﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا ﴾

محمد البدر
1439/01/23 - 2017/10/13 02:13AM

الخطبة الأولى :

اما بعد: عِبَادَ اللهِ :قَالَ تَعَالَى :﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاْبْصَـٰرَ ﴾[يونس:31] .

وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ أَفَبِٱلْبَـٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾[النحل:72]. 

إذاً كل ما بيد المسلم في هذه الدنيا فهو من رزق الله له، من أموال وبنين، بيوت ومزارع وقصور وصحة وعافية، كلها وغيرها من رزق الله لعبده في الدنيا.

لقد تكفل الله برزق الخلق عندما خلقهم، فلم يتركهم سبحانه هَمَلاً، بل قدر لهم مقاديرهم، وكتب لكل نفس رزقها وأجلها ولن تموت نفس حتى تستكمل الرزق الذي كتبه الله لها. فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

قَالَ تَعَالَى :﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [هود:6]
واعلموا يا عِبَادَ اللهِ أن تقسيم الأرزاق بين الناس، لا علاقة له بأي شيء ، لا بالحسب ولا بالنسب، ولا بالعقل والذكاء، ولا بالوجاهة ولا بالمال ولا بجنس دون آخر ولا بعرق أو جنسية أو قبيلة ما ولا غيرها ، وإنما يقسم الله جل جلاله رزقه لحكمة هو يعلمها.

عِبَادَ اللهِ: إن من المقاصد الأساسية لرزق الله، هو التعبد لله به، بالنفقة والزكاة والصدقة والوقف وبإطعام الطعام، والهدية، والهبة، فهذه كلها وغيرها ينفقها المسلم من رزق الله، تعبداً لله.قَالَ تَعَالَى :﴿ قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلانِيَةً﴾ [إبراهيم:31]

فعلى العبد أن يتَعَبَّدَ العبدُ الله من رزقٍ لله، ويشكر الله على ما رزقه به ليزيده الله من فضله .

واعلموا يا عِبَادَ اللهِ أن الله تعالى، فضل بعض الناس على بعض في الرزق، فأعطى هذا وبسط له الكثير، وأعطى ذاك أقل منه، وحرم الثالث فلم يعطهِ شيئاً.قَالَ تَعَالَى :﴿ وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلْرّزْقِ﴾ [النحل:71].

عِبَادَ اللهِ:إن الرزق بيد الله فمن طلب الله وسأله وبذل الأسباب وتوكل عليه، أعطاه الله، وسخر له ما لا يتوقع، ورزقه من حيث لا يحتسب.وأتته الدنيا وهي راغمة. فادعوا الله مخلصين قَالَ تَعَالَى ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين﴾.

إذاً فلا يُطلب الرزق إلا من الله، فإذا سألت فاسألِ الله، وإذا استعنت فاستعِنْ بالله، وأما من التفت إلى غير الله، وتعلق قلبه بما في يد فلان وفلان، ووقف على أبواب المساجد والأسواق أو على ابواب الأغنياء والتجار أو عند الإشارات ظن أنهم سيعطوه، وترك سؤال الله، أذله الله، وحرمه ما تمنى ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له. قَالَ تَعَالَى :﴿ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّ وَنُفُورٍ﴾ [الملك:21].

وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ [النحل:73].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. فعلى العبد ألا ينزل حاجته إلا بالله .

أقول قولي هذا ....

 

 

الخطبة الثانية :

عِبَادَ اللهِ : اعلموا أنه اذا أغلق باب دونك هنا، قد يفتح لك باب هناك، قَالَ تَعَالَى :﴿ وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى ٱلأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ﴾ [النساء:100]، فكم من اناس تركوا بلاداً، هي أحب البلاد لقلوبهم ولو خيروا لاختاروها على غيرها ـ لكنه الرزق ـ فتح الله عليهم في غير أرضهم، وفي غير بلادهم.

ولنا في رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسوة حسنة فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ « مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

.ألا وصلوا ...

المشاهدات 928 | التعليقات 0