(( وماذا بعد رمضان )) خطبة 4 شوال
algehani algehani
1440/10/02 - 2019/06/05 20:54PM
(( وماذا بعد رمضان ))
1440هـ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
عباد الله / ها قد مَضَتْ أَيَّامُ رَمَضَانَ الجَمِيلَةِ, مضت بِفَضَائِلِهَا, وَكَأَنَّهَا ضَرْبُ خَيَالٍ,
قَطَعْنَا فِيهَا مَرْحَلَةً مِنْ حَيَاتِنَا لَنْ تَعُودُ, وَهَكَذَا الحَيَاةُ أَنْفَاسٌ مَعْدُودَةٌ ، وَآجَالٌ مَحْدُودَةٌ , وَرَبُّنَا وَحْدَهُ هُوَ مصرِّفُ الأَيَّامِ وَالشُّهُورِ ،
( يُولِجُ اللَّيْلَ فِيِ ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِيِ اللَّيْلِ)
جَعَلَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابًا, وَلِكُلِّ عَمَلٍ حِسَابًا, وَجَعْلَ الدُّنْيَا سُوقًا يَغْدُو إِلَيْهَا النَّاسُ وَيَرُوحُونَ, فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا.
فبالْعِبَادَةَ(عباد الله) تَطْمَئِنُّ النُفُوسُ وَتَسْتَقِيمُ الحَيَاة وَتَنْعَمُ القُلُوبُ, قَالَ سبحانه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}, وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ فَمَنْ تَرَكَ عِبَادَةَ رَبِّهِ اضْطَرَبَتْ حَيَاتُهُ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُ وَشَقِيَ فِي أَحْوَالِهِ, قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}
ولقد رأينا في رمضان كيف اِكْتَظَّتْ الـمَسَاجِدُ بالمسلمين مَا بَيْنَ صَلَاةٍ وَتِلَاوَةِ قُرْآنٍ وَتَسْبِيحٍ وَصَدَقَةٍ وَاِسْتِغْفَارٍ وُدَعَاءٍ;
فَاللهم أكتب لنا ولهم أوفر وأَجْزَلَ الْعَطَاءِ .
نَعَمْ / أَقْبَلَ الأَخْيَارُ عَلَى صَلَاةِ الجَمَاعَةِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الإِيمَانِ, وَدليل على خَلَوِّ القَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ الْكَرِيِمِ الْمَنَّانِ ,
رأينا في رمضان كيف أَقْبَلَ الكَثِيرُونَ عَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ لِأَنَّهُمْ أَيْقَنُوا بِمَوْعُودِ اللهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ: “اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ”
رأينا في رمضان كيف تَسَابَقَ الكَثِيرُونَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالإِنْفَاقِ وَالجُودِ, وَسَدِّ حَاجَةِ إِخْوَانِهِمْ الْـمُحْتَاجِينَ; تَبْتَسِمُ مِنْهُمُ الشِّفَاهُ, وَتُضِيئُ مِنْهُمْ الجِبَاهُ,
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا” .
وَالآنَ (عباد الله) وَقَدْ رَحَلَ رَمَضَانَ بِكُنُوزِهِ الغَالِيَةِ, وَأَيَّامِهِ النَّفِيسَةِ، وَقَدْ أَوْدَعْتموه أَعْمَالًا جَلِيلَةً فَتَذَكِّروا تلك الأَعْمَالَ, وَسَلوا اللهَ قَبُولـَها, تَذَكَّروا وَأَنْتَم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ صَفَاءَ نَفْوسِكم، وَرَاحَةَ ضَمِائرِكم ، وطُمَأْنِينةَ قَلْوبكِم ، وَاِنْشِرَاحَ صَدورِكم ،وَهُدُوءِ بَالِكم; قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)
فَدَاوِموا وَاِسْتَمَرّوا (عباد الله) فَعِبَادَةُ رَبِّ العَالَمِينَ لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى رَمَضَانَ, وَلَيْسَ لِلعَبْدِ مُنْتَهًى مِنَ العِبَادَةِ دُونَ المَوْتِ, لِتَحْيَوا حَيَاةَ السُّعَدَاءِ فِي دُنْيَاكم وَآخِرَتِكم ,
اَللَّهُمَّ أَحْيِنَا حَيَاةَ السُّعَدَاءُ, وَأَمَتْنَا مَمَاتَ, الشُّهَدَاءِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئه
فإستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
الحمدُ لله الكريمِ المنَّانِ، الواحد الأحد
نشهدُ ألاَّ إله إلاَّ هو وحده لا شريك لهُ
(يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمْدَاً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ما تعاقَبَ الزَّمانُ.
أمَّا بَعدُ: فإتقوا اللهِ (عباد الله) وإلزموا طاعتِه، (وَمَنْ يَتِّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسرًاْ).
عباد الله : ها قد خرج المسلمون جميعا من رمضان ، خرجوا من مدرسة الإيمان والتقوى ، مر بهم شهر كنزوا فيه من الحسنات الشيء العظيم من رب كريم ، ألا فلا تذهب أدراج الرياح ، ولا نكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، حافظوا على وردكم من القرآن ، واحفظوا جوارحكم من الآثام ، ولا تنقصوا فرائض الله ، وإحرصوا على السنن ، عيشوا حياتكم وكأنها كلها رمضان ، فإن رب رمضان هو رب الشهور كلها ، واعلموا أن من علامات قبول العمل اتباعه بالعمل الصالح
ألا فأتبعوا صيام رمضان بصيام ست من شوال فقد روى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر " ،
إستكثروا من الصالحات وإجتنبوا المحرمات ،
( إن الحسنات يذهبن السيئات )
ولا نكن كعبيد السوء ، الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ، فإذا انقضى رمضان رجعوا لمعاصيهم ، وتركوا الفرائض والسنن أو قصروا فيها ،
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ” .
وَإعلموا (عِبَادَ اللهِ) أن مَدَارُ السَّعَادَةِ فِي طُولِ العُمْرِ وَحُسْنِ العَمَلِ,
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَيْرُ النّاسِ مَنْ طالَ عُمُرُهُ وصَلُحَ عَمَلُهُ”
وإعلموا (رحمكم اللهِ) أنه لا قِيمَةَ لِطَاعةٍ دُونَ أن يكونَ لها أثرٌ مِنْ خَشيَةٍ أو تَقْوى، وما شُرعَ الصِّيامُ إلاَّ لِتَحقِيقِ التَّقوى؛
فَأينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا هُجرَ القُرآنُ، وأين أَثَرُ رَمَضَانَ إذا ضُيِّعَتِ الصَّلاةُ، وانتُهكت المُحَرَّمَاتُ؟
أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا أُكِلَ الرِّبَا، وأُخِذَت أَموالُ النَّاسِ بِالبَاطِلِ؟! وأَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا عَقَّ الولَدُ والِدَيهِ, وأَسَاءَ الزَّوجُ لِزَوجَتِهِ وأَولاَدِهِ؟!
فأكْثِرُوا يا (أَهْلَ الصِّيامِ) من الاسْتِغْفَارِ فَنِعْمَ خِتَامُ الأعْمَالِ هُو.
فاللهم إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ من كلِّ خَلَلٍ وَزَلَلٍ وتقصير.
اللهم تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وتب علينا إنَّك أنت التَّوابُ الرحيمُ.
عباد الله : صلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشريه فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل
( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا )
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الكفر والكافرينَ، ودَمِّر أعداء الدِّينِ, وانصر إخواننا المجاهدينَ في سبيلكَ في كلِّ مكانٍ, اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا. ووفَّقْ ولاةَ أُمُورِنا, واغفر لنا ولوالدِينا وللمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.