( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) خطبة جمعة

محمد بن سليمان المهوس
1442/08/18 - 2021/03/31 18:38PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

الْحَمْدُ للهِ ذِي الصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ الْعُلْيَا، وَالأَسْمَاءِ الْفَاضِلَةِ الْحُسْنَى، خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ وَلاَ رَادَّ لِتَقْدِيرِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ بِدَلِيلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا‏.‏

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَفْضَلِهَا وَأَنْفَعِهَا؛ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مَا صُرِفَتْ فِيهِ الأَوْقَاتُ، وَخَيْرُ مَا سَعَى فِي تَحْصِيلِهِ الْعَبْدُ‏، وَهُوَ الْغَايَةُ الَّتِي يَتَسَابَقُ إِلَيْهَا الْمُتَسَابِقُونَ ، وَالنِّهَايَةُ الَّتِي يَتَنَافَسُ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ: ‏الفِقْهُ فِي أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَاءِ؛ الَّذِي هُوَ‏ بِنَاءُ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ، وَهُوَ عِزُّ الْعَبْدِ وَرِفْعَتُهُ وَصَلاَحُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِهِ ‏بِأَشْرَفِ مَعْلُومٍ وَهُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْرَفَ كَانَ مِنْهُ أَخْوَفَ، وَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». [متفق عليه من حديث مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180].

فِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ‏أَسْمَاءَ اللهِ تَعَالَى كُلَّهَا حُسْنَى؛ لأَنَّ اللهَ مَدَحَهَا فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ [الأعراف: 180]،  وَقَالَ: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ ۖ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ ‏[طه: 8] فَأَسْمَاءُ اللهِ ‏بَالِغَةٌ فِي الْحُسْنِ كَمَالَهُ وَمُنْتَهَاهُ، ‏فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَحْسَنِ أَسْمَاءٍ وَأَكْمَلِهَا؛ فَهِيَ حُسْنَى بِاللَّفْظِ وَحُسْنَى فِي الدَّلاَلَةِ عَلَى أَوْصَافِ الْكَمَالِ، وَكُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ ‏دَالٌّ عَلَى مَعْنًى مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الاِسْمُ الآخَرُ، فَالرَّحْمَنُ مَثَلاً يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالْعَزِيزُ يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ الْعِزَّةِ ، وَالْخَالِقُ يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ الْخَلْقِ، وَالْكَرِيمُ يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ الْكَرَمِ، وَالْمُحْسِنُ يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ ‏الإِحْسَانِ وَهَكَذَا ... ؛ وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَ بَعْضُ الأَعْرَابِ قَارِئًا يَقْرَأُ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ ۗ﴾ "واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، فَقَالَ ‏الأَعْرَابِيُّ: لَيْسَ هَذَا بِكَلاَمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ الْقَارِئُ: أَتُكَذِّبُ بِكَلاَمِ اللهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: لاَ، ‏وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا بِكَلاَمِ اللهِ، فَرَجَعَ إِلَى حِفْظِهِ وَقَرَأَ: ﴿وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾  فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: صَدَقْتَ؛ عَزَّ فَحَكَمَ فَقَطَعَ، وَلَوْ غَفَرَ وَرَحِمَ لَمَا قَطَعَ.

ثُمَّ إِنَّ أَسْمَاءَ اللهِ الْحَسْنَاءَ لاَ تُحْصَرُ وَلاَ تُحَدُّ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، ‏وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ...الْحَدِيِثُ » وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ اسْتَأْثَرَ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا لاَ نَعْلَمُهُ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ– أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلاَّ واحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»، ‏فَلاَ يُفِيدُ حَصْرَ أَسْمَاءِ اللهِ فِي هَذَا الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ؛ بَلْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ إِحْصَاءِ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، وَإِحْصَاؤُهَا بِمَعْنَى: حَفِظُهَا وَإِتْقاَنُهَا وَاعْتِقَادُهَا وَتَدَبُّرُ مَعَانِيَهَا وَالعَمِلُ بِمُقْتَضَاهَا لِيَحَصَلَ الْعَبْدُ عَلَى هَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ.

 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَنْ تَأَمَّلَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي بَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ يَجِدُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ، وَيُمِرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ، وَيُثْبِتُونَهَا كَمَا وَرَدَتْ، وَلاَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ، وَلاَ يُكَيِّفُونَ صِفَاتِهِ، وَلاَ يُمَثِّلُونَ شَيْئًا مِنْهَا بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ خَلْقِهِ؛ ‏لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لاَ سَمِيَّ لَهُ وَلاَ كُفْؤَ وَلاَ نِدَّ لَهُ وَلاَ يُقَاسُ بِخَلْقِهِ، ‏وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْهَجَهُمْ قَائِمٌ عَلَى أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ هُمَا: الإِثْبَاتُ بِلاَ تَمْثِيلٍ، وَالتَّنْزِيهُ بِلاَ تَعْطِيلٍ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَى أَنْ تَجْعَلَنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَسَدِّدْنَا، وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ دُعَاءَ اللهِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ الْحُسْنَى يَتَضَمَّنُ مَعْنَيَيْنِ:

الْمَعْنَى الأَوَّلَ: ‏أَنْ تَتَوَسَّلَ إِلَى اللهِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ، ‏ كَأَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ يَا غَفُورُ اغْفِرْ لِي، يَا رَزَّاقُ ارْزُقْنِي، وَهَكَذَا ..

الْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ تَتَعَبَّدَ للهِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الأَسْمَاءِ، ‏بِمَعْنَى: أَنَّكَ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ أَوْجَبَ لَكَ ‏أَنْ لاَ تَقُولَ قَوْلاً يُغْضِبُهُ؛ لأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ قَوْلاً يُغْضِبُ اللهَ سَمِعَهُ، وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ بَصِيرٌ أَوْجَبَ لَكَ ‏أَنْ لاَ تَفْعَلَ فِعْلاً يُغْضِبُهُ؛ ‏لأَنَّهُ يَرَاكَ، وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ غَفُورٌ أَوْجَبَ لَكَ ‏التَّعَرُّضَ لِمَغْفِرَتِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ لَهُ وَعَمَلِ الأَعْمَالِ الَّتِي تُوجِبُ مَغْفِرَتَهُ، وَهَكَذَا .. ؛ فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْرِفُوا مَا للهِ تَعَالَى مِنَ الأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الإِيمَانِ ، وَبَصِيرَةٌ فِي دِينِ اللهِ وَعِرْفَانٌ. ‏وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].

المرفقات

1617215900_خطبة أسماء الله الحسنى .doc

المشاهدات 700 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا