ اللَّـهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ وما في السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أمْثَالُ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عن مِنْبَرِهِ حتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ علَى لِحْيَتِهِ، قالَ: فَمُطِرْنَا يَومَنَا ذلكَ، وفي الغَدِ، ومِنْ بَعْدِ الغَدِ، والذي يَلِيهِ إلى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذلكَ الأعْرَابِيُّ - أوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ - فَقالَ: يا رَسولَ اللَّـهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّـهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّـهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ، وقالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، ولَا عَلَيْنَا. قالَ: فَما جَعَلَ رَسولُ اللَّـهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُشِيرُ بيَدِهِ إلى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إلَّا تَفَرَّجَتْ، حتَّى صَارَتِ المَدِينَةُ في مِثْلِ الجَوْبَةِ حتَّى سَالَ الوَادِي -وادِي قَنَاةَ- شَهْرًا، قالَ: فَلَمْ يَجِئْ أحَدٌ مِن نَاحِيَةٍ إلَّا حَدَّثَ بالجَوْدِ.خ.م

عبادَ اللهِ: المَطرُ مَاءٌ طَهُورٌ مُبَارَكٌ وهو الحَيَاةُ وَكَفى (وجعلنا من الماء كلَّ شيء حي ) ! ويَقولُ المولى جلَّ وعلا (وَاللّـَهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)

والمطرُ سببٌ لرزق العبادِ وإحياءِ الأرضِ(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ ) (وَمَا أَنْزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) ، وهو طهور عذب مبارك (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ) (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً) (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا).

المَطَرُ آيةٌ من آياتِ اللهِ وَهِبَةٌ من هِباتِهِ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللّـهُ قُلِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)

ويُخطِئُ مَن يَعتَمِدُ على الحِسَابِ والفَلَكِ, وعلى النُّجُومِ والكوَاكبِ فَحسبُ, فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْـجُهَنِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ, أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِe صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْـحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ ) خ.م.

عبادَ اللهِ: نُزولُ المَطَرِ آيَةٌ تَدلُّ على قُدَرَةِ اللهِ سبحانه على البَعْثِ والنُّشورِ! فهل منْ مُدَّكرٍ؟ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْـلِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمـَوْتَى ؟ قَالَ (أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ مُمْحِلٍ ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ خَضِرًا ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَكَذَلِكَ النُّشُورُ ، أَوْ قَالَ : كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى ) . أحمد وغيره .

والمطرُ جُندٌ من جُندِ اللهِ تعالى! فإمَّا أنْ يكونَ رَحمَةً وطَلاًّ وإمَّا عَذَاباً وَبِيلاً ، فهو جندٌ من جُندِ الله تَعالى يُسلِّطُهُ على مَن يَشَاءُ، فقد استَمَعَ اللهُ تعالى إلى استِغاثَةِ نُوحٍ عليهِ السَّلامُ حينَ دَعَا رَبَّهُ: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فأجابَهُ اللـهُ تَعالَى:(فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمـَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) فَجَعَلَ اللـهُ طُوفَانَ المَاء عَذابًا على قَومِ نُوحٍ عليهِ السَّلامُ!

إخوة الإيمان : لقد كَانَ رَسُولُ اللَّـه ِe إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لهُ عائشةُ يَا رَسُولَ اللَّـهِ : أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمـَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ، فَقَالَ: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي، مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) م.

وعنه  e، قَالَ : (إِنَّ رَبَّكُمْ تَعَالَى ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ عِبَادِيَ أَطَاعُونِي لأَسْقَيْتُهُمُ الْمَطَرَ بِاللَّيْلِ ، وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ بِالنَّهَارِ ، وَلَمْ أُسْمِعْهُمْ صَوْتَ الرَّعْدِ) الحاكم .

وكان e إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، أي: [سَحَابًا لَمْ يَتَكَامَل اِجْتِمَاعه] تَرَكَ الْعَمَلَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا) فَإِنْ مُطِرَ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا). أحمد .

وكانَ e إذا نزل الغَيثَ قالَ: (الَّلهمَّ صَيِّبَاً نَافِعَاً)خ. وبعد نزوله يقول (مُطرنا بِفضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ) خ. م. وكانَ يَكشِفُ بَعضَ بَدِنِهِ لِيصيبَهُ المَطرُ، ويَحَسِرُ ثَوبَهُ، ويَكشِفُ عن عِمَامَتِهِ لِيُصِيبَ المَطَرُ جَسَدَهُ, فعن أنسٍ t قال: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّـهِ eمَطَرٌ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّـهِ ثَوْبَهُ [كَشَفَ بَعْض بَدَنه] حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمـَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ؟ قَالَ: (لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى) م.

وكانَ eإذا اشتَدَّ المَطَرُ وَخَشِيَ الضَّرَرَ، قالَ:( اللهمَّ حَوالَينَا ولا علينا اللهمَّ على الآكَامِ والظِّرَابِ والآجامِ-أي: على الهضاب والجبال ومنابت الشجر- وبُطُونِ الأَودِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ) متفق عليه.

ويُسَنُّ الدُّعَاءُ حالَ نُزُولِ المطرِ لِقولهِe: (اثنَانِ لا يُردُّ فِيهِمَا الدُّعاءُعِندَ النِّدَاءِ, وعِندَ نُزُولِ المَطَرِ) الحاكم .

 فيا مؤمنون: أقدروا لنعمةِ المَطَرِ قَدرَهُ واشكروا ربَّكُم على سَوَابِغِ فَضلِهِ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) فاللهم اجعلْ ما أَنزَلْتَ علينا صَيِّبَا نَافِعَا, ومَتَاعاً لنا وبَلاغاً إلى حينٍ... بارك الله ...

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ                                       أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ:

 نِعمةٌ ورحمةٌ بالعبادِ وتخفيفٌ عليهم ما ثبتَ عن النَّبيِّe من الجمعِ بينَ المغربِ والعِشَاءِ حالَ نُزولِ المَطَرِ وقد بيَّنَ العُلماءُ أنَّ الجمعَ يكونُ بِوجُودِ مَشقَّةٍ على المُصلينَ أو وجُودِ وحَلٍ وطِينٍ يحولُ دونَ دخول المسجدِ أو مَطَرٍ يَهطِلُ أثناءَ الصَّلاةِ يَبُلُّ الثِّيابَ ويُؤذِي المُصلِّينَ .والأصلُ الطهارةُ في طين الشوارع والمستنقعات بعد الأمطارِ .

مَعاشِرَ الكِرَامِ: عندَ نُزُولِ الأَمطَارِ مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ هُناكَ تَهَوُّراتٌ وأَخطارٌ تَقعُ مِن بعض الناس دَافِعُها التَّهوُّرُ وحُبُّ المُغَامَرَةِ كالسُّرعَةِ في قيادة السياراتِ والدخولِ في الشعابِ والأوديةِ ممَّا يَنتُجُ عنه خُطورة ٌبَالِغَةٌ، وقد شَاهدتم وَشَاهدْنا بَعضَ مَقَاطِعِ التَّهوُّرِ والسَّفهِ والجُنونِ! فيا مُسلِمونَ خُذوا حِذركم وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...واجتنبوا مسبباتِ الهلاكِ قال e: ( تَكْثُرُ الصَّوَاعِقُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، حَتَّى يُقَالَ: مَنْ صُعِقَ اللَّيْلَةَ) أحمد وغيره . 

أيُّها المؤمنونَ:سَلُوا ربَّكُم أنْ يُبَارِكَ لَكم فِيمَا أَعطَاكُم وأنْ يُتَابِعَ عَليكم مَنَافِعَ دِينِكُم ودُنياكُم فعنه e ( لَيْسَ السَّنَةُ –أي القحط- بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنَّ السَّنَةَ أَنْ تُمْطَرُوا، ثُمَّ تُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا) م.  

  • ثم صلوا وسلموا ...
المرفقات

1660976717_وهو الذ ينزل الغيث.pdf

1660976717_وهو الذ ينزل الغيث.doc

المشاهدات 368 | التعليقات 0