وكونوا مع الصادقين | د. محمد العريفي

وكونوا مع الصادقين

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ تعالى من شرورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه ، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له جَلَّ عن الشبيهِ والمَثيلِ والكُفْءِ والنظير ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وخليلُه وخيرَتُهُ من خلقِهِ وأمينُه على وحيهِ أرسلَهُ رَبُّهُ رحمةً للعالمين وحُجَّةً على العبادِ أجمعين ، فهدى اللهُ تعالى بهِ من الضلالَة ، وبَصَّرَ بهِ من الجَهالَةِ ، وكَثَّرَ بهِ بعدَ القِلَّة ، وأغنى به بعدَ العَيْلَة ، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعلى آلهِ الطيبين وأصحابهِ الغُرِّ المَيامين ما اتَّصَلَتْ عَينٌ بِنَظَر ، و وَعَتْ أُذُنٌ بِخَبَر ، وسلَّم تسليماً كثيراً أما بعد :

أيها الإخوة المؤمنون:
لقد بعثَ اللهُ تعالى نبيَّه صلى الله عليه وآلهِ وسلم بعددٍ من الصفاتِ الكاملة ، وأمرَ اللهُ تعالى المؤمنين أن يَتَحلَّوا بها ، وذمَّ الله تعالى من تركها أو اتَّصفَ بخلافِها وضِدِّها ..
وإنَّ من أعظم هذه الصفات : تلك الصفة العظيمة التي تجعل الإنسان مُباركًا في حياته ، مُباركًا في مآله ، محبوبًا بين الناس ، تجعلُ الإنسانَ موضعَ ثِقةٍ مع من يتعاملون معه، تلك الصفةُ العظيمة التي يُطبع عليها المؤمنُ ولا يُطبع على ضدها أبدًا ..
تلك الصفة العظيمة ،التي إن تركها الإنسان اتصف بصفات المنافقين، وترك صفاتِ المؤمنين ...
تلك الصفةُ يحبُّها الله تعالى ، ويحبها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
وقد أمرَ الله تعالى المؤمنين بأن يَتَّصِفوا بها  ، فقال الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة/119]  ..
ولما أرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم رسالةً الى هرقل يدعوهُ فيها إلى الإسلام وتَرْكِ عبادةِ الأوثان ، دعا هرقلُ من كان موجودًا من العرب حتى إذا وقفَ بينَ يديهِ أبو سفيان , وذلك قبل أن يُسلمَ أبو سفيان رضي الله تعالى عنه
سأل أبا سفيان بماذا يأمرُكم هذا النبي الذي بُعث إليكم ، فوجدَكم تَئِدون البنات ، وتعبدون الأصنام ،وتُعظمون الأوثان ،بماذا يأمركم ؟
فقال له أبو سفيان :يأمرُنا بالصلاة ، والزكاة ،والصدق ،والعفاف ،والصلة 
فقرن الصدقَ مع العِفَّةِ عن الزِّنا والحرام ، وقرنه مع صلَة الأرحام ،وقَرَنَه مع الصلاةِ والزكاة ...
وذلك لِعَظَمِ مَنزِلَته عند ربنا جلَّ وعلا ..
والصدقُ يُحبُّه الله تعالى ، ألم تَرَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم لما جيءَ إليه بماءٍ فَغَمَسَ يدَه فيه ، فأخذَ مَن كان عنده مِن الصحابةُ رضي الله تعالى عنهم هذا الماءَ فَاحْتَسَوْهُ فقال صلى الله عليه وسلم : ما دَفَعَكم إلى ما فعلتم ؟ قالوا) : حُبُّ اللهِ ورسولِهِ (، فقال عليه الصلاة والسلام : «فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُحِبَّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَحْسِنُوا جِوَارَ مِنْ جَاوَرَكُمْ» رواه الطبراني في المعجم الأوسط.
إن تَحدَّثتَ مع رفيقِك ، مع مُوَظَّفٍ عندَك ، مع شريكٍ لك في تِجارةٍ مع زَوجَتِك ، مع أبنائِك ، مع أبيك ، مع أمِّك ...إن تَحَدَّثْتَ عندَ قاضٍ يَفصِلُ الخُصومات ،على أي حال ...قال:  "أدوا إذا اؤتمنتم ، واصدقوا إذا حدثتم ، وأحسنوا جوار من جاوركم"

أيُّها الإخوةُ المؤمنون :

الصدقُ يجعلُ الإنسانَ مُباركًا ، يقولُ عليه الصلاة والسلام :"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا" ثم قال: "فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا" متفق عليه.

 ومثلُ البيعِ والشراءِ، الزواجِ .. فينبغي أن يَصدُقَ الإنسانُ معَ مَن يَخطِبُ منهم فإذا سألوهُ عن وظيفتهِ، سألوهُ عن أصدقائِه سألوه عن حالهِ المادَّي ، سألوه عن أمورهِ الاجتماعية ، سألوه عن تاريخهِ السابق .. عليه أن يَصدُقَ معهم لأجلِ أن يُبارِكَ  الله زواجَه وزوجتَه...أما إذا دخل عليهم وقد كَتَمَ وكذَب ...كذبَ في أمورٍ سألوهُ عنها ، وكتمَ أشياءَ لم يسألوه عنها ،وهو يَعلمُ أنها مُهمةٌ أن يعرفوها عنه ، فيقولُ في نفسهِ مادامَ أنهم لم يسألوني إذًا سأكتُمُ ذلك ، وإذا سألوهُ عن أشياءَ أخرى كذبَ عليهم ، أو ربما صدقَ فيها لكنه كتمَ ...هنا تُنزَعُ البَرَكة. 
وكذلك الموظف إذا قدَّم على دائرةٍ ليتوظف، وكذلك من أراد أن يعملَ مع أحدٍ في تِجارةٍ ، أو من أرادَ أن يَطلُبَ العِلمَ ، كلَّما كانَ الإنسانُ صادِقًا معَ اللهِ تعالى، ثمَّ صادقًا مع نفسه، صادقًا مع الناسِ، بعيدًا عن الكَذِبِ ؛ عندَها يُبارَكُ لهُ في كلِّ شيءٍ يَعملُه.

أيُّها الأحبة الكرام :

الصدقُ هو التجارةُ الرَّابِحة ألم تَسمعْ إلى قولِ النبي صلى الله عليه وآلهِ وسلم : " أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ " رواه الإمام أحمد.

 فإذا أدَّى الإنسانُ الأمانةَ، وصدقَ في حديثهِ، وحَسَّنَ خُلُقَهُ معَ الناس ، وصارَ عفيفًا في مَطعَمِهِ لا يَأكل حَرامًا ، ولا يَشرَبُ حرامًا، و يَبتعِدُ عن الآفاتِ المُحَرَّمَةِ وعَفَّ فيما يَدخُلُ إلى جوفه ...عندَها يَقولُ عليه الصلاة والسلام إذا كانت هذه الأربعُ فيكَ فلا عليكَ ما فاتَكَ من الدنيا .

ألم تَرَ إلى الهُدهُدِ لما جاءَ إلى سليمانَ عليه السلام قال له : {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} (النمل/22(
فلما صدقَ الهدهدُ في كلامه مع سليمان؛ أسلمت دَولةٌ كاملةٌ بسببِ رسالةٍ من ذلك الهدهد أوصَلَها إليهم  .

أيُّها الإخوةُ الكرام :
الصدقُ يُكسِب الإنسانَ راحَةَ البالِ، تَجِدُ الإنسانَ إذا أَخَذ في أمر من أُمور الدنيا ، دخل في موضوعِ زواجٍ أو في وظيفةٍ ، أو ربما قدِمَ على تجارةٍ مُعيَّنةٍ مع رفيقٍ له، وقد كذبَ في بعضِ الأمورِ لن تَجِدَهُ مُرتاحًا أبدًا، وتَجدُهُ دائِمًا مُضطرِبًا ..
لذلكَ يقولُ صلى الله عليه وسلم: "دَعْ مَا يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ"  يعني دَعْ الشيءَ الذي تَشُكُّ فيهِ ولا تَطمَئِنُّ نَفسُكَ إليهِ دَعْهُ وخُذْ غَيرَهُ، قال : "دَعْ مَا يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ" رواه الترمذي وأحمد.

 إذا صَدَقْتَ .. شَعَرتَ بِطُمَأنينَةٍ .
يقولُ عمرُ رضي الله تعالى عنه: لَأنْ يَضَعَنِي الصِّدْقُ - يعني يُدخِلُني في وَرْطَهٍ أو في مُشكِلَةٍ وقَلَّ ما يَفعل، أحَبُّ إلَيَّ من أنْ يَرفَعَني الكَذِبُ وقَلَّ ما يَفعَل"...
دائِمًا الإنسانُ يَرتَفِعُ بالصدقِ، ولا يَرتَفِعُ بالكَذِبِ فيقول: حتى لو أنني صدقتُ فدخلتُ في مُشكلةٍ، أو أساءَ الظنَّ بي مَن أمامي، يقولُ هذا أحبُّ إلَيَّ مِن أن أكذِبَ وأن أخرُجَ منها .


أيها الإخوة الكرام:

الصدوقُ هو أفضلُ الناس، لمَّا سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم
قيلَ ..يا رسولَ الله من أفضل الناس ؟؟؟
قال:  «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»
قيل يا رسول الله، صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟

قال:«هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ» رواه ابن ماجه
لذلكَ كان الأنبياءَ مِن أصدقِ النَّاس ، اسمَعْ إلى وَصْفِ اللهِ تعالى لإسماعيلَ عليه السلام :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (مريم/54)
وما الذي أنجى يوسفَ عليه السلام إلا الصدق لما قال: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِين} فلما ابتُلِيَ يوسف عليه السلام ودخلَ السجنَ، كانت لهُ الرِّفْعَةُ بعدَ ذلك في الدنيا والرفعةُ في الآخِرَة لأنَّه صدقَ ولم يَكذِب.
ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم كان صادِقًا، قبلَ النبوَّةِ، وبعدَ النُبُوَّةِ ..
لذلكَ كانتْ نَظرَةُ قُريشٍ له صلى الله عليه وسلم نَظرَةً مُشرِقَةً من قَبلِ الإسلام .
قال ابنِ عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: لما نزلَتْ قولُ الله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء/214)
رَقَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى صَعَد َالصَّفا ..
وكانَ الصفا في السابِقِ جَبَلاً لم يكن داخِلًا في بناءِ المسجدِ الحرام، وكانت قريشٌ حولَه في أسواقِهم حولَ الكعبةِ
فرقى النبي صلى الله عليه وسلم جبلَ الصفا ثم قال لقريش :"أرأيتم إن أخبرتُكم أنَّ خيلًا في سَفْحِ هذا الجبلِ تُريدُ أن تُغيرَ عليكم أكنتم مُصدَقِّيَّ؟
أي لَو قلتُ لكم هناك خيلٌ خلفَ هذا الجبلِ سوفَ تُغيرُ عليكم الآنَ معَ أنَّكم لم يَصِلْكم خبرٌ من قبلُ ولم تَرَوا غُبارًا، ولم تَسمعوا صَوتًا، وجميعُ القَرائِنِ التي تَدُلُّ على صِدقي غيرُ مَوجودَةٍ، مُجَرَّدُ كلامٍ مني، تُصَدِّقوني أم لا ؟

فقالوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» متفق عليه.

ولما نُبِّئَ عليه الصلاة والسلام في الغارِ ثم رجعَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» قالت له أمُّنا خديجةُ وسألتهُ ما بالُكَ فأخبرَها قالت له: أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا لماذا؟

قالت: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ ، متفق عليه.

 

أيُّها الإخوةُ المؤمنون :

تحروا الصدقُ سواء الصدقُ مع الإخوان و الأصحاب أو الصدقُ في التجارة أو الصدقُ فيما يَتَعَلَّقُ بتَعامُلِكَ مع أولادِك تعامُلك مع زوجتِك فأحرص ألّا يَتعوَّدوا منك أن تَكذِبَ وما أخْيَبَ وأقبَحَ أن يَطَّلِعَ الولدُ الصغيرُ من أبيه على كذبَةٍ .
جلسَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام يومًا مع بعضِ محارمِهِ من النساءِ فدعَتْ صَبيًّا لها فقالت له: تَعالَ أعطيك فقال عليه الصلاة والسلام: تريدينَ أن تُعطيَهُ شيئًا؟ ..قالت : نعم سأعطيهِ تَمرةً ،  فقال عليه الصلاة والسلام «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ» رواه أحمد.

 وقد مدحَ اللهُ تعالى الصادقينَ وبيَّن اللهُ جلَّ وعلا أنَّ جزاءَهم الجنة كما قال سبحانه وتعالى:  {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ثم قال بعد ذلك: { وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} وفي آخرِ الآيةِ ختمها: { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً} لذنوبهم { وَأَجْرًا عَظِيمًا} مُضاعَفًا لِحسناتِهم.

 وقال جلَّ وعلا: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّار} (آل عمران/16\15) طيب ما صفاتُهم؟ قال الله: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار} (آل عمران/17)
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ ما هي هذه الست؟ قال: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ - هذه الأولى- وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ " أخرجه الإمام أحمد في مسنده وهو حديث صحيح.

فإذا ضَمِنَ الإنسانُ هذهِ الست وأولُها قولُه عليه الصلاة والسلام: اصدقوا إذا حدثتم؛ دَلَّ على رِفعةِ قَدرِهِ عند ربِّنا جل في علاه....
لذلك يقول الأوزاعي رحمه الله تعالى: والله لو نادى منادٍ من السماء إنَّ اللهَ قد أباحَ الكذبَ ما كذبتُ ؛ لما يَجرُّهُ من سوءٍ على صاحبهِ.

فحَرِيٌّ بنا أن نَتَخلَّقَ بمثلِ هذه الأخلاقِ  الفاضلة ونتَذكَّرْ قولَ اللهِ تعالى دائما:  { وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}

 

أسألُ اللهَ تعالى أن يجعلَنا من الصادقين ...أسألُ اللهَ أن يجعلنا من الصادقين...وأن يعيذَنا من الفِتَنِ ما ظهرَ منها وما بَطَن ...أقولُ ما تَسمعون وأستغفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم....

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ والشُّكرُ لهُ على تَوفيقِهِ وامتِنانِهِ وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعظيماً لِشأنِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعي إلى رِضوانِه ، صلى الله وسلم وبارك عليهِ وعلى آلهِ وإخوانهِ وخِلَّانِهِ ومن سارَ على نَـهجِهِ واقْتَفى أثَرَهُ واسْتَـنَّ بِسُنَّتِهِ إلى يومِ الدين ،أما بعد :

 أيها الإخوة الكرام:
ومن أعظمِ أنواعِ الصدقِ: الصدقُ مع اللهِ تعالى ، الصدقُ في التوبةِ الصدقُ في العهدِ مع اللهِ جلَّ وعلا.
ذكرَ الإمامُ الترمذي أن أعرابياً أقبلَ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريدُ الجهادَ في سبيلِ الله فخرجَ به النبي عليه الصلاة والسلام في بعضِ المعاركِ فلما انتَهَوا من هذه المعركةِ وجُمِعَتْ الغنائمُ بين يديِ النبي عليه الصلاة والسلام جعل صلى الله عليه وسلم يُوَزِّعُها بين أصحابهِ فلم يَجِدْ هذا الرجل وكان الرجلُ قد خرجَ يَرعى إبل قَومِه فجعلَها النبي صلى الله عليه وسلم عندَ أصحابه فلما جاءَ دفعوها إليه...
قال لهم: ما هذا؟
قالوا: هذا قِسْمٌ قَسَمَهُ لك النبي صلى الله عليه وسلم 
قال: لماذا؟
قالوا: لأنك قاتَلتَ مع المُجاهدين
فأخذَ القِسمَ ومَضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 
قال: يا رسولَ اللهِ ما هذا؟
قال عليهِ الصلاة والسلام: هذا غَنيمَةٌ
قال: يا رسولَ الله ما عَلى هذا اتَّبَعْتُكَ ..إنما اتبعتُكَ على أن أُضْرَبَ بِسَهمٍ من ها هُنا فيخرجَ من ها هنا فقال عليه الصلاة والسلام: "إنْ تَصْدُقِ اللهِ يَصْدُقْكِ"

فلم يَلبَثْ أنْ صاحوا بالأعداءِ ودخلوا المَعركةَ فَجيءَ بهِ في آخرِ المَعركةِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وإذا الرجلُ قد رُمِيَ بسهمٍ في المَوضِعِ الذي أشارَ إليه، فنظرَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إليه فقال: "صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ" ثم كَفَّنَه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّتِهِ، ثم قَدَّمَه فصلى عليهِ فكان مما دَعا له أنْ قال: " «اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ» رواه الترمذي والنسائي .

فإذا كنت صادقاً مع اللهِ في طلبِ ما تريد بلّغك الله مرادك كما قال عليه الصلاة والسلام «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ » رواه مسلم.

 فإن تصدقِ اللهَ في طلبِ رِضاهُ والتَّضحِيَةِ بنفسك في سبيله يَصدُقْكَ ويُعطيكَ اللهُ تعالى ما تَتَمنى...

ومَن صدقَ مع اللهِ، وبذلَ الأسبابَ أعطاهُ اللهُ ما طلبه ، فإنسانٌ يريدُ أن يتوبَ من مَعصِيَةٍ مُعينةٍ، أو فَتاةٌ تريدُ أن تتوبَ من علاقةٍ مُحرَّمَةٍ، أو مُبتَلى بالنظرِ المُحَرَّمِ من خِلالِ شبكةِ الإنترنت أو من خلال الفضائيات أو غيرِها ويعلمُ أنَّ هذا محرمٌ فدعا اللهَ صادقاً : يا ربِّ أعِنِّي على تَركِهِ يا رَبِّ اهدِني للحقِّ يا رَبِّ ... وكانَ صادِقًا في دُعائِهِ مُلتَمِساً لرجائِه عامِلاً بالأسبابِ عندَها نقولُ لهُ كما قال عليه الصلاة والسلام: "إنْ تَصدُقِ اللهَ يَصدُقْكَ"

 

وربُّنا جلَّ وعلا يقول: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم} فلو صَدقوا اللهَ فِعلًا في طلبِ ما عندَهُ لكانَ خيراً لهم، الإنسانُ الذي يَترُكُ المالَ الحرامَ ويقولُ يا رَبِّ أنا تَرَكتُ هذا المالَ الحرامَ لِترزُقَني حلالاً وهو صادقٌ مع اللهِ فليُبشِرْ بالخَير، «مَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئًا لِلَّهِ لَا يَتْرُكُهُ إِلَّا لَهُ إِلَّا عَوَّضَهُ اللهُ مِنْهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ» رواه أبونعيم في الحلية.

 

اللهمَّ  اجعلنا من الصادقين ووفِقنا لفعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحُبِّ المساكين  ، اللهمَّ اغفِرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا اللهمَّ من كانَ منهم حياً فمتِّعْهُ بالصحةِ على طاعتِك واخْتِمْ لنا ولَه بخير ومن كان منهم مَيِّتاً فَوَسِّعْ له في قَبْرِهِ وضاعِفْ له حسناتِه وتَجاوزْ عن سيئاتِه واجمعْنا بهِ في جنَّتِك يا رَبَّ العالمين اللهمَّ أصْلِحْ أحوالَ المسلمين في كُلِّ مكان

  اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ الـمَدينين ، واشْفِ مَرْضَى الـمـُسلِمين .

اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ، ولا همّاً إلا فرّجْته ، ولا دَيناً إلا قضيته ، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته ، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين .

 

       اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.

 

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيد ،

عباد الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

 

سبحانَ ربِّك رَبِّ العِزَّةِ عمَّا يَصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

 

 

المشاهدات 5334 | التعليقات 0