وهو الذي ينزل الغيث
عنان عنان
1438/02/17 - 2016/11/17 16:09PM
بسم الله الرحمن الرحيم
"الخطبة الأولى"
عباد الله: الماءُ الفائقُ أصلُ النَّمَاء على الهواء والغذاء والدَّواء والكِساء وهو عنصرُ الحياة وسبب البقاء أنشأه الله من عناصره وأنزله من سحائبه قال تعالى: ((وجعلنا من الماءِ كُلَّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون)).
ولو اجتمع الأوائل والأواخر على إنزالِ قطرةٍ من المطر ما استطاعوا قال تعالى: ((صُنعَ الله الذي أتقن كُلَّ شيء)).
فالماءُ أساسُ الحياةِ لكُلِّ مخلوقٍ على وجهِ الأرض ولا يأتي به إلا الله وحدَه قال تعالى: ((إنَّ اللهَ عنده علمُ الساعةِ وينزل الغيثَ وبعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت إنَّ الله عليم خبير)).
فالغيث جِماعُ الرزق والمطرُ أصل البركات قال تعالى: ((ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)).
والغيث نوعان: غيث معنوي وغيث حسي الغيث المعنوي: هو غيث القلوب والأرواح بالإيمانِ واليقين
والغيث الحسي: هو غيثُ الأرضِ بالمطر والغيث الأول هو الأصلُ للغيثِ الثاني
فالله-عز وجل- لا ينزل رحمتَه على عباده إلا إذا امتلأت قلوبُهم بالإيمان واليقين والرحمة.
عباد الله: قال تعالى: ((وهو الذي ينزل الغيثَ من بعدِ ما قنطوا وينشرُ رحمتَه وهو الوليُّ الحميدُ)).
فالغيث رحمة الله والرحمة لا تنزل إلا إذا تراحمنا وتسامحنا وتعافونا
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((الراحمون يرحمُهم الرحمنُ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).
فالإسلام دين الرحمة والتراحم رحم الله به النَّاس أجمعين ونشر به الخيرَ في العالمين وقد قال ربنا عن رسولِه خاتَمِ النبيين: ((وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)).
دين جمع الحقوقَ وأوفاها وتمثل المكارمَ وأعلاها ليس لأتباعه فقط بل للنَّاس كافةً
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((خاب عبدٌ وخسر لم يجعلِ اللهُ في قلبه رحمةً للبشر))
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمتَه إلا على رحيم قالوا يا رسول الله: كلُّنا يرحم
قال ليس برحمةِ أحدِكم صاحبَه يرحمُ النَّاسَ كافةً)).
فالإسلام دين العفو والمسامحة ودين السلام والمرحمة ودين العدل والمكرمة
وقد قال الله في وصف أهل الإيمان والتقوى: ((والكاظمينَ الغيظَ والعافينَ عن النِّاس والله يحب المحسنين)).
وقال آمراً أهلَ الإسلام: ((وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)).
وقال مرغباً: ((وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنَّ الله غفورٌ رحيم)).
وقال: ((وأن تعفوا أقربُ للتقوى)) وقال: ((فمن عفا وأصلح فأجرُه على الله)). وقال في المخاطبة: ((وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)) وقال: ((وقولوا للنِّاس حُسناً)).
ولقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عنوانَ العفوِ والتسامح والرحمة والأخلاقِ الكاملة
قالت عائشة-رضي الله عنها- في وصفه-صلى الله عليه وسلم-: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخَّاباً في الأسواق ولا يجزئُ بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفو ويصفح)).وقالت: ((لم ينتقم لنفسه قط)).
ولما دخل منتصراً على أهل مكة قومه الذين عذبوه وآذوْه وحرصوا على قتله قال: فماذا تقولون؟ وماذا تظنون؟
قالوا: نقول: خيراً ونظن خيراً أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم وقد قدِرْت قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريبَ عليكمُ اليومَ يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
وكان يقول للناس: ((اسمحوا يُسمحْ لكم وارحموا تُرحموا واغفروا يُغفرْ لكم)).
عباد الله: على هذا الأمر درج الصحابة والتابعون والأمة فإنَّ النَّاظرَ في تاريخ المسلمين وفي حضارتِهم لَيقفُ على رحمةٍ وسماحةٍ وعدلٍ لا يكاد يُصدَّقُ حتى قال أحدُ كتَّاب الغرب حين أنصف ونطق بالحقِّ: ((فالحقُّ أنَّ الأمم لم تعرف فاتحين متسامحينَ مثلَ العرب ولا ديناً سمْحاً مثلَ دينِهم)).
إن العفوَ والتسامحَ والرحمةَ والعدلَ الذي أبداه المسلمون لغيرهم ليس مجاملةً لغيرِهم إنما هو منطلق من أُسسِ دينِهم
فالإسلام حفظ كرامة الإنسان وكفِل له حُريةَ الدين وأمر بالعدل مع العدو المبين ولهذا تميز بالحقوق عن كُلِّ المنظمات والأديان فليس هناك ديانة على ظهر الأرض كرمت الإنسان كما كرمه الإسلام.
فالله-عز وجل- كرم الإنسان قال سبحانه: ((ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا)).
وأمر الإسلام بمراعاة شعور الآخرين ونهى عن سبِّ معبدوات الكافرين ولم يُرغِمْ أحداً بالدخول في الإسلام فقال تعالى: ((لا إكراه في الدين)) وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميراً على جيشٍ أو على سَريةٍ أوصاه بقوله: ((لا تغلوا ولا تَغدِروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيتَ عدوَّك من المشركين فادعُهم إلى ثلاثِ خصالٍ فأيَّتهنَّ أجابوك فقبلْ منهم وكًفَّ عنهم)) [رواه مسلم].
ولم يمنع الإسلام غيرَ المسلمين في البقاء على دينِهم بل أباح لهم أن يقيموا شعائرَ دينِهم وحافظَ الإسلامُ على أماكنِ عباداتِهم
أوصى أبو بكر-رضي الله عنه- جيشَ أسامة بن زيد حيث بعثه فقال: ((أوصيكم بعشرٍ فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدِروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طِفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأةً ولا تَعقِروا نخلةً ولا تَحرقوا ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا لمأكلةٍ وسوف تَمرُّون بأقوامٍ قد فرَّغوا أنفسَهم بالصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسَهم له)).
بل كتب النصارى إلى أمير الجيوش الإسلامية في الشام أبي عبيدة-رضي الله عنه- يقولون له: ((يا معشرَ المسلمين أنتم أحبُّ إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكفُّ عن ظلمنا وأحسنُ ولايةً علينا)) ولكنَّهم اليومَ غلبونا الروم على أمرنا ومنازلنا.
وقد قال أحد كتابهم: ((إنَّ المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغَيرةِ لدينِهم وروح التسامح نحوَ الأديان الأخرى)).
وقال أحد مؤرخي بريطانيا عن تعاليم الإسلام العظيمة: ((إنَّها أسست في العالم تقاليدَ عظيمةً بالتعاملِ العادل وإنَّها لَتنفخُ في النَّاسِ روحَ الكرمِ والسماحة)).
هذه أشهدة من المنصفين الكافرين على سماحةِ المسلمين وحسن تعايشهم وعدلهم ورحمتِهم والتاريخُ أكبرُ شاهدٍ
وما زال العطاءُ ممدوداً والخيرُ مبذولاً ولا ينكر ذلك إلا مكابرٌ أعماه حِقدُه ووجود المسيحين دليل واضح على ذلك فقد ظلوا آمنين على دينِهم طوالَ القرونِ الثمانية التي ملك فيها المسلمون بلادَهم يعني الأندلس
وكان لبعضِهم أي من المسيحين مناصبُ رفيعةٌ في بلاط قرطبة فكان أوَّلَ همٍّ لهم أن يقضوا قضاءً تامَّاً على المسلمين
قال أحدُ وزراء بني عثمان لبعض مسؤولينهم ووزرائِهم: ((طفت إسبانيا كُلَّها فلم أعثر على قبرٍ واحدٍ يُعرَفُ أنه قبرُ مسلم)).
أي: حتى القبور جرفوها وطمسوها.
أيها الناس: هذه بعض أخلاق ديننا وتسامحنا مع غيرنا فأيُّ الفريقين أحقُّ بالأمن إن كنتم تعلمون؟
أليس ديننُا هو الدينَ القيم؟ ولكن أكثرَ النَّاس لا يعلمون
ألا إنَّكم مُصطفون من ربِّكم وعلى عاتقِكم رسالةُ دينِكم وقد تكفل الله بحفظه لكم والدنيا أحوجُ ما تكون إلى مبادئِه وعدله وإنه أجلُّ من أن تتشوه صورتُه بسببِ بضعةٍ نفرٍ لم يهتدوا بتعالميه ولم يعرفوه حقَّ معرفتِه بل انحرفوا عن صراته
فاللهَ اللهَ أن يؤتَى الإسلام من قبلكم هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقومٍ يوقنون.
" الخطبة الثانية ".
عباد الله: نزولُ الغيث وسقيا البلاد له أسباب مبينة في الكتابِ والسُنَّة
فمن أسباب نزول الغيث: كثرةُ المتقين في هذه الأمة قال تعالى: ((ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)).
بعض النَّاس يريد العافيةَ وحسنَ الحالِ والحياةَ السعيدة من غير تقوى ومن غير عملٍ لهذا الدين
قال عمر-رضي الله عنه-: ((ذنوبُكم أخطرُ عليكم من عدوِّكم)).
قال أويس القرني-رحمه الله-: ((لو أنَّ رجلاً مشى في طريقه لملاقاةِ عدوِّه فأثقله الدرعُ فخلعه وأثقله السيفُ فرماه وأثقله الطعامُ والشراب فتركهما ثم لاقى عدوَّه حاسرا أعزلاً جائعاً فأنَّى أن ينتصرَ عليه
كذلك من ثقل عليه الذكر فتركه وثقلت عليه السنن الرواتب ففرط فيها وثقلت عليه أداءُ الفرائض فأخرها عن وقتها وثقلت عليه الأوامر الشرعية في أغلبها فهانت عليه ثم يشتكي سوءَ حالِه ومعيشتَه وتسلطَ الشيطانِ على قلبه مسكين ذاك الإنسان صرع نفسَه قبل أن يُصرِعَه عدوُّه)).
ومن أسباب نزول الغيث: كثرة الإستغفار قال الله على لسان نبيه نوح-عليه السلام-: ((فقلت استغفروا ربَّكم إنَّه كان غفاراً*يرسل السماء عليكم مدراراً*ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعلْ لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً)).
قال الحسن البصري-رحمه الله-: ((أكثروا من الإستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقاتكم وأسواقكم وفي مجالسكم فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة)).
ومن أسباب نزول الغيث: الدعاء بإخلاص القلب لله تبارك وتعالى قال سبحانه: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوةَ الداعِ إذا دعان فليسجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلَّهم يرشُدون)).
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:((ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاء)) وما داوم مسلم على دعاء ربِّه إلا ورأى بشائرَ الإجابة في الأمور فداوموا على الدعاء.
لا إلهَ إلا الله غياثُ المستغيثين
لا إله إلا الله جابرُ المنكسرين
لا إله إلا الله راحمُ المستضعفين
نستغفر الله نستغفر الله نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيوم ونتوب إليه
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين إلا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين لا إله إلا الله أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين
إلهنا كُلُّ فرحٍ بغيرك زائل وكلُّ شغلٍ بسواك باطل والسرور بك هو السرور والسرور بغيرك هو الغرور
اللهمَّ يا حيُّ يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كلَّه ولا تكلنا إلى أنفسِنا طرفةَ عين ولا أقلَّ من ذلك
ربنا ظلمنا أنفسنَا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
اللهمَّ أنت الله إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهمَّ أنت الله إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهمَّ أنت الله إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا
اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين وبلادَنا بالخيرات والأمطار والغيث العميم يارب العالمين
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك
اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً طبقاً واسعاً نافعاً غيرَ ضارٍ عاجلاً غير آجل اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذاب ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ
اللهم ارحم الشيوخ الركع والبهائم الرتع والأطفال الرضع
اللهم لا تهلكنا بالسنين وأنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين
اللهم هؤلاء عبادك رفعوا أكفَّ الضراعة إليك يسألونك الغيث فاعطهم سؤلهم وحقق أملهم يا حيُّ يا قيوم.
[وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين].
"الخطبة الأولى"
عباد الله: الماءُ الفائقُ أصلُ النَّمَاء على الهواء والغذاء والدَّواء والكِساء وهو عنصرُ الحياة وسبب البقاء أنشأه الله من عناصره وأنزله من سحائبه قال تعالى: ((وجعلنا من الماءِ كُلَّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون)).
ولو اجتمع الأوائل والأواخر على إنزالِ قطرةٍ من المطر ما استطاعوا قال تعالى: ((صُنعَ الله الذي أتقن كُلَّ شيء)).
فالماءُ أساسُ الحياةِ لكُلِّ مخلوقٍ على وجهِ الأرض ولا يأتي به إلا الله وحدَه قال تعالى: ((إنَّ اللهَ عنده علمُ الساعةِ وينزل الغيثَ وبعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت إنَّ الله عليم خبير)).
فالغيث جِماعُ الرزق والمطرُ أصل البركات قال تعالى: ((ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)).
والغيث نوعان: غيث معنوي وغيث حسي الغيث المعنوي: هو غيث القلوب والأرواح بالإيمانِ واليقين
والغيث الحسي: هو غيثُ الأرضِ بالمطر والغيث الأول هو الأصلُ للغيثِ الثاني
فالله-عز وجل- لا ينزل رحمتَه على عباده إلا إذا امتلأت قلوبُهم بالإيمان واليقين والرحمة.
عباد الله: قال تعالى: ((وهو الذي ينزل الغيثَ من بعدِ ما قنطوا وينشرُ رحمتَه وهو الوليُّ الحميدُ)).
فالغيث رحمة الله والرحمة لا تنزل إلا إذا تراحمنا وتسامحنا وتعافونا
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((الراحمون يرحمُهم الرحمنُ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).
فالإسلام دين الرحمة والتراحم رحم الله به النَّاس أجمعين ونشر به الخيرَ في العالمين وقد قال ربنا عن رسولِه خاتَمِ النبيين: ((وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)).
دين جمع الحقوقَ وأوفاها وتمثل المكارمَ وأعلاها ليس لأتباعه فقط بل للنَّاس كافةً
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((خاب عبدٌ وخسر لم يجعلِ اللهُ في قلبه رحمةً للبشر))
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمتَه إلا على رحيم قالوا يا رسول الله: كلُّنا يرحم
قال ليس برحمةِ أحدِكم صاحبَه يرحمُ النَّاسَ كافةً)).
فالإسلام دين العفو والمسامحة ودين السلام والمرحمة ودين العدل والمكرمة
وقد قال الله في وصف أهل الإيمان والتقوى: ((والكاظمينَ الغيظَ والعافينَ عن النِّاس والله يحب المحسنين)).
وقال آمراً أهلَ الإسلام: ((وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)).
وقال مرغباً: ((وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنَّ الله غفورٌ رحيم)).
وقال: ((وأن تعفوا أقربُ للتقوى)) وقال: ((فمن عفا وأصلح فأجرُه على الله)). وقال في المخاطبة: ((وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)) وقال: ((وقولوا للنِّاس حُسناً)).
ولقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عنوانَ العفوِ والتسامح والرحمة والأخلاقِ الكاملة
قالت عائشة-رضي الله عنها- في وصفه-صلى الله عليه وسلم-: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخَّاباً في الأسواق ولا يجزئُ بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفو ويصفح)).وقالت: ((لم ينتقم لنفسه قط)).
ولما دخل منتصراً على أهل مكة قومه الذين عذبوه وآذوْه وحرصوا على قتله قال: فماذا تقولون؟ وماذا تظنون؟
قالوا: نقول: خيراً ونظن خيراً أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم وقد قدِرْت قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريبَ عليكمُ اليومَ يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
وكان يقول للناس: ((اسمحوا يُسمحْ لكم وارحموا تُرحموا واغفروا يُغفرْ لكم)).
عباد الله: على هذا الأمر درج الصحابة والتابعون والأمة فإنَّ النَّاظرَ في تاريخ المسلمين وفي حضارتِهم لَيقفُ على رحمةٍ وسماحةٍ وعدلٍ لا يكاد يُصدَّقُ حتى قال أحدُ كتَّاب الغرب حين أنصف ونطق بالحقِّ: ((فالحقُّ أنَّ الأمم لم تعرف فاتحين متسامحينَ مثلَ العرب ولا ديناً سمْحاً مثلَ دينِهم)).
إن العفوَ والتسامحَ والرحمةَ والعدلَ الذي أبداه المسلمون لغيرهم ليس مجاملةً لغيرِهم إنما هو منطلق من أُسسِ دينِهم
فالإسلام حفظ كرامة الإنسان وكفِل له حُريةَ الدين وأمر بالعدل مع العدو المبين ولهذا تميز بالحقوق عن كُلِّ المنظمات والأديان فليس هناك ديانة على ظهر الأرض كرمت الإنسان كما كرمه الإسلام.
فالله-عز وجل- كرم الإنسان قال سبحانه: ((ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا)).
وأمر الإسلام بمراعاة شعور الآخرين ونهى عن سبِّ معبدوات الكافرين ولم يُرغِمْ أحداً بالدخول في الإسلام فقال تعالى: ((لا إكراه في الدين)) وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميراً على جيشٍ أو على سَريةٍ أوصاه بقوله: ((لا تغلوا ولا تَغدِروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيتَ عدوَّك من المشركين فادعُهم إلى ثلاثِ خصالٍ فأيَّتهنَّ أجابوك فقبلْ منهم وكًفَّ عنهم)) [رواه مسلم].
ولم يمنع الإسلام غيرَ المسلمين في البقاء على دينِهم بل أباح لهم أن يقيموا شعائرَ دينِهم وحافظَ الإسلامُ على أماكنِ عباداتِهم
أوصى أبو بكر-رضي الله عنه- جيشَ أسامة بن زيد حيث بعثه فقال: ((أوصيكم بعشرٍ فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدِروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طِفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأةً ولا تَعقِروا نخلةً ولا تَحرقوا ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا لمأكلةٍ وسوف تَمرُّون بأقوامٍ قد فرَّغوا أنفسَهم بالصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسَهم له)).
بل كتب النصارى إلى أمير الجيوش الإسلامية في الشام أبي عبيدة-رضي الله عنه- يقولون له: ((يا معشرَ المسلمين أنتم أحبُّ إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكفُّ عن ظلمنا وأحسنُ ولايةً علينا)) ولكنَّهم اليومَ غلبونا الروم على أمرنا ومنازلنا.
وقد قال أحد كتابهم: ((إنَّ المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغَيرةِ لدينِهم وروح التسامح نحوَ الأديان الأخرى)).
وقال أحد مؤرخي بريطانيا عن تعاليم الإسلام العظيمة: ((إنَّها أسست في العالم تقاليدَ عظيمةً بالتعاملِ العادل وإنَّها لَتنفخُ في النَّاسِ روحَ الكرمِ والسماحة)).
هذه أشهدة من المنصفين الكافرين على سماحةِ المسلمين وحسن تعايشهم وعدلهم ورحمتِهم والتاريخُ أكبرُ شاهدٍ
وما زال العطاءُ ممدوداً والخيرُ مبذولاً ولا ينكر ذلك إلا مكابرٌ أعماه حِقدُه ووجود المسيحين دليل واضح على ذلك فقد ظلوا آمنين على دينِهم طوالَ القرونِ الثمانية التي ملك فيها المسلمون بلادَهم يعني الأندلس
وكان لبعضِهم أي من المسيحين مناصبُ رفيعةٌ في بلاط قرطبة فكان أوَّلَ همٍّ لهم أن يقضوا قضاءً تامَّاً على المسلمين
قال أحدُ وزراء بني عثمان لبعض مسؤولينهم ووزرائِهم: ((طفت إسبانيا كُلَّها فلم أعثر على قبرٍ واحدٍ يُعرَفُ أنه قبرُ مسلم)).
أي: حتى القبور جرفوها وطمسوها.
أيها الناس: هذه بعض أخلاق ديننا وتسامحنا مع غيرنا فأيُّ الفريقين أحقُّ بالأمن إن كنتم تعلمون؟
أليس ديننُا هو الدينَ القيم؟ ولكن أكثرَ النَّاس لا يعلمون
ألا إنَّكم مُصطفون من ربِّكم وعلى عاتقِكم رسالةُ دينِكم وقد تكفل الله بحفظه لكم والدنيا أحوجُ ما تكون إلى مبادئِه وعدله وإنه أجلُّ من أن تتشوه صورتُه بسببِ بضعةٍ نفرٍ لم يهتدوا بتعالميه ولم يعرفوه حقَّ معرفتِه بل انحرفوا عن صراته
فاللهَ اللهَ أن يؤتَى الإسلام من قبلكم هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقومٍ يوقنون.
" الخطبة الثانية ".
عباد الله: نزولُ الغيث وسقيا البلاد له أسباب مبينة في الكتابِ والسُنَّة
فمن أسباب نزول الغيث: كثرةُ المتقين في هذه الأمة قال تعالى: ((ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)).
بعض النَّاس يريد العافيةَ وحسنَ الحالِ والحياةَ السعيدة من غير تقوى ومن غير عملٍ لهذا الدين
قال عمر-رضي الله عنه-: ((ذنوبُكم أخطرُ عليكم من عدوِّكم)).
قال أويس القرني-رحمه الله-: ((لو أنَّ رجلاً مشى في طريقه لملاقاةِ عدوِّه فأثقله الدرعُ فخلعه وأثقله السيفُ فرماه وأثقله الطعامُ والشراب فتركهما ثم لاقى عدوَّه حاسرا أعزلاً جائعاً فأنَّى أن ينتصرَ عليه
كذلك من ثقل عليه الذكر فتركه وثقلت عليه السنن الرواتب ففرط فيها وثقلت عليه أداءُ الفرائض فأخرها عن وقتها وثقلت عليه الأوامر الشرعية في أغلبها فهانت عليه ثم يشتكي سوءَ حالِه ومعيشتَه وتسلطَ الشيطانِ على قلبه مسكين ذاك الإنسان صرع نفسَه قبل أن يُصرِعَه عدوُّه)).
ومن أسباب نزول الغيث: كثرة الإستغفار قال الله على لسان نبيه نوح-عليه السلام-: ((فقلت استغفروا ربَّكم إنَّه كان غفاراً*يرسل السماء عليكم مدراراً*ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعلْ لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً)).
قال الحسن البصري-رحمه الله-: ((أكثروا من الإستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقاتكم وأسواقكم وفي مجالسكم فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة)).
ومن أسباب نزول الغيث: الدعاء بإخلاص القلب لله تبارك وتعالى قال سبحانه: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوةَ الداعِ إذا دعان فليسجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلَّهم يرشُدون)).
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:((ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاء)) وما داوم مسلم على دعاء ربِّه إلا ورأى بشائرَ الإجابة في الأمور فداوموا على الدعاء.
لا إلهَ إلا الله غياثُ المستغيثين
لا إله إلا الله جابرُ المنكسرين
لا إله إلا الله راحمُ المستضعفين
نستغفر الله نستغفر الله نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيوم ونتوب إليه
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين إلا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين لا إله إلا الله أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين
إلهنا كُلُّ فرحٍ بغيرك زائل وكلُّ شغلٍ بسواك باطل والسرور بك هو السرور والسرور بغيرك هو الغرور
اللهمَّ يا حيُّ يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كلَّه ولا تكلنا إلى أنفسِنا طرفةَ عين ولا أقلَّ من ذلك
ربنا ظلمنا أنفسنَا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
اللهمَّ أنت الله إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهمَّ أنت الله إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهمَّ أنت الله إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا
اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين وبلادَنا بالخيرات والأمطار والغيث العميم يارب العالمين
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك
اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً طبقاً واسعاً نافعاً غيرَ ضارٍ عاجلاً غير آجل اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذاب ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ
اللهم ارحم الشيوخ الركع والبهائم الرتع والأطفال الرضع
اللهم لا تهلكنا بالسنين وأنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين
اللهم هؤلاء عبادك رفعوا أكفَّ الضراعة إليك يسألونك الغيث فاعطهم سؤلهم وحقق أملهم يا حيُّ يا قيوم.
[وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين].