(وقفه مع حديث نبوي) مستفادة من خطبة الشيخ / عبدالرزاق البدر وعليها بعض الإضافات
Abosaleh75 Abosaleh75
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ -فَيَا عِبَادَ اللهِ- اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ؛) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران:102].
أيها الناس: واسلكوا سبيل السلامة والنجاة، واحذروا سبل العطب والأمور المهلكات، واستمعوا يارعاكم الله الى حديث نبوي عظيم فيه توجيه وإرشاد وتحذير عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات، فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات، فهوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهنَّ) اخرجه البيهقي وحسنه الألباني.
فيا له من كلام جامعٍ لمسالك الخيرات، محذرٍ عن موانع الهلكات:
*أما المنجيات فأولها: تقوى الله في السر والعلانية، فهي ملاك الأمور، وبها حصول الخيرات واندفاع الشرور، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وهي مراقبة الله على الدوام، والعلم بقرب الملك العلام، قال عليه الصلاة والسلام (اتق الله حيثما كنت) فيستحيي المتقي من ربه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده في كل ما يقرب إلى رضاه.
*وأما ثاني المنجيات قول الحق في الغضب والرضا، فإن ذلك عنوان على الصدق والعدل والتوفيق، وأكبر برهان على الإيمان وقهر العبد لغضبه وشهوته، فإنه لا ينجو منها إلا كل صدِّيق، فلا يُخرجه الغضب والشهوة عن الحق، ولا يُدخلانه في الباطل، بل الصدق عام لأحواله كلها والعدل في الغضب والرضا، وهو أمر عزيز جدًا في الناس، وذلك أن الغضب يحمل صاحبه على أن يقول غير الحق ويفعل غير العدل، فمن كان لا يقول إلا الحق في الغضب والرضا دلّ ذلك على شدة إيمانه وأنه يملك نفسه، فهو الشديد حقًا، كما قال النبي
: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) متفق عليه. وقد حرص السلف على التخلق بهذا الخلق أيما حرص، يقول مورق العجلي: "ما تكلمت بشيء في الغضب ندمت عليه في الرضا".
*وثالث المنجيات القصد في الفقر والغنى، فإن هذا علامة على قوة العقل وحسن التدبير، وهو حال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان مقتصدًا في حال فقره وغناه. والقصد هو التوسط، فإن كان فقيرًا لم يُقتِّر خوفًا من نفاد الرزق، ولم يسرف فيحمل ما لا طاقة له به، كما أدب الله تعالى نبيه بذلك في قوله: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) [الإسراء:29]، وإن كان غنيًا لم يحمله غناه على السرف والطغيان، بل يكون مقتصدًا أيضًا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67].
واعلموا أن التوسط لب الفضيلة، وهو أن تملك الحياة الدنيا لتسخرها في بلوغ المثل العليا، لا أن تملكك الحياة فتسخرك لدناياها، ولا أن تحرم من الحياة أصلاً فتقعد ملومًا محسورًا، وهذا ما عناه النبي
بقوله: ((والله، ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) رواه البخاري، وقال: ((السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة)) رواه الترمذي.
فهذه الثلاث جمعت كل خير متعلق بحق الله، وحق النفس، وحقوق العباد، وصاحبها قد فاز بالقدح المعلَّى والهدى والرشاد هذه المنجيات الثلاث التي كان النبي ﷺ يسألها ربه فيقول: اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر).
وأما الثلاث المهلكات:
*فأولاهنَّ هوى متبع: فإن الهوى يهوي بصاحبه إلى أسفل الدركات، وبالهوى تندفع النفوس إلى الشهوات الضارة المهلكات. وإذا تأملت حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كل واحد منهم خالف هواه، فنال تلك الرتبة. وما ضل من ضل عن سبيل الرشاد والهداية وأوغل في سبيل الضلال والغواية إلا وكان الهوى العامل الأساس في ذلك، يقول ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: "فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه قال تعالى﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]،، وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمون أهلها أهل الأهواء) انتهى كلامه.
ولذا - عباد الله - فإن الهوى من أخوف ما خافه النبي -صلى الله عليه وسلم-على أمته؛ فعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلاتِ الْهَوَى) رواه أحمد وصححه الألباني. وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء) رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
إنه ياعباد الله لا نجاة من هلكة الهوى إلا بمخالفته، وسؤال الله الإعانة على ذلك، يقول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ سورة النازعات (40-41).
بارك الله لي ولكم في القران العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلاةً وسلامًا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التَّوْبَةِ
عباد الله:
*وثاني المهلكات الشح المطاع وهو خلق ذميم تلبس به بعضاً من المسلمين فحملهم على الشره والبطر والحرص الذميم على الدنيا وهو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقي شره، وذلك هو المفلح قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾ سورة الحشر(9). قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية فمن وقاه الله شر شح نفسه بأن سمحت نفسه بالإنفاق النافع لها ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ لأنهم أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه.
وقد جاءت السنة النبوية بالتنفير من الشح وذمه والتحذير منه، فمنها ما رواه عبد الله ابن عمرو أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: ( إياكم والشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ) رواه أبو داود وصححه الألباني بل عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الشح من الكبائر المهلكة، فقد أخرج الإمام النسائي في سننه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات )، قيل: يا رسول الله، وما هي؟ قال: ( الشرك، والشح، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ). وقال صلى الله عليه وسلم: (ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا) رواهما النسائي وصححهما الألباني.
*وثالث المهلكات إعجاب المرء بنفسه، قال المناوي-رحمه الله-: "أي تحسين كل أحد نفسه على غيره وإن كان قبيحاً. وقال القرطبي: وإعجاب المرء بنفسه هو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله، قال تعالى في قصة قارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ - فماذا كان مصيره - ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾، فثمرة العجب الهلاك. اذن إعجاب المرء بنفسه من أعظم المهلكات وفظائع الأمور، وهو باب إلى الكبر والزهو والغرور، ووسيلة إلى الفخر والخُيلاء واحتقار الخلق الذي هو من أعظم الشرور.
فهذه الثلاث: الهوى المتبع والشح المطاع والإعجاب بالنفس، من جمعها فهو من الهالكين، ومن اتصف بها فقد باء بغضب من الله، واستحق العذاب المهين.
فطوبى لمن كان هواه تبعًا لمراضي الله، وطوبى لمن وُقِي شحَّ نفسه، فكـان من المفلحين، وعرف نفسه حقيقة فتواضع للحق وخفض جناحه للمؤمنين.
منَّ الله علي وعليكم بمكارم الأخلاق ومعاليها، وحفظنا من مضارها ومساوئها، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
المرفقات
1654793893_وقفه مع حديث نبوي.pdf