ونزل الراتب

إبراهيم بن سلطان العريفان
1438/11/06 - 2017/07/29 01:51AM

الحمد لله واهب النعم والعطايا، نحمده تعالى على نعمة الإيمان والعافية والمال، وما أعاننا عليه من العمل الصالح وكسب الحلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، جميل الخصال، شريف الخلال، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى أحبابه من صحب وآل، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال الله عز وجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )

إخوة الإيمان والعقيدة ... إن مما ابتلي به الناس وعم به البلاء وطمّ، نعمة عظيمة ينعم بها الله على عباده، لكنها على كثير منهم نقمة، وكم من عبد أصابته هذه النعمة ففتنته عن دينه، وأبعدته عن إيمانه، وسارت به في مهاوى الزيغ والضلال، إنها نعمة المال، والمال نعمة ونقمة، فهو نعمة على العبد إذا قام بحقه وأداه فيما أحل الله له، وأنفقه في سبيل الله؛ وهو نقمة وفتنة لمن زاغ به عن الهدى، وبخل به، ومنع حقه.

المال إما أن يستخدم في خير أو في شر، (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فيجب الحذر من هذه الفتنة والحذر من إضلالها، وهي من الفتن العظيمة التي يبتلى بها المؤمن، والقليل من الناس من عباد الله من يصبر عليها ويقوم بحقها، يأخذها من حلها فيضعها في حلها. قال صلى الله عليه وسلم ( إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال ) لقد عذب الله بالمال أمما، وخسف الله به أمما، وأتاهم من العذاب ما فيه عبرة وعظة لأولى الألباب والعقول، فاحذروا فتنة المال أيها المسلمون.

قال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر"، كم من عبد -يا عباد الله- ابتلي بالفقر والحاجة وقلة ذات اليد فصبر، فلما ابتلي بالسراء وبزيادة المال لم يصبر، نسأل الله أن يعافينا وإياكم من الفتنة.

قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ) فإن العبد يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، أَكْتَسبَه من طريق حلال؟ من طريق مباح؟ من طريق أحله الله !! هل أنفقه في طريق مباح؟ وفي فضل وخير وفي عمل صلاح؟ في صدقة وزكاة، في بر وإحسان !!

أيها الأحباب: ... فاكتسبوا من الحلال، وأنفقوا في الحلال، واعلموا أنه لا يبقى في أيديكم إلا ما قدمتم بين أيديكم، ولا يبقى لكم إلا ما ادخرتموه من النفقة في سبيل الله، ومن بذل هذه النعمة في وجوه الخير والصلاح.

قال صلى الله عليه وسلم ( كنت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الْجَدِّ -يعني أصحاب الحظ من المال- محبوسون ) محبوسون لأنهم يملكون من الأموال الكثير، فهم يُحاسبون عليها، ويُسألون عنها.

لقد جبلت النفوس على حب المال ( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) الناس يحبون المال ويسعون في تحصيله، والقليل القليل من يزهد فيه؛ ولكن حب المال جبلة وطبيعة، ولا يسلم منه أحد، ولكن شتان بين من يحبه فينفقه في الخير ويبذله في المعروف، ومن يحبه وينفقه في الباطل ويبذله في الحرام، نسأل الله العافية والسلامة.

قال صلى الله عليه وسلم ( لو كان لابن آدم واديين من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ) فأغلب الناس في طمع، فهو يبحث عن المزيد من المال، ويستبق إليه، نسأل الله أن يعافينا وإياكم، وأن يرزقنا الكفاف، وأن يلحقنا بالصالحين.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ( يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حب المال وطول العمر"، يحب أن يكثرَ مالَه وأن يطولَ عمرَه، وقد قضى الله وقدر ما كتب له من رزق ومن كتب له من عمر.

أيها المسلمون ... فقد حذر صلى الله عليه وسلم من فتنة المال، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه ( فأبْشِروا وأمِّلوا مايَسُرُّكم، فواللهِ ما الفقرَ أخشَى عليكم، ولكني أخشى أن تُبْسَطَ عليكُمُ الدُّنيا، كمابُسطت على من كان من قبلَكُم،

فتَنافَسوها كما تَنافَسوها، وتُهْلِكَكُمْ كما أهلكتْهُم ) نسأل الله السلامة.

أيها المؤمنون ... اعلموا أن ما فتح عليكم من زيادة رزق فيه، وما بسط عليكم من الدنيا، ليس لصلاحكم ولا لدينكم إلا من رحم الله، إنها فتنة المال فاحذروها، الدنيا فتنة، والمال فتنة عظيمة فيها، ابذلوه في سبيل الله، وقدموه في المعروف، وتنافسوا في الخير كما تنافس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

إن من يرى انكباب الناس وتنافسهم في الدنيا وتسابقهم في تحصيلها يتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( ليَأتينَّ على الناسِ زمانٌ ، لا يُبالي المرءُ بما أخذَ المالَ ، أمن حلالٍ أم من حرامٍ )

لقد ذم الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عبد المال الذي إذا أعطي رضي وإذا لم يُعطَ سخط: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم (تعسِ عبدُ الدينارِ وعبدُ الدرهمِ وعبدُ الخَميصَةِ ، إن أُعطيَ رضيَ ، وإنْ لم يُعطَ سخِطَ ، تعِسَ وانتكسَ ، وإذا شِيكَ فلا انْتَقشَ ) وما أكثر عبيد الدينار والريال والدولار والأموال في هذا الزمان! ما أكثرهم، لا كثرهم الله!.

 المال عرض زائل ومتاع مفارق، ونبني القصور الشامخة في الهواء، وفي علمنا أن نموت وتخرب: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ).

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... نزلت الرواتب ولله الحمد بعد أن تأخرت قرابة الأربعين يومًا، ومعظم الناس أصابهم جزء من النقص في حياتهم.

فكم من كربة نُفست بعد نزول الراتب ! وكم من ضائقة فرجت ! وكم من ظلمة بددت ! وكم من أسرة قد أسعدت ! وكم من ديون سددت ! وكم من ابتسامة على الوجوه قد ارتسمت ! وكم من دمعة على الخدود قد كفكفت !

عباد الله ... فكيف إذا زالت النعمة بعدم تقديرنا لهذه النعمة، ولعدم شكرنا للكريم المعطي، أو بسبب تصرفات سفهائنا الذين لم يقدِّروا ولم يعظِّموا هذه النعمة!! اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

في عام ١٣٣٨ قبل ١٠٠ عام من الآن أصاب الناس فقر وجوع شديد في بلادنا وسمي ذلك العام بعام الجوع. وها نحن الآن في عام ١٤٣٨ يعني بعد مرور ١٠٠ عام فقط وهي في عمر السنين لا شيء، نعيش في عام نكاد نسميه عام النعايم لتوفر كل شيء من الخيرات والأرزاق، فمن حوَّلها من جوع إلى شبع !! أليس هو القادر على أن يعيدها كما كانت !

عباد الله ... اشكروا الكريم على عطاياه واحفظوا النعمة فإنها زوَّاله، وتذكروا قول الله تعالى ( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) فلنختار : إما الزيادة والخير بشكر الله أو العذاب الشديد بكُفرِ النعمة.

ولنأخذ العبرة والعظة ممن حولنا، أين كانوا !! وكيف أصبحوا !!

العراق العظيم - الشام جنة الدنيا - اليمن السعيد ... هل بقيت على مسمياتها العظيمة؟

أوصيكم ونفسي بالاستغفار والصدقة، فها هي رواتبكم قد نزلت، وأصبحت بأيديكم، وأفرج الله عليكم .. فأروا الله من أنفسكم خيرًا.

واحمدوا الله واشكروا له على ما منَّ به عليكم من أمن وأمان، ورغد في العيش والأوطان، وصحة في الأبدان.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ...

وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد

المرفقات

الراتب

الراتب

المشاهدات 870 | التعليقات 1

جزاك الله خير وياليت تنزل خطبك قبل الجمعة مثل الشيخ إبراهيم الحقيل فأنا من المعجبين بخطبك وبارك الله فيك