وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ

د عبدالعزيز التويجري
1442/06/08 - 2021/01/21 18:33PM

الخطبة الأولى: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ 1442/6/8هـ 

 

الحمدلله الولي الحميد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمد عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبة أجمعين .. أما بعد

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون .

"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"

 

المحبة خلق قلبي ، تظهر آثارها ، ولايرى جوهرها، لا يكتمل الإيمان إلا بها، ولا تزين الأخلاق إلا عليها، ولم ترَ البشرية خلقا ذميما يفسد المحبه ويقوض بنيان المجتمع ، ويخلخل قواعد البيوت، ويفسد ود الجوار مثل داء الحسد .. يفسد القلب, ويسخط الرب .. يحرق الكبدويذيب الجسد.. من تخلق به أضر دينه ودنياه, وأضعف يقينه واتبع هواه .{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}

حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ ** فَالقَومُ أَعداءٌ لَهُ وَخُصومُ

         كَضَرائِرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها  ** حَسداً وَبَغياً إِنَّهُ لَدَميمُ

كم حُرِم الناسُ من علم عالمٍ لحسدِ جاهل {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ  عَلَى مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }

 

إذا اضطرمت نار الحسدِ كُتم الحق ، وبُخس ميزان العدل ، وشوه الكلامُ ليكون في صالح اللآم وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ  يَسْتَوْفُونَ * وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ )

وَأَظلَمُ أَهلِ الظُلمِ مَن باتَ حاسِداً  **   لِمَن باتَ في نَعمائِهِ يَتَقَلَّبُ

الكرام تُحْسَد, والفضيلةُ بين اللئام تُجحد .. ولم يزل ذو الفضلِ محسوداً، وكلما كثر الفضلُ كثر الحساد، فوجود الحسادِ دليل على وجود الفضل.

      وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ طُوِيَت  ** أَتاحَ لَها لِسانَ حَســـــودِ

 

لَولا اِشتِعالُ النارِ فيما جاوَرَت   ** ما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ

الحسد- أعاذنا الله وإياكم منه ومن شره - داء ينهك الجسد، ويفسد الودّ، علاجه عسر، وصاحبه ضجر.. ما ظهر منه فلا يداوى، وما بطن منه فمداويه في عناء. قال عليه الصلاة والسلام: «دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء»

 

كلُّ العَداوة قدْ تُرْجى إماتتُها  **   إلا عَداوةَ مَنْ عاداكَ مِنْ حَسَدِ

 

يستعدي الجار جاره لحسن في داره ، أو زيادة في أمتاره .

 

ولحسد العالم يقالُ عنه مبتدع، ولرأيه متّبع .. حاطب ليل،ومبتغي نيل .. لا يدرى ما حمل، قد ترك العمل، وأقبل على الحيل .

وكان عبد الله بن أبيّ بن سلول، قبل نفاقه، نسيج وحده لجودة رأيه وبعد همّته، ونبل شيمته، وانقياد العشيرة له بالسّيادة، واذعانهم له بالرّياسة. فلما بعث الله نبيّه صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة، ورأى عزّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شمخ بأنفه ، فهدم إسلامه لحسده، وأظهر نفاقه..وما صار منافقا حتّى كان حسودا، ولا صار حسودا حتّى صار حقودا. فحمق بعد اللّبّ، وجهل بعدالعقل، وتبوّأ النّار بعد الجنّة.. وهذه مدرسة اليهود {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}

لقد صورت وسائل التواصل النعم في أبها حلتها ، ولُبِسَت الحال لباسًا غير لباسها ، وتشبع القوم بما لم يعطوا ، فأظهرت ما كان في القلب مكنونا، وفي الفؤاد محبوسا ، فأذكت الغيرة بين القرناء،  وتباهى الأصاغر والنساء، ودب الحسد ، ونُكرالجميل .. ولذلك نصح يعقوبُ يوسفَ أن لا يقص ما رأى ، لأنه يخشى عليه ما قد جرى، فإنه ما خلا جسد من حسد ، وكم من قلب بنعم الغير فسد ، فاستر جمال النعم ، خوفاً عليك من ذئب البغضاء ، لا ذئب الصحراء . وتعوذ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ " ومن كل حاسد إذا حسد . 

 

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى وعلى آله وصحبه ومن أقتفى أما بعد ..

وصيات نبويات جامعات .. إذا طُبقن ساد أمن المجتمع، وعمت الطمأنينة والسكينة كل قلب وبيت ومتجر ، وهي ما أخرجه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلايَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»

{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ  لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ) وعلاج ما يجد الإنسان في قلبه مما أوتي غيره ، ما ختم الله به الآية في قوله ( وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}.

اللهم إنا نسألك من فضلك ومن واسع رزقك وكفنا شر كل حاسد إذا حسد .

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد

المرفقات

1611254025_وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد.pdf

المشاهدات 1325 | التعليقات 0