ولا تبطلوا أعمالكم .. خطبة قصيرة

أحمد السويلم
1433/10/06 - 2012/08/24 04:37AM
الحمد لله ..
أما بعد : فقد من الله على عباده بمواسم مباركات، يتزودون فيها من الحسنات، ويتقربون بأنواع القربات، وكان رمضان وانقضى، وذهب ببعض أعمارنا ومضى، فموفق لربه مقرب، فاز بثوابه، وعَتَقَ من ناره وعقابه، ومخذول محروم، فرط في رمضان فخسر، وأعرض عن غيث الرحمة المنهمر، وقد دعا الروح الأمين وأمن عليه نبينا الأمين: (( رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقال النبي ج آمين )) .
أيها الناس: كنتم في شهر البر والخير، تصومون نهارَه، وتقومون ليلَه، وتتقرَّبون إلى ربكم بأنواع القربات طمَعًا في الثواب وخشيةً من العقاب، فتلك الأعمال الصالحة التي قدمتموها كسب عظيم، وربحٌ مبين، فهل يعمد العاقل إلى ربحه فيبطله! أو إلى كسبه فيهمله !؟
إنه لو كان لأحدنا مال نفيس عنده لجعله في حرز وصيانة، أو ابتغى لحفظه ذا مروءة وأمانة، أ فيكون ذلك الحرصُ في الدنيا وهي زائلة، ولا يكون ذلك في أمر الآخرة وهي الباقية؟!
والله تعالى ينهى عباده فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}أي: حسناتكم بالمعاصي والكبائر، قاله الحسن البصري رحمه الله .
إن التوفيق للصيام والقيام، وتلاوة كتاب الله على الدوام، تستوجب من العبد شكرًا وذكرًا، ووجلًا من عدم القبول وحذرا، فأما مقابلة تلك النعمة بالانتكاسة في المعاصي فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرا !
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ}
المؤمن أخوف على عمله الصالح أن يخرق، وأجره الذي حصَّله أن يسرق .. منه على درهمه وديناره .
كان بعض السلف يسأل الله أن يحفظ أعماله الصالحة كما يسأله التوفيق لها والإعانة عليها.
عباد الله : دخلنا رمضان مستويين وخرجنا منه أشتاتًا مختلفين، فالعاصي فرح بانقضاء الشهر وأثقاله، والمؤمن خائف من تقصيره فيه وإخلاله .. وهيهات ما بينهما !
{إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} .
روى الترمذي ، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي ج قالت:سألت رسول الله ج عن هذه الآية (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة)قالت عائشة ل: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
قال الحسن :: لقد أدركنا أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها .
أيها المؤمنون: من عمل طاعة من الطاعات و فرغ منها فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية .
ما أحسن الحسنة بعد السيئةِ تمحوها، وأحسنُ منها الحسنةُ بعد الحسنةِ تتلوها .. و ما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها .. ذنب واحد بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها .. فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة، وما أفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة .
إن الاستقامة على الطاعة بعد رمضان لدليل على صدق العبد مع ربه، ورغبته في ما عنده، فالإيمان لا يثبت إلا بالاستقامة، وفي الحديث ((قل آمنت بالله ثم استقم)) أخرجه الإمام أحمد .. فإذا استقام العبد على أمر الله ودينه فقد نال البشارة الربانية والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة .
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } .
فنسأل الله الاستقامة على الطاعات، والثبات عليها حتى الممات، ونعوذ بالله من تقلب القلوب، ومن الحور بعد الكور.
أقول ما تسمعون ..


الخطبة الثانية

الحمدلله ..
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واستقيموا على أمر ربكم، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون .
ثم اعلموا أنه إن انقضى شهر الصيام والقيام تلاوة القرآن فقد شُرِع لكم في غيره من النوافل ما يتمم نقص أعمالكم، ويسد خلل طاعاتكم، ويقربكم إلى ربكم وجنته ومرضاته .
فشرع لكم نبيكم من نافلة الصيام ستًا من شوال، فعن أبي أيوب عن النبي ج قال: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ » أخرجه الإمام مسلم.
و صيام الاثنين والخميس، قال النبي ج: « إن الأعمال تعرض فيها على الله، وأحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم»، وأوصى نبيُّنا ج أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقال: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله" متفق عليه.
وقيام الليل مستحب في كل ليالي السنة، وأقله ركعة، ولا ينبغي للمؤمن أن يعتاد تركه، قال الإمام أحمد رحمه الله: من تعمد ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل شهادته !
في الحديث: «عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وإن قيام الليل قربة إلى الله تعالى ، وتكفير للسيئات ، ومنهاة عن الإثم ، ومطردة للداء عن الجسد » أخرجه البيهقيوغيره .
و أخرج أبو داود والترمذي عن النبي ج أنه قال:« يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ » .
ولئن مضى شهر القرآن، فإن المؤمن لا ينفك عن تلاوته والعمل به في غيره من الأزمان، أفيليق بنا أن نهجره وقد كان الأنيس الذي لا يمل في رمضان ! أو قد أراد الله منا تعاهده وتدبره في آن دون أوان !{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} .
الموفق من لزم كتاب ربه، وأقبل عليه بقلبه ولبه، وصفحات يسيرات يلزمها المؤمن يشغل بها بعض وقته كل يوم ونعم الشغل كتاب الله- خير له من الدنيا وحطامها {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
ألا فاتقوا الله عباد الله و«سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا إِلَى اللهِ وَإِنْ قَلّ».
ثم صلوا وسلموا على نبيكم ..
المشاهدات 5073 | التعليقات 1

وهذا هو ملف الخطبة ( وورد) .

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/3/8/ولا%20تبطلوا%20أعمالكم-1.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/3/8/ولا%20تبطلوا%20أعمالكم-1.doc