وَقَفَاتٌ وَتَنْبِيهَاتٌ حَوْلَ حَرِّ الصَّيفِ
مبارك العشوان 1
إنَّ الحَمْدَ لِلهِ... أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ ... مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّــمَ: ( اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ).
وَلِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أيْضًا: ( إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ).
عِبَادَ اللهِ: مَعَ اشْتِدَادِ الحَرِّ أيَّامَنَا هَذِهِ، وَمَعَ مَا يَصْحَبُهُ مِنَ الرِّيَاحِ وَالغُبَارِ؛ نَقِفُ بَعْضَ الوَقَفَاتِ والتَّنْبِيهَاتِ.
عِبَادَ اللهِ: هَذَا الكَونُ بِسَمَاوَاتِهِ وَأَرَاضِيهِ، وَمَنْ فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمَا يَجْرِي فِيهِمَا؛ هَذَا الكَونُ بِلَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَحَرِّهِ وَبَرْدِهِ؛ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا، مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ يُصَرِّفُهُ كَيفَ يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَهُ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ؛ وَهُوَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ. { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } الأعراف 54
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُهُ لَهُ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ : أنْ يَحْفَظَ الْإنْسَانُ لِسَانَهُ مِنَ التَأفُّفِ وَالتَّضَجُّرِ، أَوِ السَّبِّ لِلْحَرِّ أوْ سَمُومِ الرِّيَاحِ أوِ الغُبَارِ، أوِ البِلَادِ الحَارَّةِ، أوِ السُخْرِيَةِ، وَتَنَاقُلِ النُكَتِ عَنْ حَرَارَةِ الجَوِّ؛ بَلْ عَلَيْكَ بِالأَدَبِ النَّبَوِيِّ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيرِ مَا فِيهَا وَخَيرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيْهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وَيَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُحَاسِبُ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: يَومٌ حَارٌّ، وَيَومٌ بَاِرِدٌ.
عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ بِحَرِّ الشَّمْسِ حَرَّ يَومٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ: ( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ فَوَ اللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ، قَالَ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا قَالَ وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ ) أخرجه مسلم.
اُذْكُرُوا أيُّهَا النَّاسُ وَأنْتُمْ تَتَّقُونَ شِدَةَ الحَرِّ، وَلَا تُطِيقُونَ عَلَيهَا الصَّبْرَ؛ أنَّ جَهَنَّمَ أوْلَى أنْ نَتَّقِيَ حَرَّهَا، وَنَفِرَّ أشَدَّ الفِرَارِ مِنَهَا.
تَفِرُّ مِنَ الْهَجِيرِ وَتَتَّقِيــــــهِ ،،،،، فَهَلَّا مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَــرَرْتَا
وَلَسْتَ تُطِيقُ أهْوَنَهَا عَذَابًا ،،،،، وَلَو كُنْتَ الْحَدِيدَ بِهَا لَذُبْتَا
جَهَنَّمُ أوْلَى أنْ تُتَّقَى؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } البقرة 24
جَهَنَّمُ ـ أيُّهَا النَّاسُ ـ أوْلَى أنْ نَتَوَاصَى بِالبُعْدِ عَنْهَا، وَنَأخُذَ بِأسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنْهَا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم 6
يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَوِقَايَةُ الأنْفُسِ: بِإِلزَامِهَا أمْرَ اللهِ، وَالقِيَامَ بِأمْرِهِ امْتِثَالاً، وَنَهْيِهِ اجْتِنَابًا، والتَّوبَةَ عَمَّا يُسْخِطُ اللهَ ويُوجِبُ العَذَابَ، وَوِقَايةُ الأهْلِ وَالأَوْلَادِ، بِتَأدِيْبِهِمْ، وَتَعْلِيْمِهِم، وَإِجْبَارِهِمْ عَلَى أمْرِ اللهِ، فَلَا يَسْلَمُ العَبْدُ إلَّا إذَا قَامَ بِمَا أمَرَ اللهُ بِهِ في نَفْسِهِ، وَفِيمَنْ يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ مِنَ الزَّوْجَاتِ والْأوْلَادِ وَغَيرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يَنْبَغِي تَذَكُّرُهُ: مَا يَسَّرَ اللهُ تَعَالَى لَنَا مِنْ وَسَائِلِ التَّبْرِيدِ، مِمَّا نَتَّقِي بِهِ شِدَّةَ الحَرِّ، فِي بُيُوتِنَا وَمَسَاجِدِنَا وَأَعْمَالِنَا وَسَيَّارَاتِنَا، وَهِيَ نِعَمٌ تَسْتَوجِبُ الشُّكْرَ؛ وَتُذَكِّرُ بِمَنْ فَقَدَهَا؛ لِنَتَأَمَّلْ حَالَنَا عِنْدَمَا يَنْقَطِعُ الكَهْرَبَاءُ دَقَائِقُ؛ فَلَا نُطِيقُهَا، وَحَالَ مَنْ يَنْقَطِعُ عَلَيهِمْ أيَّاماً، وَمَنْ يَعِيشُونَ بِلَا مَأْوَىً، وَحَالَ مَنْ شُرِّدُوا مِنْ دِيَارِهِم.
فَلْنَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ، وَلْنَشْكُرْهُ عَلَى تَسْخِيْرِهَا؛ فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ لَا نُحْصِى ثَنَاءً عَلَيكَ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ ... أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَمَّا بَعْدُ: فَمِنَ التَّنْبِيهَاتِ رَحِمَكُمُ اللهُ: أَنَّهُ مَعَ شِدَّةِ الحَرِّ يَعْرَقُ الْإِنْسَانُ وَتَنْبَعِثُ مِنْهُ الرَّوَائِحُ الْكَرِيْهَةُ؛ وَخَاصَّةً صَاحِبَ العَمَلِ الشَّاقِّ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ؛ وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَلَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يُعْجِبُهُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ الطَّيِّبُ، وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ رِيحٌ كَرِيهَةٌ.
وَمَنْ كَانَ سَيَحْضُرُ المَسْجِدَ كَانَ هَذَا فِي حَقِّةِ آكَدُ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الأعراف 31 ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (... مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ. ) أخرجه مسلم، فَتَجَنَّبْ أَخِي المُسْلِمُ كُلَّ رَائِحَةٍ تُؤْذِي بَنِي آدَمَ وَتُؤْذِي المَلَائِكَةَ؛ سَوَاءً مِمَّا ذُكِرَ، أَوِالدُّخَّانَ وَالشِّيشَةَ، أَوْ رَوَائِحَ الجِسْمِ، أو رَوَائِحَ الأَغْنَامِ، أوْ غَيرِهَا.
وَمِنَ التَّنْبِيهَاتِ عِبَادَ اللهِ: أنْ يَأْخُذَ الإنْسَانُ بِأسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنْ أضْرَارِ الشَّمْسِ، وَأنْ يَرْفُقَ بِنَفْسِهِ وبِمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ مِنَ الأَهْلِ وَالأَوْلَادِ، وَالعُمَّالِ وَالخَدَمِ، فَيُحْسِنُ إليهِمْ، وَيُخَفِفُ عَنْهُمْ، وَيُعْطِيهِمْ حَقَّهُمْ، وَلَا يُشْغِلُهُمْ وَقْتَ رَاحَتِهِمْ، كَمَا لَا يَرَضَى هُوَ أنْ يُشْغَلَ وَقْتَ رَاحَتِهِ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الحَــدِيثِ: ( فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ... ) أخرجه مسلم. وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) أخرجه البخاري ومسلم.
بَلْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ نُحْسِنَ حَتَّى إِلَى البَهَائِمِ وَالطُّيُورِ، سَوَاءً كَانَتْ تَحْتَ رِعَايَتِنَا أَمْ لَمْ تَكُنْ؛ فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ رِعَايَتِنَا فَالأَمْرُ آكَدُ، وَعَلَينَا الحَذَرُ مِنْ إِهْمَالِهَا مِمَّا تَحْتَاجُهُ مِنْ مَاءٍ وَغِذَاءٍ وَظِلٍّ وَدَوَاءٍ. وَفِي البُخَارِيِّ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ.) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: ( عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا سَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا... اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلَامَ ... اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا... عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ...