وقفة مع دعاء يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث
عايد القزلان التميمي
1444/07/26 - 2023/02/17 08:31AM
الحمد لله الحي القيوم، الدائم الذي لا يزول، هو الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والباطن فليس دونه شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على طريقهم، واتبع هداهم إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن .
عباد الله إنَّ من جوامعِ الأدعيةِ التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يواظِبُ عليه وهو ما أوصى به ابنتَه فاطمةَ رضي اللهُ عنها، حين قالَ لها: ((ما يمنعُكِ أنْ تسمعي ما أوصيكِ به؟ أنْ تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حيُّ يا قيومُ، برحمتِك أستغيثُ، أصلحْ لي شأني كلَّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ))؛ حسّنه الألباني ، وكان إذا كَرَبَهُ أمرٌ صلى الله عليه وسلم قال: ((يا حيُّ يا قيومُ! برحمتِك أستغيثُ))؛ رواه الترمذيُّ وحسَّنَه الألبانيُّ.
عباد الله هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين ، وتتضمن التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته ، فهو سبحانه الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ، والعبد يستمد العون والتأييد من الحي القيوم عز وجل ، كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء ، لعله ينال منها ما يُسعده في دُنياه وآخرته . ثم يسأل الله تعالى صلاح الأمور والأحوال ، فيقول : أصلح لي شأني كله أي : جميع أمري : في بيتي ، وأهلي ، وجيراني ، وأصحابي ، وعملي ، ودراستي ، وفي نفسي ، وقلبي ، وصحتي...في كل شيء يتعلق بي ، اجعل يا رب الصلاح والعافية حظي ونصيبي . وذلك كله من فضل الله سبحانه وتعالى ، وليس باستحقاق العبد ولا بجاهه ، ولذلك جاء ختم الدعاء بالاعتراف بالفقر التام إليه سبحانه ، والاستسلام الكامل لغناه عز وجل ، فيقول : ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين : أي لا تتركني لضعفي وعجزي لحظة واحدة ، بل أصحبني العافية دائما ، وأعني بقوتك وقدرتك ، فإن من توكل على الله كفاه ، ومن استعان بالله أعانه ، والعبد لا غنى به عن الله طرفة عين .
عباد الله فأكمل الخلق أكملهم عبودية ، وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه ، وعدم استغنائه عنه طرفة عين . ولهذا كان من دعائه : أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك ، وكان يدعو : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . يعلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل ، لا يملك منه شيئا ، وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء ، كيف وهو يتلو قوله تعالى (( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ))
عباد الله إن الله برحمته نشر هذه الرحمة بين عباده كما قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: ((جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَه)) رواه البخاري،.
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ((أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) رواه البخاري.
لذلك يقول رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ
الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ)) رواه مسلم.
عباد الله إن الله سبحانه لما استوى على عرشه كتب على نفسه يوم استوائه على عرشه كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: (( إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي )) متفق عليه. ويقول تعالى مرغبًا عباده برحمته: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ .
فخاطبهم الله بـ(يا عبادي) تأليفًا لقلوبهم وتأنيسًا لأرواحهم. وبرحمته سبحانه أرسل الرسل وأنزل الكتب، ويسر على عباده وبعث فيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ علَّمنا من الجهالة وهدانا من الضلالة،
عباد الله ومن رحمته جل وعلا أنه سهَّل علينا التكاليف الشرعية، فأسهلُ الأعمالِ تُدخلك في رحمته، ألم يغفرِ اللهُ لزانية لأنها سقت كلبًا كاد يموت من العطش؟! ألم يدخلِ اللهُ الجنة رجلا أزال غصن شوك من طريق الناس؟! أعطانا الكفارات ليَغفر لنا، وأرشدنا إلى أسهل الأدعية والتسبيحات التي إذا تلفظنا بها ثقلت موازيننا وغُفرت ذنوبنا ولو كانت مثل زبد البحر.
أسأل الله تعالى أن يدخلنا في رحمته ويجنبنا معصيته. قلت ما قد سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، فهو أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: إن كثيرا من الناس ما فهموا معنى رحمة الله، فلذلك تمادوا في المعاصي بحجة أن الله سيغفر الذنوب، وما علموا بأن الله جل وعلا قد اشترط لنيل رحمته قائلا: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ فيجب علينا الطاعة والاستجابة لأمر الله ورسوله والإتيان بالأسباب التي ننالُ بها رحمة الله عز وجل، والكل راجع إليه، فلنتب إلى الله, ولنتذلل بين يديه لعله يقبلنا، قبل أن يأتينا الموت فنندم ولات ساعة مندم .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...
المرفقات
1676612054_وقفة مع دعاء يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث.docx