ولايةُ اللهِ-20-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/08/19 - 2024/02/29 07:53AM

ولايةُ اللهِ-20-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

جاءَ في الحَديثِ القُدُسيِّ: "إِنَّ اللهَ-تَعَالَى-قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وما يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ".

ما أَعظَمَهُ مِن فَضلٍ! أن يُسَدِّدَكَ اللهُ-تَعالى-في سَمعِكَ وبَصَرِكَ ويَدِكَ ورِجلِكَ، ويَستَجيبَ دُعاءَكَ إذا سَألتَ، ويَكفِيَكَ مَا يُؤذِيكَ إذا استَعذتَ، وَلَكنْ: هَلْ أنا وأَنتَ مِنْ هَؤلاءِ الأولياءِ، الذينَ لَهُم هَذا المَقامُ والاصطِفَاءُ؟

هَؤلاءِ لَيسَ لَهُم قُدُراتٌ خَارِقةٌ، وإنما هُم قَومٌ وَصَفَهم اللهُ-تَعالى-بِقَولِهِ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، إنمَا هُو الإيمانُ والتَّقوى في السرِ والعلنِ، والقِيامُ بِفَرائضِ العِبادَاتِ، والمُحَافظَةُ على نَوافلِ الطَّاعَاتِ، فَيَحتَاجُ الإنسانُ أَن يتَرقَّى في دَرَجَاتِ العِبَادةِ، حَتى يَصِلَ إلى أَعلَى مَقَاماتِ السَّعَادةِ، يَقولُ هُشَيْمٌ-رحمه اللهُ تعالى-: "لَوْ قِيلَ لِمَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ-رحمه اللهُ تعالى-: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى الْبَابِ مَا كَانَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الْعَمَلِ"، فَكِيفَ وَصَلَ إلى هَذا المَقَامِ العَالي؟ وأنا وأَنتَ مَا الذي يَحُولُ بَينَنا وبينَ ذلكَ؟

النَّاسُ عِندَ اللهِ-عزَّ وجلَّ-مَقامَاتٌ مُتَفَاوتةٌ، وَقَد اختَارَ مِنهُم أَصحَابَ المَقَامِ الرَّفيعِ، وَأَهلَ الخَيرِ الوَسيعِ، القَائمِينَ بِمَا يُحبُّهُ اللهُ مِن الأقوالِ والأفعَالِ، المَحفُوظينَ بِحفِظِ اللهِ الكَبيرِ المُتَعالِ، فَهو مَعَهم فلا حُزنَ ولا خَوْفَ، يَعصِمُهُم فِي كلِّ حالٍ.

هَلْ أنا وأَنتَ مِن أُولئكَ الذينَ أَعَانَهُم اللهُ-تَعالى-عَلى استِثمَارِ الأَوقاتِ، واغتِنَامِ الصَّحةِ والفَراغِ والشَّبابِ والحَياةِ؟ يَقولُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ-رحمه اللهُ تعالى-: "مَا أَتَيْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ-رحمه اللهُ تعالى-فِي سَاعَةٍ يُطَاعُ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ-فِيهَا إِلَّا وَجَدْنَاهُ مُطِيعًا، إِنْ كَانَ فِي سَاعَةِ صَلَاةٍ وَجَدْنَاهُ مُصَلِّيًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَاعَةَ صَلَاةٍ وَجَدْنَاهُ مُتَوَضِّئًا، أَوْ عَائِدًا مَرِيضًا، أَوْ مُشَيِّعًا لِجِنَازَةٍ، أَوْ قَاعِدًا فِي الْمَسْجِدِ، فَكُنَّا نَرَى أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يَعْصِي اللَّهَ-عَزَّ وَجَلَّ-"، فَلِماذا لا أكونُ أنا وأَنتَ مثلَ ذَلِكَ الرَّجلَ؟ ومَاذا يَمنَعُنا أَن نفعَلَ كَما فَعَلَ؟

أَخبِرني عِندَما تَفتَحُ عَينَيْكَ مِنَ النَّومِ، مَاذا يَخطُرُ بِبَالكَ، هل تحمدُ اللهَ أن أحياكَ يومًا آخرَ تزدادُ به خيرًا وطاعةً؟ وتتقرَّبُ به إلى اللهِ ساعةً بعدَ ساعةٍ؟ وتقولُ: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحياني بعدَ ما أَمَاتَني وإِليهِ النُشُورُ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ".

سلْ نَفسَكَ: ما الهَمُّ الحَقيقيُّ الذي تحملُه في هذا اليومِ الجَديدِ؟ هَل هو همُّ الدُّنيا والشَّهواتِ الزَّائلةِ، أم همُّ الآخرةِ وما فيها من اللَّذاتِ الهائلةِ؟ قَالَ رسولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ"، عِندَمَا تَكونُ مَعَ اللهِ فِي سَكَنَاتِكَ وحَركَاتِكَ، وَأَنفَاسِكَ وخَطَراتِكَ، فَإنَّكَ سَترى الحياةَ بِأَجملِ ألوانٍ، لا يَستَطيعُ وَصفَها اللِّسانُ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فهل تُراقبُ اللهَ في أَعمالِكَ وأَقوالِكَ، في لَيلِكَ وَنَهارِكَ، فتكونُ مِفتَاحًا للخيرِ مغلاقًا للشرِ، تَنفعُ نَفسَكَ وغيرَك، مِمن قَالَ فيهم رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ".

هَل أنا وأَنتَ مِن أَولياءِ اللهِ الذينَ يُحِبُّونَ الإيمانَ وَأَهلَه؟ وَيَكرَهُونَ العِصيانَ وَأهلَه؟ مِمنْ قَالَ اللهُ-تَعَالى-فيهم: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)، هَل تُحبُّ للمُؤمنينَ مَا تُحبُّ لِنَفسِكَ؟ تَفرحُ لأفراحِهم، وَتَحزنُ لأحزانِهم، تُشاركُهم المَشَاعرَ والإحساسَ، وَتَرجو لهم السَّعادةَ وَرَفعَ البأسِ، مُستشعرًا قَولَ الرسولِ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".

أخي: فَتشْ في نَفسِكَ، وانظر مَا الذي يَملأُ وَقتَكَ؟ مَا الذي يُشغِلُ بَالَكَ، مَاذَا تُحبُ؟ مَاذَا تَكرهُ؟ مَنْ تُصَاحِبُ؟ مَا هِيَ مَجالِسُكَ؟ مَاذا تَسمعُ؟ مَاذا تُبصرُ؟ مَاذا تَقولُ؟ مَاذا تَقرأُ؟ فيمَ تُفَكِّرُ؟ فَالأيامُ تَسيرُ، وَالعُمُرُ قَصيرٌ، تقرَّبَ إلى اللهِ بِتَقواهُ، وسَلْهُ دائمًا هُداهُ، (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، فَإذا هَدَاكَ اللهُ وَاصطَفَاكَ، وَوَفَّقكَ واجتباكَ، وَسدَّدَ جَوارحَكَ، وَجَعَلكَ مِن أوليائهِ، حِيَنَها سيَطمَئنُ قَلبُكَ، وترتَاحُ نَفسُكَ، فَتَعيشُ سَعيدًا، كَأَنَّك في الجنةِ، وتَموتُ حَميدًا، قالَ شيخُ الإسلامِ أحمدُ ابنُ تيميةَ-رحمه الله تعالى-: "إنَّ في الدُّنيا جَنَّةً مَنْ لم يَدخلْها لم يَدخُلْ جَنَّةَ الآخرةِ".

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

فَرِّجْ همَّهم، ويَسِرْ أَمرَهم، وأَمِّنْ خائِفَهم، وأَطعمْ جائِعَهم، وفُكَّ أسيرَهم، وداوِ جريحَهم، اللهمَّ أبدلْ خَوفَهم أمنًا، وحَربَهم سِلمًا، وذِلَّهم عِزًّا، وفَقرَهم غنىً.

اللَّهُمَّ نَصْرًا تُعِزُّ بِهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهِ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ.

اللَّهُمَّ اغفرْ لآبائِنا وأمهاتِنا والمسلمينَ، وتَوفَّنا وأنتَ راضٍ عنَّا.

اللَّهُمَّ اجعلْنا والمسلمينَ ممن إذا أُعطيَ شَكرَ، وإذا ابتليَ صَبرَ، وإذا أَذنبَ استغفرَ، من عِبادِكَ المتَّقينَ، وحِزبِكَ المفلحينَ، وأوليائِكَ الصَّالحينَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1709290173_ولايةُ اللهِ-20-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1709290173_ولايةُ اللهِ-20-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 494 | التعليقات 0