وننزل من القرآن ما هو شفاء
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ[/font][/color][font=traditional arabic {الكهف:1}، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلاَئِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَالخَيْرُ بِيَدَيْهِ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ أَنْزَلَ القُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]هُد[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗى [/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٖ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs] مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ[/font][/color][font=traditional arabic {البقرة:185}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَتَهَجَّدُ فِي لَيْلِهِ بِالقُرْآنِ، وَيُطِيلُ القِيَامَ، وَقَرَأَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلاثًا مِنَ الطُّوَالِ؛ البَقَرَةَ وَالنِّسَاءَ وَآلَ عِمْرَانَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاغْتَنِمُوا مَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا مَضَى؛ إِذْ فِيمَا بَقِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ، وَأَحْيُوا اللَّيْلَ بِالقِيَامِ وَالقُرْآنِ وَالذِّكْرِ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ[/font][/color][font=traditional arabic {الدُخان:3-4}.
أَيُّهَا النَّاسُ: شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ بِنَصِّ القُرْآنِ، وَفِيهِ تَعُجُّ المَسَاجِدُ بِآيَاتِهِ تُتْلَى، وَفِيهِ يَعُودُ إِلَى تِلاوَتِهِ مَنْ يَهْجُرُهُ طُوَالَ العَامِ، وَفِيهِ يَمْكُثُ النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ يَتَرَنَّمُونَ بِهِ، وَفِيهِ يَحْرِصُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى الإِكْثَارِ مِنْ خَتَمَاتِهِ، وَيَتَنَافَسُ الكِبَارُ وَالصِّغَارُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ.
هَذَا؛ وَلِلْقُرْآنِ أَوْصَافٌ مَبْثُوثَةٌ فِيهِ، تَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ وَعَظَمَتِهِ وَنَفْعِهِ لِلنَّاسِ لَوْ أَخَذُوا بِمَا فِيهِ، وَمِنْ أَوْصَافِهِ أَنَّهُ شِفَاءٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الوَصْفُ فِي مَوَاضِعَ ثَلاثَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى:
فَالمَوْضِعُ الأَوَّلُ: قَوْلُهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُد[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗى [/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ[/font][/color][font=traditional arabic {يونس:57}.
وَالمَوْضِعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَار[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا[/font][/color][font=traditional arabic {الإسراء:82}، وَفِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ قَتَادَةُ وَالحَسَنُ -عَلَيْهِمَا رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى-:«مَا جَالَسَ الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ».
وَالمَوْضِعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-:/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ[/font][/color][font=traditional arabic {فصِّلت:44}.
وَلَمْ يُحْصَرْ فِي الآيَاتِ الثَّلاثِ الشِّفَاءُ فِي مَجَالٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ جَاءَ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الإِثْبَاتِ لِيَعُمَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الشِّفَاءِ، وَفِي كُلِّ المَجَالاتِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي إِحْدَى الآيَاتِ ذُكِرَ أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَالمَقْصُودُ بِهِ أَنَّهُ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ، وَأَعْصَى الأَمْرَاضِ وَأَشَدُّهَا فَتْكًا هِيَ أَمْرَاضُ القُلُوبِ؛ ذَلِكَ أَنَّ القُلُوبَ هِيَ مُسْتَوْدَعُ العُلُومِ وَالأَفْكَارِ وَالأَخْلاقِ، وَهِيَ نَوْعَانِ:
قُلُوبٌ عَامِرَةٌ بِالإِيمَانِ، مَلِيئَةٌ بِأَنْوَارِ العِلْمِ وَالهُدَى، وَهِيَ القُلُوبُ الحَيَّةُ.
وَقُلُوبٌ خَالِيَةٌ مِنَ الإِيمَانِ، خَاوِيَةٌ مِنْ مَعَارِفِ الوَحْيِّ، فَهِيَ قُلُوبٌ مَيِّتَةٌ، وَمَوْتُهَا لَهُ سَبَبَانِ: الجَهْلُ وَالاسْتِكْبَارُ، فَأَمَّا الجَهْلُ فَإِنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ القُلُوبِ وَبَيْنَ الإِيمَانِ وَالنُّورِ، فَإِذَا أُزِيلَ جَهْلُهَا رَبَتْ بِالإِيمَانِ، وَاسْتَنَارَتْ بِالقُرْآنِ، وَهَذَا حَالُ أَغْلَبِ الكُفَّارِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {الأنبياء:24}.
وَأَمَّا القُلُوبُ المُسْتَكْبِرَةُ، فَهِيَ تَعْلَمُ الحَقَّ وَلاَ تُرِيدُهُ؛ [وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ
صُدُودٗا] {النساء:61}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {المنافقون:5}.
وَفِي المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الاسْتِكْبَارِ قَالَ اللهُ تَعَالَى:/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]إِنَّهُمۡ كَانُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ يَسۡتَكۡبِرُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {الصَّفات:35}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {المؤمنون:71}.
وَلِأَجْلِ أَنَّ الجَهْلَ هُوَ أَعْظَمُ مَرَضٍ يَحُولُ بَيْنَ القُلُوبِ وَبَيْنَ الإِيمَانِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهِ أَكْثَرُ النَّاسِ؛ إِذْ الاِسْتِكْبَارُ فِيهِمْ أَقَلُّ مِنَ الجَهْلِ؛ فَإِنَّ كَلِمَةَ المُفَسِّرِينَ تَوَارَدَتْ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَاتِ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ شِفَاءٌ مِنَ الجَهْلِ.
فَهُوَ شِفَاءٌ مِنَ الجَهْلِ بِاللهِ تَعَالَى وَبِآيَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَشِفَاءٌ مِنَ الجَهْلِ بِالنُّبُوَّاتِ، وَشِفَاءٌ مِنَ الجَهْلِ بِالمَبْدَأِ وَالمَعَادِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الحَقَائِقَ الكُبْرَى وَإِنْ دَلَّتْ عَلَيْهَا العُقُولُ وَالفِطَرُ، فَلا سَبِيلَ لِتَرْسِيخِهَا لِتَصِيرَ يَقِينًا لاَ تُزَعْزِعُهُ الشُّكُوكُ إِلاَّ بِالوَحْيِّ، وَأَيْضًا لاَ طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِتَفَاصِيلِهَا إِلاَّ بِالْوَحْيِّ؛ فَالقُرْآنُ مُزِيلٌ لِلْجَهْلِ بِالحَقَائِقِ الكُبْرَى، فَكَانَ أَعْظَمَ شِفَاءٍ لِلْقُلُوبِ مِنَ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ وَالجُحُودِ وَالإِنْكَارِ.
نَقَلَ السَّمْعَانِيُّ عَنْ أَهْلِ العِلْمِ قَوْلَهُمْ:«لَا دَاءَ أَعْظَمُ مِنَ الْجَهْلِ، وَلَا دَوَاءَ أَعَزُّ مِنْ دَوَاء الْجَهْلِ، وَلَا طَبِيبَ أَقَلُّ مِنْ طَبِيبِ الْجَهْلِ، وَلَا شِفَاءَ أَبْعَدُ مِنْ شِفَاءِ الْجَهْلِ». اهـ.
وَكَمْ شَفَى اللهُ تَعَالَى بِالقُرْآنِ مِنْ جَاهِلٍ فَعَلَّمَهُ! وَمِنْ شَاكٍّ فَأَزَالَ شَكَّهُ، وَأَبْدَلَهُ بِهِ يَقِينًا! وَمِنْ مُسْرِفٍ عَلَى نَفْسِهِ بِالعِصْيَانِ حَرَّكَتْهُ آيَاتُ التَّرْهِيبِ وَالنَّارِ، فَقَادَتْهُ لِلتَّوْبَةِ! وَمِنْ مُتَشَائِمٍ يَائِسٍ قَنُوطٍ فَتَحَ لَهُ القُرْآنُ أَبْوَابَ الفَأْلِ وَالأَمَلِ! وَمِنْ مُتَكَلِّفٍ فِي طَلَبِ البَرَاهِينِ عَلَى حَقَائِقِ الوُجُودِ وَجَدَ فِي القُرْآنِ بُغْيَتَهُ بِأَجْمَلِ عَرْضٍ، وَأَقْوَى حُجَّةٍ، وَأَبْلَغِ بَيَانٍ!
وَكَمْ شَفَى اللهُ تَعَالَى بِالقُرْآنِ قُلُوبًا خَوَّارَةً جَبَانَةً، قَرَأَتْ سِيَرَ الأَنْبِيَاءِ وَشَجَاعَتَهُمْ، وَفَضَائِلَ الجِهَادِ وَالتَّضْحِيَةِ؛ فَشُفِيَتْ مِنْ خَوْفِهَا، وَغَدَتْ أُعْجُوبَةً فِي الفِدَاءِ وَالإِقْدَامِ!
وَكَمْ مِنْ نُفُوسٍ قَابِضَةٍ شَحِيحَةٍ مُمْسِكَةٍ شُفِيَتْ بِالقُرْآنِ لَمَّا قَرَأَتْ مَا فِي الجُودِ وَالإِنْفَاقِ مِنْ عَظِيمِ الجَزَاءِ، فَشَفَاهَا القُرْآنُ مِنْ شُحِّ نَفْسِهَا، وَبَسَطَ أَيْدِيَهَا بِالنَّدَى بَعْدَ قَبْضِهَا!
وَكَمْ مِنْ مُتَخَوِّضٍ فِي الحَرَامِ، مُوغِلٍ فِي الرِّبَا؛ قَرَأَ فِي القُرْآنِ أَنَّ الرِّبَا حَرْبٌ للهِ وَرَسُولِهِ فَتَابَ مِنْهُ!
وَكَمْ مِنْ مُتَيَّمٍ بِمَنْ لاَ تَحِلُّ لَهُ، يُواصِلُهَا فِي الخَفَاءِ؛ قَرَأَ فِي القُرْآنِ عِفَّةَ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- فَتَحَرَّكَتِ العِفَّةُ فِي قَلْبِهِ، وَشُفِيَ مِنْ عِلَّتِهِ، وَاكْتَفَى بِمَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَهُ!
وَكَمْ مِنْ عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ حَرَّكَتْهُ آيَاتُ حُقُوقِ الوَالِدَيْنِ؛ فَشُفِيَ مِنْ عُقُوقِهِ! وَكَمْ قَاطِعِ رَحِمٍ قَرَأَ فِي القُرْآنِ الوَعِيدَ عَلَى القَطِيعَةِ، فَعَادَ عَلَى رَحِمِهِ بِالصِّلَةِ!
وَكَمْ مِنْ ظَالِمٍ لِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، بَعِيدٍ عَنْهُمْ؛ قَرَّبَهُ القُرْآنُ مِنْهُمْ، وَحَبَّبَهُ فِيهِمْ!
وَكَمْ مِنْ غَضُوبٍ رَكِبَهُ الشَّيْطَانُ ذَهَبَ بِالقُرْآنِ غَضَبُهُ، وَازْدَانَ بِالحِلْمِ وَالهُدُوءِ؛ لِأَنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ يَفِرُّ مِنَ القُرْآنِ!
وَكَمْ مِنْ حَامِلِ هَمٍّ، مُعَالِجِ كَرْبٍ وَغَمٍّ، لاَ يَغْمَضُ لَهُ جَفْنٌ، قَدْ مَلَّ الدُّنْيَا وَالعَيْشَ فِيهَا؛ سُرِّيَ عَنْهُ بِالقُرْآنِ فَكُشِفَ بِهِ هَمُّهُ وَغَمُّهُ!
وَأَمْرَاضٌ شَتَّى مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، شُفِيَ أَصْحَابُهَا بِالقُرْآنِ، فَلْنَسْتَشْفِ لِأَمْرَاضِ قُلُوبِنَا بِالقُرْآنِ.
وَمِنْ أَنْوَاعِ هَجْرِ القُرْآنِ: هَجْرُ الِاسْتِشْفَاءِ بِهِ فِي جَمِيعِ أَمْرَاضِ القَلْبِ وَأَدْوَائِهِ، فَيَطْلُبُ شِفَاءَ دَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ دَاخِلاً فِي هَذِهِ الآيَةِ: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُور[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا[/font][/color][font=traditional arabic {الفرقان:30}.
وَالرُّقْيَةُ بِالقُرْآنِ فِيهَا أَعْظَمُ الشِّفَاءِ مِنَ العَيْنِ وَالسِّحْرِ وَمَسِّ الجَانِّ، وَمِنْ سَائِرِ عِلَلِ الأَبْدَانِ؛ لِأَنَّ الإِخْبَارَ بِأَنَّ القُرْآنَ شِفَاءٌ جَاءَ بِصِيغَةِ العُمُومِ؛ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ العِلَلِ الحِسِّيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ، وَالأَسْقَامِ القَلْبِيَّةِ وَالبَدَنِيَّةِ، وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَلَى مَلْدُوغٍ سُورَةَ الفَاتِحَةَ، فَقَامَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ! وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:«كَانَ يُقَالُ:إِنَّ الْمَرِيضَ إِذَا قُرِئَ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ وَجَدَ لَهُ خِفَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى خَيْثَمَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَرَاكَ اليَوْمَ صَالِحًا، قَالَ: إِنَّهُ قُرِئَ عِنْدِي الْقُرْآنُ»؛ رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَشْفِيَ قُلُوبَنَا بِالقُرْآنِ، وَأَنْ يَزِيدَنَا بِهِ إِيمَانًا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ المُسْتَبْشِرِينَ بِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا بِالطَّاعَاتِ مَا بَقِيَ مِنْ شَهْرِكُمُ الكَرِيمِ، وَأَحْيُوا بِالقِيَامِ ثُلُثَهُ الأَخِيرَ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ أَجْزَائِهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ فِيهَا الْتِمَاسًا لِلَيْلَةِ القَدْرِ الَّتِي أَمَرَ بِالْتِمَاسِهَا فِي العَشْرِ الأَخِيرَةِ، وَأَرْشَدَ مَنْ عَجَزَ عَنْ العَشْرِ كُلِّهَا أَنْ يُحَافِظَ عَلَى السَّبْعِ البَوَاقِي، وَأَرْجَاهَا الأَوْتَارُ مِنْهَا، وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا، وَكَانَ إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، كَمَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لاَ شِفَاءَ لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ أَثَرًا مِنْ شِفَاءِ القُرْآنِ، وَلاَ مَوَاعِظَ أَبْلَغُ مِنْ مَوَاعِظِهِ، وَلاَ تَذْكِيرَ أَقْوَى مِنْ تَذْكِيرِهِ، وَمَنِ اكْتَفَى بِغَيْرِ القُرْآنِ ضَلَّ، وَمَنْ لَمْ يُوعَظْ بِالقُرْآنِ فَلاَ وَاعِظَ لَهُ، قَالَ أَبُو نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-:«أَتَيْنَا الفُضَيْلَ بْنَ عَيَاضٍ -رَحِمَه اللهُ تَعَالَى- بِمَكَّةَ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: ضَيَّعْتُمْ كِتَابَ اللهِ، وَطَلَبْتُمْ كَلامَ فُضَيْلٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ؟! وَلَوْ تَفَرَّغْتُمْ لِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى لَوَجَدْتُمْ فِيهِ شِفَاءً لِمَا تُرِيدُونَ».
وَالمُؤْمِنُ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ زَادَ إِيمَانُهُ بِتِلاَوَتِهِ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰن[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا[/font][/color][font=traditional arabic {الأنفال:2}، وَإِذَا حَفِظَ مِنْهَا شَيْئًا فَأَتْقَنَهُ اسْتَبْشَرَ وَفَرِحَ، وَتَأَثَّرَ بِمَا فِيهِ مِنَ المَوْعِظَةِ، وَعَمِلَ بِمَا أَفَادَهُ مِنَ العِلْمِ، كَحَالِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حِينَمَا كَانَ القُرْآنُ يَتَنَزَّلُ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰن[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]اۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰن[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {التوبة:124}، وَذَكَرَ جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُمْ تَعَلَّمُوا القُرْآنَ، فَازْدَادُوا بِهِ إِيمَانًا.
وَأَمَّا المُنَافِقُونَ فَعَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَتۡهُمۡ رِجۡسًا إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {التوبة:125}، فَهَذَا هُوَ إِخْبَارُ اللهِ تَعَالَى عَنْهُمْ: أَنَّ آيَاتِ القُرْآنِ تَزِيدُهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَار[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا[/font][/color][font=traditional arabic {الإسراء:82}، وَفِي ثَالِثَةٍ: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ[/font][/color][font=traditional arabic {فصِّلت:44}، وَكُلُّ هَذِهِ الأَوْصَافِ تَتَنَاوَلُ المُنَافِقِينَ، فَسَمَاعُهُمْ لِلْقُرْآنِ أَوْ مَوْعِظَتُهُمْ بِهِ لاَ تَزِيدُهُمْ إِلاَّ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، وَخَسَارَةً إِلَى خَسَارَتِهِمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى؛ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ شِفَاءَ الْقُرْآنِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْأَرْوَاحَ الطَّيِّبَةَ وَالْقُلُوبَ الْحَيَّةَ.
ثُمَّ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى وَاقِعِنَا، وَحَالِ المُنَافِقِينَ فِي عَصْرِنَا، ازْدَدْنَا إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِنا بِوَصْفِ القُرْآنِ لَهُمْ، وَتَشْخِيصِهِ لِأَمْرَاضِ قُلُوبِهِمْ، وَازْدِيَادِهَا رِجْسًا بِسَمَاعِهِمْ لِلْقُرْآنِ أَوْ وَعْظِهِمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا أَمْرَاضَهُمْ تَزْدَادُ مَعَ القُرْآنِ، وَلاَ سِيَّمَا فِي شَهْرِ القُرْآنِ؛ لِأَنَّ المُؤْمِنِينَ يُكْثِرُونَ مِنْ تِلاوَةِ القُرْآنِ، وَيَقُومُونَ بِهِ.
إِنَّ مِنْ زِيَادَةِ رِجْسِ المُنَافِقِينَ فِي شَهْرِ القُرْآنِ أَنَّهُمْ يُعَارِضُونَ اللهَ تَعَالَى فِي أَحْكَامِهِ، وَيُحَادُّونَ كِتَابَهُ، وَيَسْخَرُونَ مِنْ آيَاتِهِ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِعِبَادِهِ؛ فَأَبَاحُوا الاخْتِلاَطَ وَالزِّنَا وَالرِّبَا، وَسَخِرُوا مِنَ الحِجَابِ وَالعَفَافِ فِي مُسَلْسَلَاتٍ خَصُّوا بِهَا شَهْرَ القُرْآنِ؛ لِأَنَّ القُرْآنَ يَزِيدُهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، وَلَيْسَ الخَوْفُ عَلَى أَحْكَامِ اللهِ تَعَالَى أَنْ تُبَدَّلَ، وَلاَ عَلَى القُرْآنِ أَنْ يُغَيَّرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ، وَإِنَّمَا الخَوْفُ عَلَى قَوْمٍ يَصُومُونَ النَّهَارَ، وَيُكَابِدُونَ الحَرَّ وَالعَطَشَ وَالنَّصَبَ، حَتَّى إِذَا جَنَّ اللَّيْلُ أَفْطَرُوا عَلَى مُسَلْسَلاتِ المُنَافِقِينَ، وَهِيَ تَسْخَرُ بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَتَرُدُّ أَحْكَامَهُ، وَتُحِلُّ مَا حَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَالمُشَاهِدُ لَهَا يَضْحَكُ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ تَقَمُّصِ أَحْوَالِ البُلْهِ وَالمَجَانِينَ، وَاسْتِظْرَافِ حَرَكَاتِ السِّفْلَةِ المُنْحَطِّينَ، لَكِنَّهُمْ يَغْفُلُونَ عَنْ أَنَّ الرَّاضِيَ كَالفَاعِلِ، وَأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الإِثْمِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى نَهَى نَهْيًا شَدِيدًا عَنِ القُعُودِ فِي مِثْلِ هَذِهِ المَجَالِسِ، وَإِلاَّ صَارَ القَاعِدُ كَالسَّاخِرِ بِدِينِ اللهِ تَعَالَى؛ [وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ
إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا] {النساء:140}.
فَقُلُوبٌ لاَ تَغْضَبُ للهِ تَعَالَى، وَلاَ تُنْكِرُ أَفْعَالَ المُنَافِقِينَ فِي شَهْرِ القُرْآنِ فَهِيَ قُلُوبٌ مَرِيضَةٌ، فَلْيُفَتِّشْ أَصْحَابُهَا عَمَّا بِهَا مِنْ أَدْوَاءِ النِّفَاقِ لِعِلاجِهَا قَبْلَ أَنْ يُطْمَسَ عَلَيْهَا فَتَرْتَدَّ عَلَى أَدْبَارِهَا، حَمَانَا اللهُ تَعَالَى مِنَ النِّفاقِ وَالمُنَافِقِينَ، وَرَدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ، اللَّهُمَّ آمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.
المشاهدات 5327 | التعليقات 8
جزاك الله خير ونفع الله بك وبجهودك ..
مميز كعادتك لا حرمك الله أجر ما كتبت ..
بارك الله فيكم
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا يا شيخ
نفع الله بكم شيخي
خطبكم دائما متميزة
جزاك الله خير الجزاء
ونفع الله بك الإسلام والمسلمين إنه جواد كريم
الإخوة الكرام: شكر الله تعالى لكم مروركم وتعليقكم واستجاب دعاءكم وغفر لي ولكم وتقبل مني ومنكم ومن المسلمين آمين
جزاكم الله خيرا ، وهذا رابط للخطبة من ركن الخطب https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/174909
الشمراني الشمراني
تعديل التعليق