ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ

سالم بن محمد الغيلي
1441/02/05 - 2019/10/04 07:44AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام 

      • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[

        • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[

          • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[ 

          عباد الله:

          ما أعظم القرآن وما أعظم مواعظه إنه عظيم؛ لأنه كلام الله, ومواعظه عظيمه؛ لأن الله سبحانه جل شأنه هو الواعظ بها.. مواعظ القرآن الله هو الواعظ بها , وتأملوا وتخيلوا أن الله سبحانه ينادينا ثم يلقي علينا موعظة هل ترون أحداً يلتفت يميناً أو شمالاً ؟ أو يُكلم أحداً ؟ أو ينام عندما يسمع المواعظ؟

          فها هو ربنا جل وعلا يعظنا , الله سبحانه يعظنا بموعظة عظيمة في القرآن , وما أعظم القرآن وما أعظم الرجال الذين لا يهجرون القرآن , يقرأوونه ويتدبرونه ويعملون به إنهم عُظماء لقربهم من أعظم كتاب, لتلاوتهم لرسالة السماء, عُظماء يتدبرون كلام العظيم.

          وهو يقول في كتابه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{  ]سورة الحشر:18[ , هذه الموعظة آية أربعة عشر كلمة , جعلها الله بين أكتافنا لينظر ماذا نفعل بعدها , والله تعالى نادى بها المؤمنين , وكلف بها المكلفين جميع المكلفين معنيين بها, لكنه لم يناديهم بها كلهم ,لم يقل يا أيها الناس , ولم يقل يا أيها المسلمون ؛ لأن في المسلمين من يستجيب ومن لا يستجيب

          في المسلمين احياء القلوب وموتى القلوب

          في المسلمين من يقول: سمعنا وأطعنا, وفيهم من يقول: سمعنا وإن شاء الله متلاحقين على خير, ولذلك نادى بها المؤمنين لأن المؤمنين وصلوا إلى درجة الاستجابة وصلوا إلى مرتبة سمعنا وأطعنا , وصلوا إلى درجة الانصياع لأوامر الله, وصلوا إلى درجة الارتباط بالقرآن اصبح القرآن جزءٌ من حياتهم, فناداهم الله وشرفهم بالنداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) نعم يارب لبيك يارب , (اتَّقُوا اللَّهَ), ثم نادانا ثم امرنا , والنداء بعده أمر إنما هو من اجلِ شيء عظيم ومهم للغاية .

          (اتَّقُوا اللَّهَ) كونوا اتقياء اعملوا بأمر الله وانتهوا عن نهيه , قفوا عند حدوده ,اعملوا بطاعته, اجتهدوا في جمع الحسنات سارعوا إلى الخيرات , اثبتوا على الدين, حافظوا على الصلوات احذروا من المحرمات والمسكرات والملهيات والمغريات وما عليه الكفار أهل النار.

          إن العاقل من الرجال دائماً يوصي, يوصي أولاده بالرجولة يوصيهم بالطاعة يوصيهم بالاجتهاد , يوصي أهله يوصي جيرانه دائماً يوصي حريص على الخير , والله تعالى يوصينا , ماهي وصية الله , هل الله أوصى , الله سبحانه اوصى الانبياء اوصى الاولين والاخرين بماذا أوصاهم؟ بالتقوى التقوى وصية الله }وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ{ ]سورة النساء:131[.

          ثم يقول سبحانه بعد الوصية مباشرة ( وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ )

          (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ).. تنظر إلى أين؟ تلتفت إلى أي جهة؟

          تنظر في اعمالها.. تنظر في إيمانها.. تنظر في حسناتها..

          تنظر في تقواها.. تنظر ماذا عندها..تنظر ماذا جمعت, وماذا اعدت , وماذا كسبت , وماذا جهزت لكي تقدمه وتعرضه على الله في يوم غدٍ,} وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ{ وماهو غدٍ؟ هل هو يوم السبت ؟ بل هو يوم القيامة , يوم غد في الآية أي: يوم القيامة يوم الحساب يوم الجزاء }يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ{ ]سورة الحاقة:18[ , والله تعالى قال: يوم غد؛لأنه اليوم الآتي , اليوم الذي سيأتي , اليوم الذي تنتظره الخلائق وتبعث فيه وتعرض فيه على الله.

          شيء عظيم أيها الناس دليل قاطع على أن اعمالك الصالحة التي عملتها اليوم وتلقاها غد في يوم العرض على الله ,أنها بعد رحمة الله نجاتك وفوزك , دليل قاطع على أن لا أحد يقدم على الله يوم غد يوم القيامة بنسبه ولا شهاداته ولا بأولاده ولا بماله, لا أحد يغتر بها لا تساوي شيئاً إلا من اتقى الله فيها .

          }إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ, وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ,  وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ , وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ , -علمت نفس ماذا؟- عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ{ ]سورة الإنفطار:1,5[

                                مثِّل وقوفك يوم الحشر عريانا

                                                             مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

                               والنار تزفر من غيظٍ ومن حنقٍ

                                                          على العصاةِ وتلقى الرب غضبان

                             اقرأ كتابك يا عبدي على مهلٍ

                                                         فهل ترى فيه شيئاً غير ما كانا

           

          يا حي ياقيوم برحمتك نستغيث لا تكلنا إلى اعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين, اللهم اجعلنا من المتقين ومن عبادك الصالحين المقربين.

          أقول ماتسمعون...

           

          الخطبة الثانية

          الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.

          عباد لله:

          إن الله تعالى أوصانا في هذه الآية بالتقوى والعمل وجمع الحسنات ليوم غدٍ يوم القيامة إلا لأن الأمر والله اعظم من خيالنا, حتى لا يأتي أحد في ذلك اليوم فيقول : }يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{  ]سورة الفجر:24[, }يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ]سورة الأنعام:27[,}.... رَبِّ ارْجِعُونِ , لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ....{ ]سورة المؤمنون:99,100[

          لا نُعرِّض أنفسنا لهذه المواقف , مواقف صعبة , مواقف مذهلة }يَوْمَ تَرَوْنَهَا –أي القيامة- تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ{ ]سورة الحج:2[

          في يوم غدٍ .. ينتهي الزمان ويفوت الأوان , ويتبعثر الأهل والخلان , تبعثر القبور , وينشر مافي الصدور, تدك الجبال, وتجف الأنهار وتُسجر البحار, وتُبدل الأرض, وتنشق السماء ولا ليل ولا نهار, تنزل الملائكة بأشكالهم وهيئاتهم واقفون صفاً صفا } كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا, وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا  { ]سورة الفجر:21,22[, وتدنوا الشمس ويرتفع العرق وتشخص الأبصار إلى السماء , يجثوا الناس على الركب الأنبياء والأولياء والملوك والوزراء والوجهاء والعلماء , الجميع والكل يقول نفسي نفسي اللهم سلم سلم .

          ويتجلى الله جل جلاله فيراه المؤمنون , ويحجب عنه الكافرون والمنافقون , ثم ينادي يا فلان ابن فلان أنت وأنا, نُدْعَا للعرض على الله ونرى ما قدمنا }يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ{ ]سورة الحاقة:18[ , والناس يقولون }يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا  { ]سورة الكهف:49[.

          عباد الله:

          القصة طويلة ولكن لا تغِب هذه الموعظة عن ناظرينا ولنجعلها تأكل معنا وتشرب حتى نلقى الله بعمل صالح .

          اللهم اجعلنا من المتقين ومن أهل الايمان واليقين, اللهم يمن كتابنا ويسر حسابنا وارزقنا تقوانا .

          وصلوا وسلموا.

          والله اعلم.

          جامع القو 25/1/1440هـ

          جامع النور 28/1/1441هـ

          المشاهدات 1654 | التعليقات 0