ونزل المطر

إبراهيم بن سلطان العريفان
1436/02/06 - 2014/11/28 07:52AM
الحمد لله على فضله وإنعامه ، الحمد لله على منه وإكرامه ، الحمد لله الذي جعل الشمس ضياء ، والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ، الحمد لله الملك الحق المبين أبان لعباده من آياته ما به عبرة للمعتبرين وهداية للمهتدين وحجة على المعاندين الملحدين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، بيده ملكوت السموات والأرضين ، وله الحكم في الدنيا والآخرة وإليه يرجع الأولين والآخرين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين ، وخاتم النبيين بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين ، وقدوة للعاملين ، وحجة على الُمرسلِ إليهم أجمعين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...
إخوة الإيمان والعقيدة ... أوصيكم ونفسي بوصية الله لكم، ولمن كان قبلكم تقوى الله جل جلاله، فهي وصيته لخلقه الأولين والآخرين، ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإياكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ ) فاتقوا الله - عباد الله - اجعلوا بينكم وبين عذاب ربكم وقاية، بفعل أوامره، والبعد عن ما نهى عنه ( يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) اسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من عباده المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أيها الأخوة ... نزل المطر وهي من النعم التي ينعم بها الرب جل جلاله، على عباده، في مثل هذه الأيام، فإنزال المطر نعمة من أعظم وأجل نعم الله عز وجل، كيف لا، وقد أشاد الله بها في كتابه، وذكرها في سياق الامتنان على عباده ( يَـأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ففي هذه الآيات، يأمر جل جلاله خلقه من الأنس والجن، بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ويذكرهم بأنه هو الذي خلقهم، وهو الذي أوجدهم، وهو الذي جعل لهم الأرض مهدا كالفراش، وجعل لهم السماء بناء، ثم ذكر هذه نعمة، نعمة إنزال المطر .. فيا لها من نعمة عظيمة، ومنة كريمة.
ومما يدل على عظم قدر هذه النعمة، أن الله عز وجل سماها بالغيث، وجعلها مظهرا من مظاهر رحمته، فقال سبحانه ( وَهُوَ الَّذِى يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ ) وقال سبحانه ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَـوتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَـهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ) كانت السماوات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق للأرض أهلا فتق السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات.
ومما يدل على عظم نعمة المطر، الأوصاف التي ذكر الله في كتابه، فأحيانا يصف الله المطر بالبركة، وأحيانا يصفه بالطهر، وأحيانا بأنه سبب للحياة، فيقول سبحانه ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَـرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّـتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) ويقول ( وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَـحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً ) ويقول ( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَآء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) وغير ذلك من الآيات. فالبركة والطهر وأحياء الأرض في هذا المطر يا عباد الله.
إننا - والله - بحاجة لشكر الله عز وجل في كل وقت وفي كل حين، وعلى كل نعمة ينعم بها الله جل جلاله، وخاصة في هذه الأيام، فقد سقى البلاد والعباد، وأنزل هذا الماء الذي جعله سبب حياتنا، فمنه نشرب، ومنه نسقي حرثنا وأشجارنا، ومنه وبسببه ينمو الزرع ويدر الضرع بإذن الله تعالى.
إننا إذا لم نشكر الله على نعمة المطر، فإننا لن ننتفع منه، أسمعوها صريحة: إننا إذا لم نشكر الله على نعمة المطر، فإننا لن ننتفع منه، بل سوف يجعله الله أجاجا غير صالح للاستعمال ( أَفَرَءيْتُمُ الْمَاء الَّذِى تَشْرَبُونَ أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ ) معنى أجاجا أي مالحا لا ينتفع به.
إن الله عز وجل قادر أن يجعله أجاجا، قادر أن يجعله مالحا، لا ينبت زرعا، ولا يسقي إنسانا، ولا ينتفع به حيوان ولا غيره. يستطيع الله، أن يجعل هذا الماء بعيدا، لا أحد يستطيع الوصول إليه ( قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ ) فلنشكر الله - يا عباد الله - نشكره على هذه النعمة التي خصنا بها وأنزلها رحمة بنا.
وليكن شكرنا شكرا حقيقيا، نشكره بألسنتنا، ونشكره بأعمالنا، نعمل شكرا له سبحانه، أليس هو القائل ( اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ ) ولنحذر من كفران النعم، فإن النعم إذا شكرت زادت ودامت ونفع الله بها، وأما إذا كفرت فإنها تزول وتنتهي (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) نسأل الله السلامة.
فالله الله يا عباد الله ... اجعلوا ألسنتكم تلهج بشكر الله، وجوارحكم تعمل بطاعة الله شكرا لله.
اسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره، وحسن عبادته إنه سميع مجيب. اللهم أيقضنا من رقدة الغافلين، وأغثنا بالإيمان واليقين واجعلنا من عبادك الصالحين وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله كما أمر، والشكر له وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، السادة الغرر، وسلم تسليما كثيرا ما رأت عين وامتد نظر.
معاشر المؤمنين ... يقول ربكم تعالى ( وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَـحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَـهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً )
لقد أمطر الله هذه الأرض دون أرض أخرى، وأمر السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقا، والتي وراءها لم يُنزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة، والحكمة القاطعة. قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم : ليس عام بأكثر مطرا من عام، ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَـهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ) أي ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة، أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات، أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه، فيقلع عما هو فيه، فالذنوب والمعاصي هي سبب كل شر، وهي طريق كل بلاء. فاالله الله - عباد الله _ لنحذر الذنوب والمعاصي. وعليكم بكثرة الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ).
اسأل الله لي ولكم علما نافعا، وعملا خالصا وسلامة دائمة
المرفقات

597.doc

598.doc

المشاهدات 2108 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا