ولا يفلح الساحر حيث أتى

د صالح بن مقبل العصيمي
1437/02/05 - 2015/11/17 17:38PM
خُطْبَةُ "وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى"
الخطبة الأولى
إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُـحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). أمَّا بَعْدُ، فَاِعْلَمُوا-عِبَادَ اللهِ- أَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ؛ شَذَّ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ، حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ فِئَةٍ مُفْسِدَةٍ فِي الْمُجْتَمَعِ، شَهِدَ اللهُ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَا تُفْلِحُ حَيْثُ أَتَتْ حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ: السَّحَرَةِ. وَالسَّاحِرُ لَا يُفْلِحُ أَنَّى ذَهَبَ وَفِي أَيِّ طَرِيقٍ سَارَ، شَأْنُهُ شَأْنُ كُلِّ مُبْطِلٍ وَضَالٍّ ، مَهْمَا كَانَ سِحْرُهُ وَبَاطِلُهُ ضَخْماً وَفَخْماً وَمُخِيفاً؛ فَهُوَ فِي النِّهَايَةِ مَدْمُوغٌ وَزَاهِقٌ، وَكَذَا حَالُ مَنْ يَأْتُونَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَلْتَمِسُونَ مِنْهُمْ تَنْفِيسَ أَحْقَادِهِمْ وَأَضْغَاِنِهِمْ، بِالْإِضْرَارِ بِعِبَادِ اللهِ غِلًّا وَحَسَدًا، وَلَا يُفْلِحُ أَيْضًا مَنْ يَلْجَأُ إِلَيْهِمْ مِمَنْ أُصِيبُوا بِالْأَمْرَاضِ، أَوْ ابْتُلُوا بِالْأَسْحَارِ، بَحْثاً مِنْهُمْ عَنْ مَخْرَجٍ وَعِلَاجٍ، وَكَأَنَّ مَنْ لَـجَؤُوا إِلَيْهِمْ لَمْ يَعْلَمُوا، أَو عَلِمُوا، فَنَسَوْا أَوْ تَنَاسَوْا، أَوْ غَفَلُوا أَوْ تَعَامَوا ،عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" فَمَنْ لَا يُفْلِحُ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ سَيُفْلِحُ مَعَهُ غَيْرُهُ؟! إِنَّ مَنْ يَأْتُونَ السَّحَرَةَ ، لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ، أَوْ لِلْإِضْرَارِ بِعِبَادِ اللهِ، أَوْ بَحْثًا عَنِ التَّدَاوِي وَالْعِلَاجِ، قَدْ تَرَكُوا مَا أَنْزَلَهُ اللهُ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالزَّجْرِ وَالنَّهْىِ عَنْ إِتْيَانِ السَّحَرَةِ ، وَرَاحُوا يَتَّبِعُونَ مَا يَقُصُّهُ الشَّيَاطِينُ، وَيُضَلِّلُونَ بِهِ الْعَالَمِينَ، عَجَبًا وَاِلله مِمَّنْ يَتَعَلَّمُونَ السِّحْرَ وَيُعَلِّمُونَهُ النَّاسَ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَا يَأْتُونَهُ هُوَ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَمَا يَأْتِي أَحَدٌ لِيَتَعَلَّمَ السِّحْرَ، إِلَّا وَيُخْبَرَ بَأَنَّ مَا يَتَعَلَّمُهُ يَقْتَضِي الْكُفْرَ بِاللهِ، قَالَ تَعَالَى :" وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ "، وَمَعَ ذَلِكَ يُصِرُّونَ عَلَى تَعلُّمِ السِّحْرِ الَّذِي يَضُرُّهُمْ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ ، فَهُم لَا يَتَعَلَّمُونَ إِلَّا الْأَذَى وَالشَّرَّ، وَالْإضْرَارَ بِعِبَادِ اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:"فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه "، وَهُمْ يَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُ مَهْمَا أَعَانَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بإذن الله ، قَالَ اللهُ تَعَالَى :" وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ " فَحَتَّى الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ إِنْ أَرَادُوهُ، فَلَنْ يَتَحَقَّقَ إِلَّا بإِذْنِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، أَوَ مَا عَلِمَ السَّحَرَةُ أَنَّ ضَرَرَ مَا يَتَعَلَّمُونَهُ وَشَرَّهُ ، وَوَبَالَهُ يَقَعُ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ؟ قَالَ تَعَالَى:" وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ "؛ حَيْثُ اشْتَرَوْا الكُفْرَ، وَضُرُّهُ خَالِصٌ لَا نَفْعَ فِيهِ أَبَدًا؛ بِالإِيمَانِ فَإِنَّ الَّذِي يَشْتَرِي السِّحْرَ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَقَدْ دَفَعَ كُلَّ رَصِيدِهِ وَنَصِيبِهِ مِنَ الْخَيْرِ، ثَمَناً لِهَذَا السِّحْرِ، قَالَ تَعَالَى:" وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خلَاقٍ" فَبِئْسَ مَا بَاعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَلَوْ تَأَمَّلُوا فِي حَقِيقَةِ الصَّفْقَةِ، وَمَبْدَأِ الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ؛ لمَا فَعَلُوهُ لَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ. وَيَكْفِي أنَّ مَا شَرَوْهُ هُوَ الْخَيْبَةُ وَالْخُسْرَانُ؛ قَالَ تَعَالَى:" ولَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ"0أَمَا كَانَ أَجْدَي لَهُمْ أَنْ يَتَّقُوا، وَيُعْرِضُوا عَنْ هَذَا السِّحْرِ، وَيَسْتَجِيبُوا لِأَمْرِ اللهِ، حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى:" وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ " سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ هَذَا السِّحْرِ غَيْرَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ؛ وَالْابْنِ وَأَبِيهِ، وَالْخَلِيلِ وَخَلِيلِهِ؟!
عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ عَظُمَ الضَّرَرُ، وَاشْتَدَّ الْخَطْبُ، مِنْ هَؤلَاءِ الْمَفْتُونِين الْفَاتِنِينَ، الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَي، فَخَرَجُوا مِنْ وَلَايَةِ اللهِ، وَوَقَعُوا تَحْتَ وَلَايَةِ الشَيْطَانِ، أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِلَى ذُلِّ الشَيْطَانِ. فَهُنَاكَ مَنْ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَصْبَحَ سَاحِرًا، سَيُصْبِحُ كُلُّ شَيْءٍ بِمَقْدُورِهِ، وَأنَّهُ سَيَمَلُكُ نَاصِيَةَ السَّعَادَةِ بِيَدِهِ، وَيُصْبِحُ الْعَالَمُ كُلَّهُ رَهْنَ إِشَارَتِهِ، فَيُحَقِّقَ لِنَفْسِهِ كُلَّ آمَالَهَا؛ وَمَا أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، َويُهَيْمِنَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ؛ إِلَّا وَيَتَفَاجَأُ بِأَنَّ مَا كَانَ يَظُنُّهُ وَيَتَمَنَّاهُ، لَمْ يَكُنْ إِلَّا خَيَالَاتٍ وَأَوْهَامًا ، فَقَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِعَدُوِّهِ الْأَوَّلِ، الَّذِي حَذَّرَهُ اللهُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ "، وَمَا أَنْ يُقِرُّوا بِالْكُفْرِ، وَيَتَعَلَّمُوا السِّحْرَ؛ حَتَّى تَسْتَحْوِذَ عَلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ فَيَسُومُونَهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، فَيَزْدَادُوا فَقْرًا إِلَى فَقْرِهِمْ، وَهَمًّا إِلَى هَمِّهِمْ؛ فَمَا رَأَيْنَا أَفْقَرَ وَلَا أّذَلَّ وَلَا أَتْعَسَ حَيَاةً مِنْ السَّحَرَةِ. وَالسَّحَرَةَ فِي غَالِبِ أُوْقَاتِهِمْ فِي بُيُوتِ الْخَلَاِء، وَفِي الْخَرَابَاتِ، لَا َيَهْنَؤُونَ بِعَيْشٍ، وَلَا بِنَوْمٍ، وَلَا َيلْتَذُّونَ بِطَعَامٍ وَلَا ِبشَرَابٍ، وَلَا يَرْتَاحُ لَهُمْ بَالٌ؛ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ سَتَنْقَادُ لَهُمْ حِينَمَا يُطِيعُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ انْقَادُوا لِلشَّيَاطِينِ؛ فَأضَرُّوا بِهِمْ وَأَذَلُّوهُمْ ؛ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ سَتُحَقِّقُ لَهُمْ طَلَبَاتِهِمْ وَتُلَبّـِي لَهُمْ رَغَبَاتِهِمْ؛ لَكِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَصْبَحُوا جُنُودًا لِلشَّيَاطِينِ ، كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ سَيَجِدُونَ رَاحَةَ الْبَالِ عِنْدَ الشَّيَاطِينِ؛ لَكِنَّهُمْ مَا وَجَدُوا إِلَّا الذُّلَّ وَالْهَوَانَ وَالصَّغَارَ، وَخَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (ذَلِكَ هُوَ الْـخُسْرَانُ الْـمُبِينُ)؛ فَمَهْمَا كَانَتْ حَيَاةُ السَّاحِرِ تَعِيسَةً قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ السِّحْرَ، فَهِيَ أَهْنَأُ وَأَطْيَبُ وَأَرْغَدُ مِنْ حَيَاتِهِ بَعْدَ أَنْ تَعَلَّمَهُ؛ وَمَهْمَا كَانَ بُؤْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ السِّحْرَ؛ فَبُؤْسُهُ بَعْدَ أَنْ تَعَلَّمَهُ أَشَدُّ وَأَنْكَى؛ فَالشَّيَاطِينُ لَا تُمَكِّنُ السَّحَرَةَ مِنْ أَنْ يَتَلَذَّذُوا بِحَيَاتِهِمْ ، وَإِنَّمَا تُرِيدُهُمْ جُنْدًا مُسَخَّرينَ لَهُمْ، لِلْإِضْرَارِ وَالْإِفْسَادِ، فَلَا وَقْتَ عِنْدَ الشَّيَاطِينِ لِأَنْ يَتَمَتَّعَ السَّحَرَةُ بِمَلَذَّاتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمِهَا.
عِبَادَ اللهِ، الْـحَذَرَ الْـحَذَرَ! مِـمَّنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ السَّحَرَةِ، وَيَلْجَؤُونَ إِلَيْهِمْ، وَغَالِبُهُمْ يَلْجَأُ لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ، فَتِلْكَ ذَبَحَتْهَا الْغَيْرَةُ ِمْن مَحَبَّةِ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ، فَقَادَهَا الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ إِلَى السَّحَرَةِ، وَسَلَّمَتْ لَهُمْ دِينَهَا وَدُنْيَاهَا وَمَالَهَا وَرَقَبَتَهَا مُقَابِلَ أَنْ تَصْرِفَ مَحْبُوبًا عَنْ مَحْبُوبَتِهِ، دَفَعَتْ دِينَهَا وَدُنْيَاهَا، أَوْ دَفَعَ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ، لِيَصْرِفَ عَنْ غَيْرِهِ مَا يَهْنَأُ بِهِ مِنْ حَيَاةٍ ؛ وَهؤلاء فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِمْ لَا يُوَفَّقُونَ وَللهِ الْحَمْدُ وَلَكِنَّهُمْ وَقَعُوا فِي شِرَاكِ أَعْمَالِهِمْ وَحَبَائِلِ مَكْرِهِمْ ؛ فَاسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ، وُقَدْ يَنْجَحُ بَعْضُهُمْ فِي مُهِمَّتِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ نَجَاحًا يَسِيرًا بَعْدَ أَنْ دَفَعَ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ ثَمَنًا لَهَا؛ فَيَنْجَحُ مَعَ الشَّيَاطِينِ بَعْدَ إِرَادَةِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ فِي صَرْفِ زَوْجَةٍ عَنْ زَوْجِهَا، وَإِثَارَةِ الرِّيبَةِ وَالشَّكِّ وَالْقَلَاقِلِ بَيْنَهُمْ فَتَتَحَوَّلُ حَيَاتُهُمْ إِلَى كَدَرٍ وَنَكَدٍ وَشِجَارٍ وَشِقَاقٍ، وَقَدْ يَنْجَحُ بَعْضُهُمْ فِي رَبْطِ زَوْجٍ عَنْ زَوْجَتِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُعَاشَرَتِهَا، وَبَعْضُ مَنْ يَلْجَأُ إِلَى السَّحَرَةِ، لِيَصْنَعُوا السِّحْرَ الَّذِي يَتَضَرَّرُ مِنْ جَرَّائِهِ الْـمَسْحُورُ؛ الَّذِي يَحْسُدُونَهُ عَلَى صِحَّتِهِ وَمَالِهِ، وَيُنْفِقُونَ دِينَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لِحِرْمَاِنهِ مِنْهُمَا، فَتَتَكَدَّرُ حَيَاةُ هَذَا الصَّحِيحِ السَّلِيمِ. وَيَلْجِأُ إِلَى السَّحَرَةِ، مَنْ يَطْلُبُونَ عَطْفَ زَوْجٍ إِلَى زَوْجَتِهِ، أَوْ رَبْطِ مَحْبُوبَةٍ بِـمَحْبُوبِـهَا أُوِ الْعَكْسِ، وَلَا َينْجَحُ مِنْهُمْ إِلَّا النَّذْرُ اليَسِيرِ– وَللهِ الْـحَمْدُ وَالْمِنَّةُ- وَلَوْ نَجَحُوا فَإِنَّ هَذَا النَّجَاحَ مُؤَقَّتٌ سَرْعَانَ مَا يَزُولُ وَيَتَبَدَّدُ، فَمَتَى عُهِدَ للشَّيْطَانِ أَمْنُ وَأَمَانٌ ؟! وَمَهْمَا دُفِعَ للسَّحَرَةِ مِنْ دِينٍ وَمَالٍ فَلَا يَشْبَعُونَ أَبَدًا، فَهُمْ لَا يَتْـرُكُونَ مَنْ تَعَامَلَ مَعَهُمْ عَلَى حَالِهِ؛ وَهُمْ يَظَلُّونَ يَتَوَاصَلُونَ مَعَهُ رَغْمًـا عَنْهُ؛ لِيُكَدِّرُوا عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَصَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)، وَهُنَاكَ مَنْ يَلْجَأُ إِلَى السَّحَرَةِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ وَالْعِلَاجِ مِنْ أَمْرَاضٍ أَوْ سِحْرٍ؛ فَيَزِيدُونَهُ أَمْرَاضًا عَلَى مَرَضِهِ، وَقَدْ يَنْجَحُ الْبَعْضُ مِنْهُمْ بِنِسْبَةٍ يَسِيرَةٍ؛ وَلَكِنَّهُ نـَجَاحٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ دُنْيَوِيٌّ، فَاللهُ ابْتَلَاهُ بِالْـمَرَضِ فَلَمْ يَصْبِرْ، وَلَوْ صَبَرَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ جَيِّدٍ. وَمَنْ سُحِرَ فَعَلَيْهِ بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ يَرْقِى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْقِيَهُ غَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ الْحَذَرُ مِنْ الذِّهَابِ إِلَى الدَّجَّالِينَ، خَاصَّةً أَنَّ بَعْضَهُمْ يُظْهِرُ أَنَّه ُمِنَ الرُّقَاةِ، بَيْنَمَا هُوَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، كَذَلِكَ عَلَيْهِ بِالتَّدَاوِي بِالْعِلَاجَاتِ الطِّبِّيَّة النَّافِعَةِ، وَمُلَازَمَةُ الْأَذْكَارِ فَهِيَ حِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ؛ أَوْ إِتْيَانَ السَّحَرَةِ، وَمَنْ فِي رِكَابِهِمْ كَالْكَهَنَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ وَالدَّجَالِيـنَ؛ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْكَبِيرَةِ، وَالْمُوبِقَاتِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي تَحِيدُ بِـمُرْتَكِبِيهَا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّقِىَ اللهَ فِي نَفْسِهِ، وَأَنْ يَحْذَرَ مِنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ الْفَجَرَةِ، أَوْ أَنْ يَتَعَاوَنَ مَعَهُمْ، وَعَلَيْهِ أَلَّا َيتَرَدَّدَ فِي الْإِبْلَاِغ عَنْهُمْ، فَالتَّحْذِيرُ مِنْهُمْ وِالْإِبْلَاغُ عَنْهُمْ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ، وَمِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ0
حَمَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الْأشْرَارِ، وَكَيْدِ الفُجَّارِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.



الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). أمَّا بَعْدُ ... عِبَادَ اللهِ، فَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ السَّحَرَةَ مَهْمَا بَلَغَ كَيْدُهُمْ وَمَكْرُهُمْ، عَلَيْنَا أَنْ نُوقِنَ يَقِينًا جَازِمًا بِمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى :" إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ " وَقَوْلُهُ تَعَالَى: " مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ " وَعَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ، فَهَذِهِ لَابُدَّ أَنْ تَكُونَ عَقِيدَةً رَاسِخَةً فِي قُلُوبِنَا، كَما عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي تَقِي وَتَحْمِي الْمُسْلِمَ مِن السِّحْرِ وَالسَّحَرَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أَوَّلاً: قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِالْبَيْتِ، فَيَنْبَغِي لِأَهْلِ كُلِّ بِيْتٍ أَنْ يُـحَصِّنُوا بُيُوتَهُمْ بِتِلَاوَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَفَضْلُ قِرَاءَتـِهَا فِي الْبُيُوتِ عَظِيمٌ؛ لقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ثَانِيًا : مُلَازَمَةُ أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَوَقْتُ أَذْكَارِ الصَّبَاحِ مِنْ َبعْدِ أَذَانِ الْفَجْرِ، وَالْأَفْضَلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَذْكَارُ الْمَسَاءِ الْأَفْضَلُ لَهَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَا َبأْسَ بِأَدَائِهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، كَذَلِكَ مُلَاَزَمةُ الْأَذْكَارِ الَّتِي تُقَالُ قَبْلَ النَّوْمِ، وَخَاصَّةً آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لِلْحَدِيثِ :"فَمَنْ قَرَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَلَا يَزَالُ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ حَافِظ ٌ ، وَلَا يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُـحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِـرِّ وَالتَّــقْوَى. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ انصُرِ الْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ يُـجَاهِدُونَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللهُمَّ انصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكِ وَعَدُوِّنَا، اللهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِيـنَ، اللَّهُمَّ اخلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْـرًا، اللَّهُمَّ انصُرْ قُوَّاتِ التَّـحَالُفِ عَلَى الْـحُوثِـيِّينَ الظَّلَمَةِ نَصْرًا مُؤَزَّرًا . اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَـمْـكُمُ اللهُ.
المرفقات

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

غير مشكولة .docx

غير مشكولة .docx

المشاهدات 1773 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا