«وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ»-قَضِيَّةُ فِلَسْطِينَ

محمد البدر
1445/03/27 - 2023/10/12 04:06AM

الْخُطْبَةِ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِﷺ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ:«مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُم، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ«وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.الصبر خُلقٌ عظيم، يحتاجه كل مسلم في أمور دينه ودنياه ،ويبني عليه الأعمال ويعلق عليه الآمال ،توطيناً للنفس على احتمال الشدائد دون ضجر، واستعذاب المصائب دون خورٍ ،ومواجهة المسئوليات والتحديات مهما ثقلت، وانتظار الثمار والنتائج مهما بعدت ،ولا شك أن المسلم قد يصاب في دينه وعرضه وماله فلا ينبغي أن يستسلم لليأس ،ولا أن يفقد الأمل ،قَالَ تَعَالَى:﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾.بدون الصبر لا تتحقق الآمال، ولا تنجح الأعمال ،ولا تتم المقاصد ، فقد يفقد الإنسان عزيز لديه من ولد أو والد أو والدة أو قريب ،أو حبيب فتُظِلم الدنيا في عينيه،وإذا لم يتدرع بالصبر أهلكه الجزع قَالَﷺ«إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.والمصابون الذين يتقلبون من شدة المرض والألم ،إذا لم يصبروا على الألم ومرارة الدواء والثقة بشفاء الله وأن ما أصابهم يؤجرون عليه لم يبلغوا الشفاء ، وهكذا المزارع لو لم يصبر لما حصد ، والطالب إذا لم يصبر نفسه على صعوبة التحصيل والمذاكرة لم ينجح ، وهكذا كل عصامي لا يصل إلى ما يريد إلا بالصبر والمصابرة والمثابرة ، والمؤمن صبور شكور ، في الشدة والرخاء ، وفي البأساء والضراء،قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.ومنها أنه سبب لدخول الجنة قَالَ تَعَالَى:﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾فهنيئاً لأهل الصبر بصبرهم 0

عِبَادَ اللَّهِ:الأنبياء والمرسلين صبروا على ما أصابهم منهم أيوب عليه السلام ابتلاه الله بضرٌ في البدن ، وفقدان للأهل،ومع ذلك صبر واحتسب،قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ويعقوب عليه السلام أُمتحن بفراق أحب أبنائه إليه ، وابتلي  بالعمى من الحزن والبكاء ، ومع ذلك صبر قَالَ تَعَالَى:﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.كذلك أوذي نبينا محمدﷺفي دينه وجسده ، أدميت عقباه ، وكسرت رباعيته، ووضع سلا الجزور على ظهره ، وهو ساجد في ظل الكعبة ،وأُخرج من بلده وهي أحب البقاع إليه ، فكان صابراً محتسباً ، وأوذي أصحابه من بعده ،وأوذي الأئمة والعلماء ،والقادة والعظماء ،فصبروا على ذلك.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..


 

الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾.وإذا كنا نعيش في هذه الآونة في وقت اشتداد المحن على أمة الإسلام، وتفاقم الفتن، وإقبال المصائب والشدائد كأمواج البحر المتلاطمة وكقطع الليل المظلم ، في هذه اللحظات الحاسمة يجب على المسلمين أن يتدرعوا بالصبر وليعلموا أن العاقبة لهم ، فقد تكون الأيام دولاً ،والحروب سجالاً ولكن العاقبة للمتقين،فاصبرو يا عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾.فمن هذا المكان نطلب من كل المسلمين بلا استثناء وفي كل مكان أن يرفعوا أكف الضراعة إلى الله  بالدعاء لإخوانهم في فِلَسْطِينَ عامة فَقَضِيَّةُ فِلَسْطِينَ هي قضيةُ المسلمينَ جميعاً، وأهلنا في غزة بخاصة بالنصر والتمكين ودفع المعتدين من اليهود الغاصبين إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ،وعلينا أن ننصرهم بالدعاء لهم في كل الأحوال ،ونتوجه إلى الله بأن ينصر أهل الإسلام المستضعفين في كل مكان،ونذكر الجميع بأن النصر والتمكين ،بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيهﷺعلى فهم سلف الأمة الصالحين قَالَ تَعَالَى:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾.ولابد أن يكون الغرض من القتال هو الدين وإعلاء كلمة الله،واجتناب كل الأحزاب والجماعات أمثال الاخوان والروافض وغيرهم ، اذ كيف ينتصر من ترك الكتاب والسنة قَالَﷺ«أَمَّا بَعْدُ أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ،فكونوا يا اهل فلسطين ويا اهل غزة على يقين أن النصر مع الصبر، وأن بعد الكرب فرج، وأن مع العسر يسراً فاجتهدوا في نشر التوحيد والعقيدة الصحيحة تفلحوا واكثروا من العبادات وحافظوا عليها من صلاة وصيام ودعاء واستغفار وقراءة قرآن وذكر لله تعالى وغيرها، فإن ذلك سلاح من أشد أسلحة النصر والتمكين قَالَ تَعَالَى:﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ﴾.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

 

المرفقات

1697072795_«وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ»-قَضِيَّةُ فِلَسْطِينَ.pdf

المشاهدات 2136 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا