وما أدراك ما يوم عرفة؟! [خطبة مختصرة عن عرفة وما تبقى من العشر].

عبدالله الغامدي
1445/12/07 - 2024/06/13 15:40PM

الخطبة الأولى:

إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إلَيْهِ، ونعوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لاَ إلَهَ إلا اللَّهُ وَحَدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} أما بعد:

 أيُّها الكرام المباركون: لا يفصُلنا عن اليومِ الذي حسدتنا عليه اليهود؛ لكثرة عطاءاتِ اللهِ لنا في ذلك اليوم، إلا لحظات معدودة؛ فما تبقَّى يا كرامُ إلا ساعاتٌ ويدخلُ علينا يومُ عرفة، وما أدراكَ ما يومُ عرفة؟!

اليوم الذي أكمل اللهُ فيهِ الدِّين؛ هو يومُ عَرفة.

ولا صومَ يُكفّر ذنوبَ سنتين؛ إلا صيامُ يومِ عَرفة.

وخيرُ الدُّعاءِ؛ دعاءُ يومِ عَرفة.

وما رُئي الشيطانُ أدحرَ منه؛ ما رُئي في يومِ عَرفة.

ولا ينزلُ اللهُ -سبحانه وتعالى- في نهار يوم؛ إلا في نهارِ يومِ عَرفة.

وما أعتقَ اللهُ -عز وجل- مِن عباده من النَّار؛ أكثرَ مِن أن يُعتقَ في يومِ عَرفة.

عن النبيِّ ﷺ أنَّه قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ، ثم يباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء؟!) وربُّنا -سبحانه وتعالى- أعلمُ بأنَّ عباده يريدون مغفرته ويبتغون فضله، ولكنَّه يريدُ أن يُباهي بهم ملائكةَ السَّماءِ، ثُمّ يُحِلُّ عليهم بعدَ تلك المباهاةِ مغفرتَه ورحمتَه في ذاك الموقفِ الجليل:

فلله ذاكَ الموقفُ الأعظمُ الذي ** كموقفِ يومِ العَرْضِ بلْ ذاكَ أعظمُ

ويدْنُو بهِ الجبّارُ جلَّ جلالُه ** يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ

يقولُ عِبادِي قدْ أتونِي مَحَبَّةً ** وَإنِّي بهمْ بَرٌّ أجُودُ وأرْحَمُ

فأشْهِدُكُمْ أنِّي غَفَرْتُ ذنُوبَهُمْ ** وأعْطيْتُهُمْ ما أمَّلوهُ وأُنْعِمُ

فبُشراكُمُ يا أهلَ ذا المَوقفِ الذِي ** به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحمُ

فَكَمْ مِنْ عَتِيقٍ فِيهِ كَمَّلَ عِتْقَهُ ** وَآخَرُ يَسْتَسْعِي وَرَبُّكَ أَكْرَمُ

ورُبَّما تقطَّعتْ نِياطُ قلوبِ كثيرٍ ممن لم يتيسَّر لهم حجُّ هذا العَام؛ حسرةً وألـمًا مِن فواتِ قرار المغفرة والعتق الإلهيِّ عليهم لعدم شهودهم الموقف، لكن هذه بشارةٌ عظيمةٌ لكلِّ مَن لم يتيسَّر لهُ حجُّ هذا العَام، وحبسه العذرُ عن شهودِ ذلك الموقف، يقول فيها ابنُ رجبٍ رحمه الله: "ويوم عرفة هو يوم العتق من النار فيعتق الله من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين" ثُمَّ استدلَّ ابنُ رجبٍ -رحمه الله- على هذه البشارة بدلالةٍ بديعةٍ فقال: "فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده؛ لاشتراكهم في العتق والمغفرة".

ثُمَّ علينا بعد ذلك -أيها الكرام المباركون- أن نُدركَ بأنَّ يوم عرفة هو يوم السؤالِ والطلبِ والدُّعاء، ويكفينا في معرفةِ فضيلةِ الدُّعاء في هذا اليوم أنَّ أطولَ مدةَ دعاءٍ سطَّرتَها كتب وداووين السنَّة للنبيِّ ﷺ؛ كانت في يوم عرفة فقد رفعَ النبيُّ ﷺ كفيه الشريفتين بعد أن صلى الظهر والعصر جمعَ تقديم ليتفرّغ للدعاء، فما أنزلهما إلا حينما أذّن المؤذّن لصلاة المغرب!

ستُّ ساعاتٍ متتابعاتٍ -أيُّها الكرام- ما فترَ فيها نبيُّنا ﷺ عن دعائه وسؤاله لربِّه، لأنَّ نبيَّنا ﷺ يريدُ أن تعلمَ أمتُه بأنَّ خيرَ الدُّعاء: دعاءُ يوم عرفة، وأنَّ يوم عرفة هو يوم تحقيق الأمنيات، وإجابة الدعوات.

فيا من أثقلته الخطايا والذنوب؛ خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عَرفة!

ويا من أنقضت ظهرَه الديونُ والقروض؛ خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عَرفة!

ويا مَن نهشَ المرضُ جسدَه وأعيا الأطباءَ داؤوه؛ خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عَرفة!

ويا من أعجزه أن يجدَ عملًا أو وظيفةً مناسبة؛ خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عَرفة!

ويا من أضناه البحثُ عن امرأةٍ وزوجةٍ صَالحة؛ خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عَرفة!

فادعُ ربَّك الكريم بجميع ما تريدُ مِن أمر دنياك في ذلك اليوم، لكن اجعل النصيبَ الأعظم من دعواتك لأمر آخرتك؛ فالدنيا تذهبُ وتفنى، والآخرة خيرٌ وأبقى.

وقبل أن ترفع يديك بأيِّ دعوةٍ تريدُها؛ خذ قبل ذلك بأسبابِ قبولها وآدابِ إجابتها؛ فادعُ الله متطهرًا، مُقدِّمًا الثناء قبل الدُّعاء، واثقًا من الإجابة غيرَ مستعجلٍ لها، داعيًا بالمأثور من الأدعيَّة القُرآنية والنبويَّة، وأبشر بعدَ ذلك بكلِّ خيرٍ مِن ربٍّ كريم؛ فقد تتابع الداعون بأنَّهم ما دعوا دعوةً في يومِ عرفةٍ؛ إلا ورأوها مثلَ فلقِ الصُّبحِ قبل أن يحولَ عليها الحول!

 بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا وإياكم بما فيها من الآيات والحكمة

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه غفور رحيم

point.pngpoint.png

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وذريته ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ) أما بعد:

بين يدي يومِ عرفة -أيها الكرام المباركون- يومنا هذا، وبعده يوم عرفة، وبعده أعظم الأيام عند الله: يوم النحر؛ وكلُّ يومٍ مِنْ هذه الثلاث هو وحدَه خيرٌ وأفضلُ من أيام الدُّنيا كُلِّها! فقد قال نبيُّنا الكريم ﷺ: (ما مِن أيامٍ العملُ الصَّالح أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيام).

ولعلَّكم لاحظتُم - أيها الكِرام- بأنَّ النبيَّ ﷺ لم يقل العملُ الصالحُ أكثرُ حسناتٍ أو أعظمُ أجرًا، وإنَّما قال: (أحبُّ إلى الله)؛ ذلك بأنَّ المحبَّ الصادقَ يكفيه ليجتهدَ في الصالحاتِ ويسابقَ في الخيرات؛ أن يعلم فقط بأنَّ العمل في هذه الأيام من أحبِّ الأمور إلى خالقه ومولاه، بعيدًا عن قضيةِ مضاعفةِ الحسناتِ وعظمةِ الأجور!

فإذا فترتَ عن العبادة في هذه الأيام؛ فتذكَّر: (أحبُّ إلى الله).

وإذا تكاسلتَ عن الطَّاعة؛ فتذكَّر: (أحبُّ إلى الله).

وإذا مللتَ مِنْ إطالة الدُّعاء؛ فتذكَّر: (أحبُّ إلى الله).

وإذا مللتَ مِن التهليل والتسبيح والتكبير والتحميد؛ فتذكَّر: (أحبُّ إلى الله).

فلا يوجدُ شيءٌ -والله- يدفعُ عنَّا الكسلَ والفتورَ والمللَ فيما تبقَّى مِن هذه العَشر؛ أعظم مِن أن نتذكَّر بأنَّ هذه الأيام، هي أعظمُ أيامٍ يحبُّ اللهُ منَّا بأن نتقرَّبَ إليه فيها!

فاللهمَّ تقبَّل مِنَّا ما مضى مِن العَشر، واغفر لنا ما قصرنا فيها، وبارك لنا فيما تبقَّى منها، اللهمَّ أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهمّ ألهمنا حسن الدعاء في يوم عرفة، وارزقنا فيه العتق والإجابة، اللهم وفق ولاة أمورنا لهداك، واجعل عملهم في رضاك، اللهم ربّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

line.png

المرفقات

1718282406_خطبة عرفة وما تبقى من العشر (الأخيرة).docx

1718282406_خطبة عرفة وما تبقى من العشر.pdf

المشاهدات 2601 | التعليقات 0