وقفات وعبر في قصة موسى وفرعون 1439/01/09

وقفات وعبر في قصة موسى وفرعون[1]

الحمدلله الذي ينصر أولياءه ويؤيدَهم, ويُهلك الطواغيت بقوته ويقهرهم بقهره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شي قدير, وأشهد أن سيدنا محمداً رسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون, واعتبروا بما حصل للجبابرة الطواغيت من عذاب الله وسخطه ونقمته وأليم عقابه.

عباد الله في العاشر من هذا الشهر شهر الله المحرم نصر الله نبيه موسى عليه السلام, بمعجزة إلهية, بأن أغرق فرعون وجنوده في البحر, ونجى موسى عليه السلام وقومه ونصرهم وفي هذه القصة من المواعظ والعبر ما فيه مُدَّكر, وهي على وقفات:

الوقفة الأولى: أنَّ التكبر والطغيان وسفك الدماء المعصومة صفة من صفات فرعون, فقد كان يُذبِّح أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} قال الإمام السعدي معللا ذبح فرعون لأبناء بني إسرائيل بقوله: خوفا من أن يكثروا، فيغمروه في بلاده، ويصير لهم الملك[2]. ومما اتصف به فرعون أنَّه جعل الناس طوائفَ متفرقينَ ليسهلَ عليه التصرفُ فيهم وتنفيذُ ما أراده بينهم, وهكذا هم جبابرة الأرض من الأعداء يسعون لتفريق شمل الأمة الإسلامية بجعلهم فرقاً وشيعاً وأحزاباً يتناحرون فيما بينهم, وكذلك الأعداء الصهاينة والصليبيون والمجوس يفعلون في سوريا والعراق من تقتيل أبناء المسلمين وانتهاك أعراض نسائهم وتهجيرهم من بلدانهم, والحرب عليهم بأشد أدوات الحروب فتكاً ودماراً, وكل هذا من استعلائهم واستكبارهم, ولسان حالهم هو لسان حال قوم عاد الذين قالوا: من أشدُّ منا قوة؟ قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} وكان من علو فرعون وطغيانه أن ادعى الألوهية فقال: {يَاأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.

الوقفة الثانية يا عباد الله: أنَّ فرعون لما طغى وكذَّب رسول الله موسى عليه السلام وادعى أنَّه إله قومه في جرأة عظيمة على الله تعالى لم يبلغها أي إنسان, ونفى أن يكونَ يعلمُ إلهاً غيرَه لهم, ولما كان في سابق علم الله أنَّه لن يهدي فرعون ولا من تبعه, فإنَّ موسى عليه السلام دعا عليه وعلى أتباعه بقوله: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (89) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .

الوقفة الثالثة: أنَّ الله استجاب دعاء نبيه موسى عليه السلام, قال السعدي: (أمر اللهُ موسى أن يسري ببني إسرائيل ليلاً وأخبره أنهم يُتَّبَعون، وأرسلَ فرعونُ في المدائن حاشرين فجمعَ جنودَه قاصيَهم ودانيَهم فأتبعهم بجنوده بغيًا وعدوًا باغين على موسى وقومهِ ومعتدينَ في الأرض وإذا اشتدَّ البغي واستحكم الذنب فانتظر العقوبة, وذلك أنَّ اللهَ أوحى إلى موسى، لما وصل البحر، أن يضربه بعصاه، فضربه، فانفلق اثني عشر طريقًا، وسلكه بنو إسرائيل، وساقَ فرعونَ وجنودَهُ خلفه داخلين, فلما استكمل موسى وقومُه خارجين من البحر، وفرعونُ وجنودُه داخلين فيه، أمر الله البحر فالتطم على فرعونَ وجنودِه، فأغرقهم، وبنو إسرائيل ينظرون, حتى إذا أدركَ فرعونَ الغرق، وجزمَ بهلاكه {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} ولكن لن ينفعَهُ إيمانُه كما جرت عادة الله، أن الكفار إذا وصلوا إلى هذه الحالة الاضطرارية أنَّه لا ينفعهم إيمانهم؛ لأنَّ إيمانهم، صار إيمانًا مشاهدًا كإيمان من ورد القيامة، والذي ينفع، إنما هو الإيمان بالغيب[3].

الوقفة الرابعة: أنَّ مصير العتاةِ والجبابرةِ والظلمةِ والمفسدين في الأرض, إنما هو الهلاك, فلقد أهلك اللهُ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما وأهلكَ عاداً الأولى, وثمودَ فما أبقى, وأغرقَ قومَ نوح, وأنَّ اللهَ جلَّ في علاه سيُهلك كلَّ من سار على ما سار عليه أولئك المكذبون الطواغيتُ المجرمون, فكلَّما زاد طغيانهم وإفسادهم كلما قرُب هلاكم وزوالُهم.

الوقفة الخامسة: أنَّ الله تعالى أهلكَ فرعونَ وقومَه في يوم عاشوراء فصامه اليهود شكراً لله على نجاة موسى وقومهِ وغرقِ فرعونَ وقومهِ, في الحديث المتفق عليه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَه) وقَالَ ابن عباس رضي الله عنه: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وفي صحيح مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عباد الله احرصوا على صيام يوم عاشوراء ويوم قبله أو يوم بعده اتباعاً للسنة واغتناماً للأجر العظيم في صيامه.

بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

[1] خطبة الجمعة 09/01/1439هـ في جامع بلدة الداخلة في سدير, عمرالمشاري.

[2] تفسير السعدي (ص: 612).

[3] تفسير السعدي (ص: 372) .

المرفقات

وعبر-في-قصة-موسى-وفرعون

وعبر-في-قصة-موسى-وفرعون

المشاهدات 1539 | التعليقات 0