وكان يَصومُ شَعبانَ كُلَّه

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡس وَٰحِدَة وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَآء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبا}.

أما بعد...

اتقوا الله تعالى أيها المسلمون،. وتهيئوا لنفحات رحمته، ومواسم فضله، وسلوا الله بلوغها، وادعوه القبول والبركة فيها.

أيها المسلمون:

شهر رجب هو شهر من أشهر الله الحرم، عظمه الله جل وعلا وأمر عباده بتعظيمه، وشهر رمضان هو شهر البركة والخير والنفحات، تضاعف فيه الأجور، ويعتق الله فيه عباده من النار، وبين هذين الشهرين شهر شعبان، شهر تكثر فيه الغفلة، ويلهى فيه أكثر الناس عن القربة والطاعة.

ولما كان كذلك ندب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الناس إلى صيامه، رفعا للغفلة، وتهيؤا لاستقبال شهر الخير.

عن أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان. فقال -عليه الصلاة والسلام-: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم). رواه النسائي وحسنه الألباني.

أيها المسلمون:

الإكثار من الصيام في شهر شعبان سنة من سنن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة –رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان).

وروى البخاري في صحيحه عنها -رضي الله عنها- قالت: (لم يكن النبي –صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله). أي أكثره.

قال ابن حجر –رحمه الله-: (وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان).

فالإكثار من الصيام هو ما كان عليه هدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في شهر شعبان، رفعا للغفلة، وتهيؤا لشهر الخير، وطمعا في أن ترفع أعماله –صلى الله عليه وسلم- وهو صائم.

ألا فاحرصوا في هذه الشهر وفي غيره من الشهور على اتباع هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-، وترك ما خالف هديه من البدعة والإحداث في الدين، فإذا سمعتم عن طاعة أو قربة خصت في يوم من الأيام أو شهر من الشهور، فاعرضوا ذلك على كتاب ربكم وسنة نبيكم –صلى الله عليه وسلم-، فإن كان له دليل فاتبعوه، وإن لم يكن له دليل فإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار..

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولك من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم


 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا وحده لا شريك تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد ...

فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون، واعلموا أنما هي أيام وشهر ويهل على المسلمين هلال رمضان، بنفحاته وخيره، وإن التهيؤ لمواسم الخير، والاستعداد لاستقبالها هو من تعظيمها، وإن خير ما يستقبل به شهر رمضان هو التهيؤ له، وإن من التهيؤ لشهر رمضان كثرة الصيام اتباعا لهدي رسول الله –صلى الله عليه- وسلم-، وتمرينا للجسد على الانقطاع عن الطعام والشراب، ليبدأ موسمه بعزيمة ونشاط، متجاوزا بذلك الكسل والإرهاق.

وإن مما ينبه عليه ضرورة تعجيل صوم القضاء لمن أفطر معذورا في رمضان الماضي، فإنه لا يجوز للمسلم أن يدخل عليه رمضان وعليه قضاء من رمضان الذي قبله، ويجب عليه سرعة الأداء وعدم التهاون، إذ أن بذلك يكمل صيام شهره الماضي، ويستقبل شهره القادم.

وإن من التهيؤ لشهر رمضان الإقبال على القرآن قراءة وترتيلا وتدبرا، لتتهيأ النفوس لشهر القرآن، وتستقبله على طاعة الرحمن، قال أنس بن مالك –رضي الله عنه- : (كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف فقرؤوها، وأخرجوا زكاة أموالهم، تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان).

وإن من التهيؤ لشهر رمضان تهيئة البيت والأزواج والأولاد، بحسن ترغيبهم، وبيان فضل موسم رمضان، وقضاء حوائجهم وحوائج يوم عيدهم قبل الشهر، لينشغلوا فيه بما يرفع درجاتهم عند الله، من الصوم والصلاة والصدقة والبر والصلة وعموم الخيرات.

وإن من التهيؤ لشهر رمضان معاهدة النفس على تغيير كثير من العادات السيئة أو المحرمة، والبدء في ذلك، وتشجيع من حولك أهلك وقرابتك على تغيير أحوالهم وأنفسهم، بالتوبة والاستغفار.

وإن من التهيؤ لشهر رمضان الإكثار من الدعاء، بأن يبلغك الله هذا الشهر، وأن يعينك فيه على ما يقربك إليه، وأن يتقبله منك، ويرزقك فيه الإخلاص والسداد.

بلغنا الله وإياكم مواسم الخيرات، وأعاننا فيها على فعل الخيرات وترك المنكرات

هذا وصلوا وسلموا على من أمر الله بالصلاة والسلام عليه، فإن الله وملائكته يصلون على النبي، ومن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا.

اللهم صل وسلم وزد وبارك، على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، ومن سار على نهجهم وسلك طريقتهم إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

المرفقات

1707439396_وكان يصوم شعبان كله.pdf

1707439497_وكان يصوم شعبان كله.docx

المشاهدات 937 | التعليقات 0