{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}

محمد البدر
1434/07/14 - 2013/05/24 08:22AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
عباد الله :قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }[ هود : 6 ]
وقال تعالى :{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « طُوبَى لِمَنْ هُدِىَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنِعَ » رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : (قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافاً ، وقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ ) رواه مسلم
عباد الله:لسان حال الكثير من الناس : العمل غير ميسر، والمال غير كافٍ، والرزق غير وفير .
ولهذا العامل لا يرضى عن مهنته ، وعن دخله، والموظف غير راض عن وظيفته ومرتبته ومرتبه، والتاجر غير قانع بما يرد إليه من أرباح، والصناعي يحاول محاولات شتى؛ ليقلل من التكاليف ويزيد من أرباحه من حلال أو حرام ، وهكذا أمثلة كثيرة عديدة، حياتية واقعية .
فالعبد العاقل يسعى في إلزام نفسه بالقناعة ويصبر عليها فعن عُبيْدِ الله بنِ محْصن الأَنصَارِيِّ الخطميِّ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا)رواه الترمذي حسنه الألباني .
القناعة نعمة من نعم الله عز وجل على عباده، وهي كنز لا يفنى ومعين لا ينضب مهما توالت عليه الأيام، فالإنسان القنوع يرضى دائماً بحاله وبرزقه ، فتراه يشكر ربه على ما آتاه من فضله ، ولا ينظر إلى ما عند هذا أو ذاك، ولا يشغل باله كثيراً بما يملك الآخرون، فهو على قناعة تامة بأن رزقه سيصيبه دون زيادة أو نقصان مادام لا يقصر في السعي ولا يألو جهدا في كسب لقمة العيش عبر الوسائل المشروعة.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ »رواه الترمذي وصححه الألباني .
فالقناعة إذن هي الإيمان الكامل بالله عز وجل الرزاق الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره للآخرين لحكمة يعلمها وحده، العادل الذي يعطي الجميع ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، والرزق لا ينحصر فقط في المال ولكن هناك أنواعا أخرى من الرزق تفوق في أهميتها المال مثل الصحة والأبناء الصالحين والعلم وما إلى ذلك من نعم لا تحصى يهب سبحانه وتعالى كل إنسان مزيجاً منها حتى يتساوى في النهاية الجميع، فلا يوجد من يأخذ كل شيء أو يحرم من كل شيء كما يتصور أصحاب النظرة الضيقة.يقول تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } (النساء: 54) .
عباد الله :الإنسان القنوع لا ينظر بعين يملؤها الحسد الى هذا أو ذاك، والحسد شر يصيب صاحبه قبل أن ينال من المحسود، فالحاسد تقتله نار الغيرة وتتنازعه أفكار مرضية قد تفتك به وتأتي على هنائه واستقراره النفسي فلا يكاد يهدأ له بال وهو يعيش صراعاً داخلياً لا يشعر معه بالسكينة يجعله يتمنى بإلحاح غريب زوال نعمة الآخرين.
وربما يتخيل الحاسد أن شخصاً ما يأخذ كل شيء ولكن حقيقة الأمر أن الله يرزق الناس بالتساوي وان كانت نعمة المال قليلة عند إنسان ما، فإن الله تعالى يعوضه بنعمة أخرى، وهكذا بالنسبة لبقية نعم الخالق عز وجل.
الحسد يفتح الباب أمام شرور النفس ويعطي فرصة للضغائن والحقد والكراهية،والغريب أن شخص الحاسد قد لا يكون محروما وعنده من نعم الله الكثير ولكن الغشاوة التي تعمي بصره وبصيرته تجعله لا يرى كل هذه الأشياء التي تستحق الرضا والقناعة.
عباد الله:عين الحاسد تصيب بأسهمها الكثيرين من المحيطين به وخاصة المقربين الذين يضعهم في مقارنة دائمة معه والنتيجة أن المقارنة من وجهة نظره تكون في غير صالحه على طول الخط نتيجة الشعور بالنقص، ومن هنا تشتعل نار الغيرة غير المحمودة وما يتبعها من نظرات حسد توزع هنا وهناك قد تبلغ ذروتها أحيانا لتظهر على صاحبها وتلحظه عيون الآخرين حتى أصبح الحسد صفة لصيقة بالبعض، وهو ما يدفع من عرفوهم إلى تجنب عيونهم والاستعاذة بالله من شرور الحاسد كلما رأوهم ، وقان الله وإياكم شر كل حاسد .
أقول قولي هذا .....

الخطبة الثانية:
أما بعد:عباد الله عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ مسلم .
فكم من أناس أصيبوا في عقولهم،فأصبحوا لا يعلمون، ولا يدركون، وأنت قد من الله عليك بالعقل، تدرك به النافع من الضار، والحسن من الخبيث ،وكم من أناس أصيبوا بأنواع الأمراض المختلفة، والأمراض الخطيرة، وأنت تتقلب في صحة وعافية،وكم من أناس أصيبوا بالفقر والفاقة، وأنت في مسكن تجد قوتك ونعمة الله عليك و كم من أناس أثقلتهم الديون، وعاشوا في كبد في ليلهم ونهارهم، وقد عافاك الله من هذه المصيبة ، كم من أناس أصيبوا بمصائب في دينهم؛ فتلوثت أفكارهم بالآراء الضالة والأفكار الشاطة، والإتجاهات المنحرفة، وقد عافاك الله من هذه الفتن والمصائب فأحمدوا الله على هذه النعمة .
ألا وصلوا ....
[/align]
المشاهدات 3098 | التعليقات 2

خطبة جميلةٌ حقًّا وموضوعٌ تحت الطلب ، وهو موضوعٌ عقَدِيٌّ تحت الطلبِ دومًا ، ويحتاجُ من الخطيبِ إلى تأصيلٍ وبناء بلغةِ الإقناع الفكري وهذا يحتاجُ إلى تفعيل العقيدة والنصوص وسَوقِ الشواهد و الأدلّة ، و يحتاجُ أكثر إلى تربيةٍ و تغيير بلُغَةِ التأثيرِ الوجداني العاطفي وهذا يحتاجُ منّا إلى وسائل التأثير النفسي المختلفة من ترغيب وترهيب و عتابٍ و قصَصٍ و أخبارٍ وما إلى ذلك . و قد أفدتنا أستاذنا الفاضل بكثيرٍ من ذلك ، فلكم منّا كل الشّكر ولكم من الله عظيمَ الجزاءِ والأجر .


جزاك ربي كل خير
ونفع الله بك

ووقانا الله وإياك شر كل حاسد