{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}     12 /4 / 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/04/11 - 2023/10/26 13:39PM

الخطبة الأولى : {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}     4/12 / 1445ه

الحمد لله يُعزُ من يشاء ويُذلُ من يشاء ، إنه هو العزيزُ الحكيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد ..

فاتقوا الله ربكم واشكروا له (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)

نصوصُ الشريعةِ ودروسُ التاريخِ وسننَ اللهِ: تؤكدُ أنّ المسلمين بغير الإسلامِ لا قيامَ لهم، وإنهم بغير الدينِ لا عزّ لهم، ذلك أنّ الإسلامَ وحدَهُ ولا شيء غيرُه هو الذي يربي ويبني ويزكي ويقوي ويزرعُ العزةَ والنصر {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} وعند تداعي الأممِ على الإسلامِ، وعندما ينجمُ تخذيلُ المنهزمين، يتجلى الاعتزازُ الدين، ولقد جسدَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه العزةَ في أعلى مقاماتها، وفي أحلكَ ظروفها، جسدها قولاً وعملا ..

قال أهل السير: لَمَّا وَصَلَ عمرُ إِلَى الشَّامِ تَلَقَّاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وأمراءُ الأجنادِ، فَتَرَجَّلَ عُمَرُ يخوض الماء وقد خلع خفيه: وجيوشُ المسلمين وطوابيرُ النصارى قد اصطفت  تنتظر قدوم فاروقِ الأمةِ ليتسلم مفاتيحَ بيتِ المقدس.

       يزيدُ مســـيرُكَ ذا عــــــزةٍ    **   كَما ازداد بِالسَّيْرِ نُورُ القَمَرْ

      دعاكَ الهُمامُ لِنَيْلِ المَرامِ   **   فكُنْتَ الحُسامَ الحميدَ الأثرْ

فقال له أبو عبيدة يا أمير المؤمنين الآن يلقاك الجنودُ وبطارقةُ الشامِ وأنت على هذه الحال.

فقال عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! إنا كنا أذل قومٍ فأعزنا الله بهذا الدين، ولو ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"

إن تفخر الدنيا فأنت فِخارُها  **  أو تختر العليا فأنت خيارُها

 كلامٌ يشعُ نبراساً لكل مؤمنٍ يُريدُ العزةَ والرفعةَ لهذه الأمة، كلامٌ يستقيهِ عمرُ من قول الله عز وجل {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}

ثم سَارَ عمرُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ الأقصى مِنَ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وتسلم مفاتيح بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّى فِيهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِمِحْرَابِ دَاوُدَ u، وَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ فِيهِ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مِنَ الْغَدِ فَقَرَأَ فِي الْأَوْلَى بِسُورَةِ ص ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ بَنِي الإسراء.

إنه لأمرٌ حكيم وحكمةٌ عظيمةٌ أن يتسلَّم العبقريُ الملهمُ الخليفةُ الراشدُ الفاروقُ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه مفاتيحَ بيتِ المقدسِ من دونِ سائرِ المدائنِ التي فتحها الله على المسلمين.

 إنّه التمييز الواضح، والخصوصية الخاصة، والإعلان الصريح أن لهذه المدينة المقدسة منزلة كبرى في دين الإسلام وتاريخ المسلمين ، فنشر العدل، وأقام الملة، وأمنَ الناس عربهم وعجمهم ومسلمهم وكافرهم.

  ولاغروَ أن ذلّتْ له بعد عزّةٍ  **  أنوفٌ عِدًى أضحتْ تُخَشُّ وتُحزَم

  هو الليث طوراً بالعراء وتارةً  **  لـــه بين أجــــامِ القنا متأجَّــــمُ

بيتُ المقدسِ ربوةٌ مباركةٌ ذاتِ قرارٍ ومعين، أرضٌ مقدسة، قبلةُ الأمة، وبوابةُ السماء، وميراثُ الأجداد، ومسئوليةُ الأحفاد، معراجُ محمدي، وعهدٌ عمري، دارُ الإسلام، بها يُجَسَّد تراث الأمة، ويُحَدَّد مستقبلها، ويثبت وجودها.

إلى مسجدها تُشَدُّ الرحال، ومن قبله تشد الأبدان والنفوس والأفئدة.. فلا غروا أن تروا أمةً تنزف دمائها على ثراها ولا تتنازل عن شبرٍ من أرضها .. ذلك أنها علمت أن للمسجد الأقصى وقصة الإسراء خبرٌ خاص، وقرأت سورة كاملة في قلب مصحفنا ودستورنا، إنها سورة الإسراء، سورة بني إسرائيل في آياتها ودلالاتها وكنوزها{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } فلا غروَ أن تروا او تسمعوا عن عزةِ أطفال تموت تحت قصف اليهود الصهاينة، فلا يبرحون مكانهم،  وأسرٌ تُقهر وتُبادُ، فلا تتنازل عن أرضها الأرض المباركة .

 لا عزّ للأمةِ إذا رفعت شعاراتٍ غير شعارِ الإسلام والإيمان ، ولا نصرَ إذا نادت بغير نداءاتِ التوحيدِ والقرآن {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.

 ولا تمكين في الأرضِ بغير إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

إنّ الأمةَ لا يُعزُها فوزُ لاعبٍ أو رقصُ مغنٍ أو سخافاتُ مهرجٍ ، لا يُعزُ الأمةَ إلا قولُ الله عزّ وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}

تحيا النفوس بهدي القرآن، وتستيقظ الضمائر بواعظ الإيمان، ويحرك مشاعرها الاحساس بالجسد الواحد. {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

اللهم أعزنا بطاعتك واحفظنا والمسلمين بحفظك

نستغفرك اللهم من كل ذنب وخطيئة، فاغفر لنا إنك انت الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية : الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد

القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما مصدر العزة للنفس والمجتمع والبلاد والأمة أجمع ، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أقوم طريق وأعلاه واسناه، «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»

 القرآن فخر الأمة وعزها

           أمتي أمة المكـــــارم لا أمـــــــــــــــــــــةُ رقص مستفحشٍ وغناءٍ

          يا بلادي يا منبت العز والفخر مثوى الأجداد والآباءٍ

          ليس كالقرآنِ في الحيـــــاةِ بنـــــــــــاءُ  ليس تُفنيه عـادياتُ الفناءِ

{فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} لا يضلُ من جعل القرآنَ دليلهُ، ولا يشقى من جعل القرآنَ وردُه وحزبه .

حملةُ القرآنِ هم بقاءُ حِفظ اللهِ في الأرض، قاماتُ من الصالحين وأشبالٌ من الحفاظ لم تُعْرف بشئ غير القرآن، ليس لهم ديوان يُذكر، أوحساب يُتابع، وإنما مصحف وسارية.

لا حسد في الدنيا ولا في مناصبها وأموالها، إلا في تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ..

والتاريخ المحفوظ، يحدثونا وينبئونا أن أمة الإسلام أمةٌ متجددة ولودة وعودة، كالغيث لا يدرى الخير في أولِّه أو في آخره، متصلة بالقرآن، مستمرة بتعلُمِه وتعليمه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله }

 لايزال الله يغرس في هذه الامة غرسا يستعملهم ، وشعاع العز والفخر يبدو من هذا البلد المعطاء ،مجمعات قرآنية، ودور نسائية  أخذت على عاتقها أن تخرج للأمة الأئمة والقراء، والعلماء والمربين النبلاء، والفتيات الناصعات حشمة وحياءً ، ونبوغاً وذكاءً ..

 مجمعات فخر البلاد وعزها ..

   مجمعاتٌ..سمــاويـةٌ أرجاؤهــــا فكأنهــــا     **    عليها من الوَشْي البَديعِ سُتُورُ

      وكم جَاوَزَ الإبْدَاعُ في الحُسْنِ حَدَّهُ   **     فأَوْهَمَنــــــا أنَّ الحقيقـــــــــــــــــةَ زُورُ

       فللَّه يَــومٌ ضَـــــــــــــمّ فيه أئمــــــــــــةً       **      تَدَفَّقَ منهم  آي القرآن بُحورُ

       وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّةٍ      **     على الناسِ من لفظِ الكلامِ تُديرُ

          قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبـــــَدَّلٍ     **      فغارتْ أناجيلٌ وغارَ زبورُ

    ومن حيثما وجَّهْتَ وجهكَ نحوها    **       تلقتكَ منها نضرةٌ وسرورُ

      يَمُدُّ إليها الحاسدُ الطرفَ حسرةً     **     فَيَرْجِع عنها الطَّرْفُ وهْوَ حَسير 

كل إنفاق في حقها قليل ، وكل ريال لمخرجاتها مضاعف كثير ..

لايقف ويصمد ويثبت امام الفتن والمغريات التي أطلت على المسلمين إلا حفاظ القرآن ومن رباهم القرآن .

كل سهام الأعداء والمنافقين تتكسر أمام مخرجات حلق التحفيظ ودور القرآن والسنة، دعمها ومساندتها دفاع عن الإسلام ، ورفع لراية التوحيد والقرآن .

فلَا يُحَارِبُ الْقُرْآنَ وَأَهْلَهُ جَبَّارٌ إِلَّا قَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَذَلَّهُ وَأَهَانَهُ؛ [وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ].

اللهم أعزنا بالقرآن واجعلنا ممن يتلونه آناء الليل والنهار  ..

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ...

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في غزة وفي كل مكان .. اللهم كف عنهم بأس اليهود وعدوانهم ..

 

 

المرفقات

1698316909_{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.docx

1698317019_{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.pdf

المشاهدات 1844 | التعليقات 0