وقفة مع قوله تعالى وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ

عايد القزلان التميمي
1446/06/18 - 2024/12/20 07:40AM
  الحمد لله تفرَّد بالوحدانية والخلق والإيجاد، وتنزَّه عن الشركاء والنُّظراءِ والأندادِ، رضِيَ لنا الإسلامَ دينًا وجعلنا مِن خير العباد، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له وأشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله حَمَى حِمى التوحيدِ، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد فيا أيها المؤمنون: حديثنا اليوم وقفة مع قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [
وقوله سبحانه { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} .
 عباد الله : لقد تكرر ذِكر الوسيلة في الآيتين ، فالوسيلة وسيلتان: وسيلة جائزة، بل مشروعة مأمور بها، ووسيلة ممنوعة.
أما الوسيلة المشروعة الواجبة: فهي التوسل إلى الله بالإيمان، والعمل الصالح، وسائر ما شرعه الله -جل وعلا- وهي المراد في قوله سبحانه(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ))،
يعني: القربة إليه بطاعته: كالصلاة، والصوم، والصدقة، والحج، وإخلاص العبادة لله، ونحو ذلك .
 وإنَّ الوسيلة كما تفيد الآيتان هي القيام بحق الله من توحيده، وطاعته، بفعل الأوامر، وترك النواهي، وهي الإيمان، والهدى، والتقوى، وهي ما بعث الله به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من قول وعمل.
وقد أفادت الآيتان أن الوسيلة تقوم على ركنين عظيمين وأساسين متينين: الإخلاص لله عز وجل ، والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام في الأعمال كلها.
عباد الله وَالتَّوَسُّلُ المشروع إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَكُونُ بِعِدَّةِ أُمُورٍ، وَمِنْهَا التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، ومثال ذلك : كما في قوله تعالى : ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)) .
أيها المؤمنون: إِنَّ التَّوَسُّلَ إِلَى اللهِ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ لاَ تَقْتَصِرُ آثَارُهُ وَثِمَارُهُ عَلَى الآخِرَةِ، بَلْ يَجِدُ المُؤمِنُ ثِمَارَ ذَلِكَ فِي الدنيا قبل الآخرة وقد ورد ذلك في قصة أصحاب الغار، ففي صحيح البخاري: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ _ فأحدهم دعا وسأل ربه ببره لوالديه، والآخر توسل إلى الله بِعِفَّتِه عن الزنا بعد قدرته على المرأة، والثالث توسل إلى الله بأداء الأمانة لأجير كان له أجر عنده، فنمى أجره، فلما جاء أعطاه إياه كاملًا، _ فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ» الحديث
عباد الله وإِنَّ مِنَ التَّوسُّلِ المشروع التَّوسُّلَ بِأَسمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ ، فَقَدْ سَمِعَ الرَّسُولُ ﷺ رَجُلاً يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ بِاسمِ اللهِ الأَعْظَمِ، الذِي إِذَا سُئلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ)،.
عباد الله : أما الوسيلة الأخرى الممنوعة التي لا تجوز: فهي التوسل إليه بدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، فهذه الوسيلة شركية، يسميها المشركون: وسيلة، وهي شرك أكبر، وهي المراد في قوله سبحانه(( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ))
ويقول -جل وعلا(( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ))
ومَن دعا الأمواتَ فنِداؤه لا يُسمَع وحاجاتُه لا تُرفَع، قال سبحانه:  (( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ   إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ )).
 وتدبروا كتاب ربكم الذي ينهى عن الشرك قال الله  (( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ  ))
والمولى جل وعلا يقول لنبيه:  ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا )) .
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية :
الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ
فيا عباد الله لقد حذر الله سبحانه وتعالى نبيه من الشرك، بل إنه سبحانه أوحى إلى رسوله وأفضل خلقه وإلى الأنبياء من قبله بأنهم لو أشركوا لأحبط الله أعمالهم، يقول سبحانه مخاطبا نبيه:  وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ   بَلِ اللَّه فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ  
ولقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ أهم أمور الدين التوحيد، وأنه لا دين لمن لا توحيد له، قال صلى الله عليه وسلم (( مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن ماتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ)) رواه مسلم.
فاتقوا الله وابتعدوا عن كل ما يُحْبِط توحيدكم وإيمانكم
، أسأل الله أن يثبتنا على الإيمان والتوحيد حتى نلقاه، وأن يميتنا مسلمين مُوَحِّدِين.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله........
المرفقات

1734669585_وقفة مع قوله تعالى وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ.docx

المشاهدات 393 | التعليقات 0