( وقفات وتنبيهات حول حر الصيف ) 24 شوال 1437 هـ

مبارك العشوان
1437/10/22 - 2016/07/27 12:18PM
إنَّ الحمدَ للهِ... أما بعدُ: فاتقوا الله ... مسلمون.
عبادَ الله: روى البخاريُّ ومسلمٌ من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ).
وللبخاريِّ ومسلمٍ أيضاً من حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ ).
عبادَ الله: معَ اشتِدَادِ الحَرِّ في أيَّامِنَا هذهِ، نقفُ بعضَ الوقفاتِ والتنبيهاتِ عسى أن تكونَ ذِكرى للذاكرين، وعبرًا للمعتبرين.
عبادَ الله: اذكُرُوا رحمكمُ الله بِحَرِّ الشمسِ حَرَّ يَومٍ قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عنه: ( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ، قَالَ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا قَالَ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ ) رواه مسلم.
تذكروا أيُّها الناسُ وأنتم تتقونَ شِدَة الحَرِّ، ولا تُطِيقُونَ عليها الصبر؛ أنَّ جهنَّمَ أولى أنْ نتقيَ حَرَّهَا، وَنَفِرَّ أشدَّ الفرارِ مِنَها.
تَفِرُّ مِنَ الْهَجِير وتَتَّقِيــــــهِ ،،،،، فَهَلاَّ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَــرَرْتَا
وَلَسْتَ تُطيقُ أهْوَنَها عَذَابًا ،،،،، ولو كُنْتَ الْحَدِيدَ بِها لَذُبْتَا
جَهَنَّمُ أولى أنْ نتَوَاصَى بِالبُعْدِ عنها، ونأخُذَ بِأسْبَابِ السَّلامةِ مِنْهَا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6 يقولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَوِقَايَةُ الأنفُسِ: بِإِلزَامِهَا أمْرَ الله، والقيامَ بِأمرِهِ امتثالاً، وَنَهْيِهِ اجتنابًا، والتوبَةََ عَمَّا يُسْخِطُ اللهَ ويُوجِبُ العذاب، وَوِقايةُ الأهْلِ والأولادِ، بِتَأدِيْبِهِم وَتَعْلِيْمِهِم، وَإِجْبَارِهِم على أمرِ الله، فَلا يَسْلَمُ العبدُ إلا إذا قَامَ بِمَا أمَرَ اللهُ بِهِ في نَفْسِهِ، وَفِيمَنْ يدُخُلُ تحتَ وِلايتِهِ مِنَ الزوجَاتِ والأولادِ وغيرِهِم مِمَّنْ هُو تَحْتَ وِلايَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ.
عبادَ الله: ومما ينبغي تَذَكُّرُهُ: مَا يَسَّرَ اللهُ تعالى لنا من وَسَائِلِ التبريدِ، ومِمَّا نَتَّقِى بِهِ شِدَةَ الحَرِّ، فِي بُيُوتِنِا ومَسَاجِدِنَا وأعمالِنَا وسيَّارَاتِنَا، وهِيَ نِعَمٌ تَسْتَوجِبُ الشُّكرَ؛ وَتُذَكِّرُ بِمَنْ فَقَدَهَا؛ فَلنَحْمَدِ اللهَ تَعَالى عَليها، ولنَشْكُرْهُ على تَسْخِيْرِهَا؛ فاللهمَّ لكَ الحمدُ لا نُحْصِى ثناءً عليك.
وَمِمَّا ينبغِي التَّنَبُهُ لَهُ رحمكمُ الله: أنْ يَحْفَظَ الإنسانُ لِسَانَهُ مِنَ التَأفُّفِ والتَّسَخُطِ والتَّضَجُر، أوِ السُخْرِيةِ، وَتَنَاقُلِ النُكتِ عَنْ حَرَارَةِ الجَوِّ.
يقولُ ابنُ القيمِ رحمهُ الله: وقد كانَ السلفُ يُحَاسِبُ أحَدُهُم نَفْسََهُ في قوله: يومٌ حار، ويومٌ بارد. ويقولُ الشيخ بكر أبو زيد رحمهُ الله في كِتابِهِ: ( معجمُ المناهي اللفظية ) : وقد أصبحَ مِنَ المُعتَادِ لَدَى الناسِ تتبعُ تقلباتِ الجَوِّ، ومقياسُ درجاتِهِ؛ حرارةً وبرودةً، وَمَا أكثَرَ لَهَجَهُمْ بِذلكَ، وإتْبَاعَهُ بالتأففِ والتألمِ مِنْ شدةِ الحرِّ وشدةِ البرد... إلى أن قالَ رحمهُ الله: وَيَجْمُلُ بالمسلمِ التَّوَقِي عنْ مُتَابَعَةِ مِثل هذا واتِّخَاذِهِ حديثاً في المجالس. اهـ.
بارك الله لي ولكم ... أقول ما تسمعون ...


الخطبة الثانية:
الحمدُ لله... أما بعدُ: فَهذِهِ رحمكمُ اللهُ بعضُ التنبيهات:
يقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه الله: وَهُنَا نَقِفُ لِنُنَبِّهَ على مَسْألَةٍ خَطِيرَةٍ يَفعلُها بعضُ الناسِ في أيامِ الصيفِ، يَلْبَسُ ثوباً خفيفاً وَسِرْوَالاً قصيراً إلى نِصْفِ الفَخِذِ يُرَى مِنْ وَرَائِهِ لَونُ الجِلدِ ، فإذا صلَّى الإنسانُ على هذا الوجهِ فَصَلاتُهُ باطِلة؛ لأنَّهُ لَمْ يَتِمَّ السَّتْرُ ، ولا يَتِمُّ السَّتْرُ إلا بثوبٍ صفيق . أ . هـ
ومن التنبيهات: أنَّهُ مَعَ شدةِ الحَرِّ وَنُزُولِ العَرَقِ تَنْبَعِثُ الرَّوَائِحُ الكريهةُ منَ الإنسان، وخاصَّة صاحِبُ العَمَلِ الشَّاقِّ فينبغي أنْ يتعاهدَ نَفْسَهُ ويَتَنَظَّفَ ويتطيبَ، لا سِيَّمَا عند حُضُورِ المساجد قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الأعراف 31 وفي الحديثِ: ( مَنْ أكلَ مِنْ هذِهِ البقلةِ الثُّوم ـ وقالَ مَرَّةً: مَنْ أكلَ البَصَلَ والثومَ والكُرَّاثَ؛ فَلا يَقرَبَنَّ مَسجِدَنَا فإنَّ الملائكة تتأذى مِمَّا يتأذى مِنهُ بَنُو آدم ) رواه مسلم، فلنَجْتَنِبْ كُلَّ رائِحَةٍ تؤذي؛ سواءً مِنَ الثومِ والبصلِ، أو مِنَ الدُّخَانِ والشيشةِ، أو مِن روائحِ الجسمِ الكريهة، أو مِنْ روائحِ الأغنامِ، أو غيرها.
ومن التنبيهات عبادَ الله: أنْ يَرْفُقَ الإنسانُ بِمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ مِنَ العُمَّالِ والخَدَمِ، وأنْ يُحْسِنَ إليهم، ويُخَفِفَ عنهُم وأنْ يُعطِيهِم حَقَّهُم ولا يُشْغِلهُم وقتَ راحَتِهِم، كَمَا لا يَرَضَى هُوَ أنْ يُشْغَلَ وقتَ راحَتِهِ؛ وقد جاء في الحديث: ( فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ... ) رواه مسلم. وفي الحديث الآخر: ( إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) رواه البخاري ومسلم.
وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، ثم صلوا وسلموا ...
المشاهدات 1403 | التعليقات 0